جعفر الصادق احد أئمّة ساداتنا آل البيت الكبار، كان رضي الله عنه إذا احتاج إلى شيءٍ قال: يا ربّاه، أنا محتاج إلى كذا. فما يستتمّ دعاءه إلاّ وذلك الشيء بجنبه موضوعاً ـ قاله الشعرانيّ.
• قال المناويّ: من كراماته أنّه سُعِي به عند المنصور، فلمّا حجّ أحضر الساعي وأحضره، وقال للساعي ( أي المخبر الذي أراد الوقيعة بالإمام الصادق عليه السّلام ): أتحلف ؟ قال: نعم. فقال جعفر الصادق للمنصور: حلِّفْه بما أراه. فقال: حلّفه. فقال الصادق: قُلْ: بَرِئتُ من حول الله وقوّته، والتجأتُ إلى حولي وقوّتي.. لقد فعل جعفرٌ كذا وكذا. فامتنع الرجل، ثم حلف.. فما تمّ حتّى مات مكانَه!
• ومنها: أنّه لمّا بلغه قولُ الحكم بن العبّاس الكلبيّ في عمّه زيد بن عليّ:
صَلَبْنا لكم زيداً على جذعِ نخلةٍ ولم نَرَ مهديّاً على الجذعِ يُصلَبُ
قال الصادق: اللّهمّ سلِّطْ عليه كلباً من كلابك.. فافترسه الأسد.
• ومنها أنّ بعض البُغاة قتل مولىً للصادق، فلم يزل الصادق ليلتَه يُصلّي.. ثمّ دعا عليه عند السَّحَر، فسُمِعت الضجّة بموت ذلك الباغي.
• قال الشليّ: من كراماته أنَ بني هاشم أرادوا أن يبايعوا محمّداً وإبراهيم ابنَي عبدِالله المحض بنِ الحسن المثنّى، وذلك في أواخر دولة بني مروان وضَعفِهم، فأرسلوا لجعفر الصادق.. فلمّا حضر أخبروه بسبب اجتماعهم، فأبى، فقالوا: مُدَّ يدك لنبايعك. فامتنع وقال: واللهِ ليست لي ولا لهما، وإنّها لِصاحب القباء الأصفر، والله ليلعبنّ بها صبيانُهم وغلمانهم!
ثمّ نهض وخرج، وكان المنصور العبّاسيّ يومئذٍ حاضراً وعليه قباء أصفر. فما زالت كلمة جعفر الصادق تعمل فيه حتّى ملكوا.
موسى الكاظم
أحد أعيان أكابر الأئمّة من ساداتنا آل البيت الكرام، هُداة الإسلام رضي الله عنهم أجمعين، ونفَعنا ببركاتهم، وأماتنا على حبّهم وحبّ جَدّهم الأعظم صلّى الله عليه وآله وسلّم.
• قال شقيق البلخيّ: خرجتُ حاجّاً في سنة 149، فنزلت القادسيّة.. فبينما أنا أنظر إلى الناس وزينتهم وكثرتهم نظرتُ فتىً حَسَنَ الوجه، فوق ثيابه ثوب صوف مشتمل بشملة وفي رجليه نعلان، وقد جلس منفرداً. فقلت في نفسي: هذا الفتى من الصوفيّة يريد أن يكون كلاًّ على الناس في طريقهم ( أي عالةً عليهم )، واللهِ لأمضينّ إليه ولأُوبّخنّه! فدنوتُ منه.. فلمّا رآني مُقبْلاً قال: يا شقيق! « اجتنِبُوا كثيراً مِن الظنِّ إنّ بعضَ الظنِّ إثْم »، وتركني ومضى. فقلت في نفسي: إنّ هذا الأمر عظيم! قد تكلّم بما نفسي، ونطق باسمي، ما هذا إلاّ عبدٌ صالح، لألحقنّه، ولأسألنّه أن يُحلّلني، فأسرعتُ في أثرَه، فلم ألحَقْه وغاب عن عيني..
فلمّا نزلنا أرضَ واقصة، إذا به يصلّي وأعضاؤه تضطرب ودموعه تجري، فقلت ( أي في نفسه ): هذا صاحبي، أمضي إليه وأستحلّه.. فصبرتُ حتّى جلس، وأقبلتُ نحوه، فلمّا رآني قال: يا شقيق، إقرأ: « وإنّي لَغفّارٌ لمَن تابَ وآمنَ وعَمِلَ صالحاً ثمّ آهتدى ».. ثمّ تركني ومضى.
فقلت: إنّ هذا الفتى لَمِن الأبدال! قد تكلّم على سِرّي مرّتين.
فلمّا نزلنا منزلاً، إذا بالفتى قائمٌ على بئرٍ وبيده رِكْوة ( دِلْوٌ صغير ) يريدأن يستسقي، فسقطت الرِّكوة من يده إلى البئر وأنا أنظر إليه، فرأيته قد رمق السماءَ، وسمعتُه يقول:
أنت ربّي إذا ظمِئتُ من الما ءِ، وقُوّتي إذا أردتُ الطعاما
اللّهمّ أنت تعلم ـ يا إلهي وسيّدي ـ مالي سواها، فلا تَعْدِمني إيّاها.
