عندما يندم عملاء الموساد
صالح النعامي
كَانَت "هايدا بركات" وزوجها "لاري" في غاية الدهشة، فرئيس الوزراء الإسرائيلي مناحم بيجن نفسه يدعوهما لقضاء شهر العسل في المنتجع المخصص لرؤساء الوزراء في الطرف الشمالي من مدينة نهاريا، وذلك بعد أيام من عقد قرانهما في بيروت في مارس من العام 1981،
لاري هو شاب لبناني ماروني تَمَّ تجنيده للعمل لصالح جهاز المخابرات الإسرائيلي للمهام الخارجية "الموساد" في العام 1975م، والخدمات الكبيرة جدًّا التي قدمها لإسرائيل، والمعلومات الدقيقة والهامة التي نقلها للموساد جعلته من أهم المصادر التي اعتمدت عليها إسرائيل في شنّ حملة "الليطاني" عام 1978 وغزو لبنان عام 1982،
وبسبب تكرار قادة الموساد ذكر حجم المساهمة التي قدمها لاري لإسرائيل على مسامع بيجن الذي تخضع الأجهزة الاستخبارية لإمرته، فقد اهتمَّ بيجن بأن يشعر لاري أن إسرائيل تقدّر جهوده، فقام بدعوته لقضاء شهر العسل في المنتجع المخصص لرؤساء الوزراء.
كان لاري يصل إسرائيل كل أسبوعين حيث يقدم المعلومات لمجنديه في "الموساد"، ويعود للبنان ليواصل جمع المعلومات الاستخبارية عن بلده، هذا الأسبوع وبعد حوالي تسع سنوات على فرار إسرائيل من جنوب لبنان، أجرى التليفزيون الإسرائيلي باللغة العبرية مقابلة مع لاري الذي يخرج عن طوره في التعبير عن مدى ندمه على الارتباط بالموساد وخيانة شعبه، بعد أن تنكَّرت له إسرائيل ولزوجته التي أصبحت نزيلة في إحدى المصحات النفسية،
يقول لاري أنه فرّ مع عناصر جيش لبنان الجنوبي عندما انسحب الجيش الإسرائيلي من جنوب لبنان، حيث أنه كان يتوقع أن تستقبله إسرائيل استقبال الأبطال بفعل مساهمته في تمكين إسرائيل من توجيه ضربات قوية للمقاومة اللبنانية، وبلهجة تقطر حسرةً وندمًا يضيف لاري: "كنت أتوقع أن يوفروا لي سيارة ليموزين، فإذا بي أدخل إسرائيل في سيارة إسعاف بعد إصابتي بانهيار عصبي إثر تلكؤ الجيش الإسرائيلي بالسماح لي ولزوجتي بدخول إسرائيل فرارًا من عناصر حزب الله،
ويواصل لاري التعبير عن خيبة أمله وصدمته البالغة من سلوك الإسرائيليين تجاهه، ويقول: "تمرّ الأيام التي نعيشها هنا كأنها قرون، إنهم يعاملوننا معاملة الكلاب، لا كرامة لنا، لا احترام، لقد قذفونا إلى مجمع النفايات كما تُقذف قطع السيارات الميئوس من صلاحيتها"، وما يلبث لاري أن ينفجر باكيًا وهو يتساءل: "كيف يحدث هذا؟!
أنا أتحول إلى لاجئ في البلد الذي خدمته بكل ما أوتيت من قوة وإخلاص، أنا الذي كنت على لسان رؤساء الوزراء في إسرائيل، لا أطفر حاليًا بمقابلة موظف بسيط في الأجهزة الأمنية التي وفّرت عليها الكثير من العناء، وضحيت بوقتي وجهدي، وقبل كل ذلك بسُمعتي وسمعة عائلتي من أجل تنفيذ المهام التي طلبوها مني".