قال شقيق: فواللهِ لقد رأيت البئر وقد ارتفع ماؤها، فمدّ يده وأخذ الركوةَ وملأها ماءً، وتوضأ وصلّى أربع ركعات.. ثمّ مال إلى كثيبٍ من رمل، فجعل يقبض بيده ويطرحه في الركوة ويُحرّكه ويشرب. فأقبلتُ إليه، وسلّمت عليه، فردّ علَيّ السلام، فقلت: أطِعمْني مِن فضل ما أنعم الله تعالى به عليك. فقال: يا شقيق، لم تزل نعمةُ الله علينا ظاهرةً وباطنة، فأحسِنْ ظنَّك بربّك. ثمّ ناولني الركوة، فشربتُ منها فإذا سَويقٌ وسُكّر! فوَاللهِ ما شربتُ قطُّ ألذَّ منه ولا أطيبَ ريحاً، فشَبِعتُ ورُويت.. وأقمتُ أيّاماً لا أشتهي طعاماً ولا شراباً.
ثمّ لم أرَه.. حتّى دخَلْنا مكّة، فرأيته ليلةً في جنب قُبّة الشراب ( لعلّها زمزم ) في نصف الليل يصلّي بخشوعٍ وأنينٍ وبكاء.. فلم يزل كذلك حتّى ذهب الليل، فلمّا رأى الفجرَ جلس في مُصلاّه يسبّح، ثمّ قام فصلّى، فلمّا سلّم من صلاة الصبح طاف بالبيت ( أي الكعبة ) أسبوعاً ( سبع مرّات ) وخرج، فتبِعتُه، فإذا له حاشيةٌ ومَوالٍ، وهو على خلاف ما رأيته في الطريق، ودارَ به الناسُ مِن حوله ليسلّموا عليه، فقلت لبعض مَن رأيته بالقرب منه: مَن هذا الفتى ؟!
فقال: موسى بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب « رضوان الله عليهم أجمعين »، فقلت: وقد عجِبتُ أن تكون هذه العجائبُ والشواهد إلاّ لِمثْل هذا السيّد! ـ قاله اليافعيّ ( صاحب كتاب مِرآة الجِنان ).
وذكره الشيخ عبدالله الشَّبراويّ في كتابه ( الإتحاف بحبّ الأشراف )، وذكر له مناقبَ كثيرة كغيره من أئمّة آل البيت وساداتهم رضي الله عنهم. ونقل هذه الكرامة عن ابن الجوزيّ والرامهرمزيّ.
أمّا تحت الحرف ( ع ) فورد من أسماء الأولياء ومَن اشتهرت لهم كرامات، اسم.
عليّ بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق
هكذا عَنْون النبهانيّ اسم الإمام الرضا عليه السّلام، ثمّ أخذ في تعريفه قائلاً:
أحد أكابر الأئمّة، ومصابيحِ الأمّة، من أهل بيت النبوّة، ومعادنِ العلم والعرفان والكرم والفتوّة. كان عظيمَ القَدْر، مشهورَ الذِّكْر، وله كراماتٌ كثيرة، منها:
• أنّه أخبرَ أنّه يأكل عنباً ورمّاناً فيموت، فكان كذلك.
• ومنها أنّه قال لرجل صحيحٍ سليم: استعدَّ لِما لابدّ منه. فمات الرجل بعد ثلاثة أيّام ـ رواه الحاكم النيسابوريّ.
• ومنها ما رواه الحاكم أيضاً عن محمّد بن عيسى بن أبي حبيب، قال:
رأيت المصطفى صلّى الله عليه وآله وسلّم في النوم في المنزل الذي ينزله الحاجّ ( أي الحُجّاج ) ببلد، فوجدتُ عنده طبَقاً من خوص فيه تمرٌ صَيحانيّ، فناولَني ثماني عشرة تمرة.. فبعد عشرين يوماً قدِم عليُّ الرضا من المدينة ( المنوّرة ) ونزل ذلك المنزل، وهرع الناس للسلام عليه، ومضيتُ نحوه فإذا هو جالس بالموضع الذي رأيتُ المصطفى صلّى الله عليه وآله وسلّم قاعداً فيه، وبين يدَيه طبَقٌ فيه تمرٌ صيحانيّ، فناولني قبضةً فإذا عِدّتُها بعدد ما ناولني المصطفى صلّى الله عليه وآله وسلّم! فقلت له: زِدْني، فقال: لو زادك رسول الله صلّى الله عليه وآله لَزِدْناك! ـ قاله المناويّ.