وتتحدث هايدا زوجة لاري عن تجربتها الشخصية وتجربة أولادها الذين ذاقوا ويلات اللجوء في البلد الذي كبروا وهم يعتقدون أنه يمثل ملاذهم الآمن، وتقول هايدا: "لقد توقعت أنهم سيفرشون لنا الورود، فإذا بهم يرمون لنا بفضلاتهم"،
وتضيف: "كلما أمرّ على القرى العربية في الجليل والمثلث أشعر بالحسرة والندم، وأسأل نفسي دائمًا: كيف أتحول أنا وزوجي إلى عملاء لإسرائيل في حين أن أهل هذه القرى الذين يعيشون تحت السيطرة الإسرائيلية يواصلون التمترس هنا في ظلّ شعورهم بالانتماء للقومية العربية ولم يفرطوا بوطنيتهم"،
وهنا يتدخل لاري، قائلًا: "أشعر أنني ارتكبت خطيئة عمري، لقد وافقت على التعامل مع الموساد لأنني اعتقدت أن إسرائيل هي الدولة الأقوى في الشرق الأوسط، وأنه لا يمكن قهرُها وهزيمتها، وكنت أؤمن أنه من الأفضل للإنسان أن يكون مع الطرف الأقوى،
لكنني صُدمت عندما هزمت إسرائيل على أيدي مقاتلي حزب الله، لم أكن أتوقع ولو في أشدّ الكوابيس أن تخسر إسرائيل الحرب في مواجهة حزب الله على هذا النحو، لقد تبين لي وبعد فوات الأوان أن إسرائيل نمر من ورق"، ويكشف لاري النقاب عن أن ضباط الجيش الإسرائيلي هددوا عناصر جيش لبنان الجنوبي قبيل فرار إسرائيل من لبنان عام 2000 أنه في حال لم يقم هؤلاء بإخلاء مواقعهم العسكرية والتوجه لإسرائيل، فإن الجيش الإسرائيلي سيقوم بإطلاق النار عليهم،
ويضيف لاري: إن الجيش الإسرائيلي لم يكن يحرص على قدوم ضباط جيش لبنان الجنوبي لإسرائيل حبًّا فيهم، بل حتى لا يقوموا بتسريب المعلومات التي بحوزتهم لجهاتٍ معادية.
عندما أجريت المقابلة مع هايدا كانت تتوجه يومين أسبوعيًّا لإحدى مستشفيات الأمراض العقلية بعد أن باتت تعاني من اضطرابات نفسية حادة، وما يلبث أن ينظر إليها لاري باكيًا، ويذكرها بدعوة بيجن لها وله بقضاء شهر العسل في منتجعه، وهي الآن تُترك لمصيرها مع مجانين اليهود.
المصدر
------alintiqad.com
16-11-2009
صالح النعامي
كَانَت "هايدا بركات" وزوجها "لاري" في غاية الدهشة، فرئيس الوزراء الإسرائيلي مناحم بيجن نفسه يدعوهما لقضاء شهر العسل في المنتجع المخصص لرؤساء الوزراء في الطرف الشمالي من مدينة نهاريا، وذلك بعد أيام من عقد قرانهما في بيروت في مارس من العام 1981،
لاري هو شاب لبناني ماروني تَمَّ تجنيده للعمل لصالح جهاز المخابرات الإسرائيلي للمهام الخارجية "الموساد" في العام 1975م، والخدمات الكبيرة جدًّا التي قدمها لإسرائيل، والمعلومات الدقيقة والهامة التي نقلها للموساد جعلته من أهم المصادر التي اعتمدت عليها إسرائيل في شنّ حملة "الليطاني" عام 1978 وغزو لبنان عام 1982،
وبسبب تكرار قادة الموساد ذكر حجم المساهمة التي قدمها لاري لإسرائيل على مسامع بيجن الذي تخضع الأجهزة الاستخبارية لإمرته، فقد اهتمَّ بيجن بأن يشعر لاري أن إسرائيل تقدّر جهوده، فقام بدعوته لقضاء شهر العسل في المنتجع المخصص لرؤساء الوزراء.
كان لاري يصل إسرائيل كل أسبوعين حيث يقدم المعلومات لمجنديه في "الموساد"، ويعود للبنان ليواصل جمع المعلومات الاستخبارية عن بلده، هذا الأسبوع وبعد حوالي تسع سنوات على فرار إسرائيل من جنوب لبنان، أجرى التليفزيون الإسرائيلي باللغة العبرية مقابلة مع لاري الذي يخرج عن طوره في التعبير عن مدى ندمه على الارتباط بالموساد وخيانة شعبه، بعد أن تنكَّرت له إسرائيل ولزوجته التي أصبحت نزيلة في إحدى المصحات النفسية،
يقول لاري أنه فرّ مع عناصر جيش لبنان الجنوبي عندما انسحب الجيش الإسرائيلي من جنوب لبنان، حيث أنه كان يتوقع أن تستقبله إسرائيل استقبال الأبطال بفعل مساهمته في تمكين إسرائيل من توجيه ضربات قوية للمقاومة اللبنانية، وبلهجة تقطر حسرةً وندمًا يضيف لاري: "كنت أتوقع أن يوفروا لي سيارة ليموزين، فإذا بي أدخل إسرائيل في سيارة إسعاف بعد إصابتي بانهيار عصبي إثر تلكؤ الجيش الإسرائيلي بالسماح لي ولزوجتي بدخول إسرائيل فرارًا من عناصر حزب الله،
ويواصل لاري التعبير عن خيبة أمله وصدمته البالغة من سلوك الإسرائيليين تجاهه، ويقول: "تمرّ الأيام التي نعيشها هنا كأنها قرون، إنهم يعاملوننا معاملة الكلاب، لا كرامة لنا، لا احترام، لقد قذفونا إلى مجمع النفايات كما تُقذف قطع السيارات الميئوس من صلاحيتها"، وما يلبث لاري أن ينفجر باكيًا وهو يتساءل: "كيف يحدث هذا؟!
أنا أتحول إلى لاجئ في البلد الذي خدمته بكل ما أوتيت من قوة وإخلاص، أنا الذي كنت على لسان رؤساء الوزراء في إسرائيل، لا أطفر حاليًا بمقابلة موظف بسيط في الأجهزة الأمنية التي وفّرت عليها الكثير من العناء، وضحيت بوقتي وجهدي، وقبل كل ذلك بسُمعتي وسمعة عائلتي من أجل تنفيذ المهام التي طلبوها مني".
وتتحدث هايدا زوجة لاري عن تجربتها الشخصية وتجربة أولادها الذين ذاقوا ويلات اللجوء في البلد الذي كبروا وهم يعتقدون أنه يمثل ملاذهم الآمن، وتقول هايدا: "لقد توقعت أنهم سيفرشون لنا الورود، فإذا بهم يرمون لنا بفضلاتهم"،
وتضيف: "كلما أمرّ على القرى العربية في الجليل والمثلث أشعر بالحسرة والندم، وأسأل نفسي دائمًا: كيف أتحول أنا وزوجي إلى عملاء لإسرائيل في حين أن أهل هذه القرى الذين يعيشون تحت السيطرة الإسرائيلية يواصلون التمترس هنا في ظلّ شعورهم بالانتماء للقومية العربية ولم يفرطوا بوطنيتهم"،
وهنا يتدخل لاري، قائلًا: "أشعر أنني ارتكبت خطيئة عمري، لقد وافقت على التعامل مع الموساد لأنني اعتقدت أن إسرائيل هي الدولة الأقوى في الشرق الأوسط، وأنه لا يمكن قهرُها وهزيمتها، وكنت أؤمن أنه من الأفضل للإنسان أن يكون مع الطرف الأقوى،
لكنني صُدمت عندما هزمت إسرائيل على أيدي مقاتلي حزب الله، لم أكن أتوقع ولو في أشدّ الكوابيس أن تخسر إسرائيل الحرب في مواجهة حزب الله على هذا النحو، لقد تبين لي وبعد فوات الأوان أن إسرائيل نمر من ورق"، ويكشف لاري النقاب عن أن ضباط الجيش الإسرائيلي هددوا عناصر جيش لبنان الجنوبي قبيل فرار إسرائيل من لبنان عام 2000 أنه في حال لم يقم هؤلاء بإخلاء مواقعهم العسكرية والتوجه لإسرائيل، فإن الجيش الإسرائيلي سيقوم بإطلاق النار عليهم،
ويضيف لاري: إن الجيش الإسرائيلي لم يكن يحرص على قدوم ضباط جيش لبنان الجنوبي لإسرائيل حبًّا فيهم، بل حتى لا يقوموا بتسريب المعلومات التي بحوزتهم لجهاتٍ معادية.
عندما أجريت المقابلة مع هايدا كانت تتوجه يومين أسبوعيًّا لإحدى مستشفيات الأمراض العقلية بعد أن باتت تعاني من اضطرابات نفسية حادة، وما يلبث أن ينظر إليها لاري باكيًا، ويذكرها بدعوة بيجن لها وله بقضاء شهر العسل في منتجعه، وهي الآن تُترك لمصيرها مع مجانين اليهود.
المصدر
------alintiqad.com
16-11-2009