• وقال الشيخ عبدالله الشبراويّ في كتابه ( الإتحاف بحبّ الأشراف ) في ترجمة حياة عليّ الرضا رضي الله عنه: وكانت مناقبُه عَلِيّة، وصفاتُه سَنِيّة، ونفسه الشريفة هاشميّة، وأُرومتُه الكريمة نبويّة، وكراماته أكثر مِن أن تُحصَر،
محمّد الجواد بن عليّ الرضا
أحد أكابر الأئمّة، ومصابيح الأمّة، من ساداتنا أهل البيت. ذكَرَه الشبراويّ في ( الإتحاف بحبّ الأشراف )، وبعد أن أثنى عليه الثناء الجميل، وذكر شيئاً من مناقبه وما جرى له ممّا دلّ على فضله وكماله، وأنّ المأمون العبّاسيّ زوّجه ابنتَه أمَّ الفضل.. حكى ( الشبراويّ ):
أنّه لمّا توجّه رضي الله عنه من بغداد إلى المدينة الشريفة، خرج معه الناس يُشيّعونه للوداع، فسار إلى أن وصل إلى باب الكوفة عند دار المسيّب، فنزل هناك مع غروب الشمس ودخل إلى مسجدٍ قديمٍ مؤسّس بذلك الموضع يُصلّي فيه المغرب، وكانت في صحن المسجد شجرةُ نَبْق لم تُثمر قطّ، فدعا بكوز فيه ماء، فتوضّأ في أصل الشجرة، فقام وصلّى معه الناس المغرب، فقرأ في الركعة الأولى بالحمد لله، وإذا جاءَ نصرُ اللهِ والفتح.. وقرأ في الثانية بالحمد لله، وقلْ هو اللهُ أحد.
ثمّ بعد فراغه جلس هُنَيهةً يذكر اللهَ تعالى، وقام فتنفّل بأربع ركعات، وسجد معهنّ سجدَتَيِ الشكر، ثمّ قام فودّع الناسَ وانصرف.. فأصبحت النبقة وقد حملت مِن ليلتها حملاً حسناً، فرآها الناس وتعجّبوا من ذلك غاية العَجَب! وكان ما هو أغربُ من ذلك، وهو أنّ نبق هذه الشجرة لم يكن له عُجْم ( أي نَوى )، فزاد تعجّبُهم مِن ذلك.
وهذا من بعض كراماته الجليلة، ومناقبه الجميلة. تُوفّي رضي الله عنه في آخر ذي القعدة سنة 220 وله من العمر خمس وعشرون سنةً وشهر رضي الله عنه وعن آبائه الطيّبين الطاهرين، وأعقابهم أجمعين، ونفعنا ببركاتهم.. آمِين.
عليّ الهادي
• وهنا يفوت النبهانيَّ أن يذكر الإمام عليّ الهادي بن الإمام محمّد الجواد عليهما السّلام، إمّا لعدم اطّلاعه على شخصيّته وإمّا لأنّه لم يعثر على مجموعة كراماته في المصادر التي كانت في متناول يديه.. مع أنّ مصادر عديدة أفاضت في ذكْر مناقبه السَّنيّة، ومن تلك المصادر:
ـ الفصول المهمّة في معرفة الأئمّة، لابن الصبّاغ المالكيّ.
ـ مطالب السَّؤول في مناقب آل الرسول، لمحمّد بن طلحة الشافعيّ.
ـ نور الأبصار في مناقب آل بيت النبيّ المختار، للشبلنجيّ الشافعيّ.
ـ كشف الغمّة في معرفة الأئمّة، لعليّ بن عيسى الإربلّيّ.
ـ مناقب آل أبي طالب، لابن شهرآشوب السَّرويّ المازندرانيّ.
ـ مهج الدعوات ومنهج العبادات، للسيّد عليّ بن طاووس.
ـ عيون المعجزات، للشيخ حسين بن عبدالوهّاب ( من أعلام القرن الخامس ).
ـ بحار الأنوار، للشيخ محمّد باقر المجلسيّ.. وقد أفرد باباً خاصّاً في الجزء الخمسين من كتابه سمّاه: معجزاته، وبعض مكارم أخلاقه ومعالي أموره صلوات الله عليه ص 124 ـ 188، أورد فيه 65 رواية..
وغير ذلك من المصادر، إلاّ أنّ النبهانيّ كان يعرف ابنَ الإمام الهادي عليه السّلام، فذكره بهذا العنوان وهذا التعريف:
الحسن العسكريّ
أحد أئمّة ساداتنا آل النبيّ العظام، وساداتهم الكرام، رضي الله عنه أجمعين.
ذكره الشبراويّ في ( الإتحاف بحبّ الأشراف ) ولكنّه اختصر ترجمته ولم يذكر له كرامات. ثمّ قال النبهانيّ:
وقد رأيت للحسن العسكريّ كرامةً بنفسي، وهي أنّي في سنة 1296 هجريّة سافرت إلى بغداد من بلدة « كوي سنجق » إحدى قواعد بلاد الأكراد، وكنتُ قاضياً فيها، ففارقتها قبل أن أُكمل المدّة المعيّنة؛ لشدّة ما وقع فيها من الغلاء والقحط الذي عمّ بلادَ العراق في تلك السنة، فسافرت في الكلك.. وهو ظروف يشدّون بعضَها إلى بعض ويربطون فوقها الأخشاب ويجلسون عليها ويسافرون.
فلمّا وصل الكلك إلى قبالة مدينة « سامرّاء » وكانت مقرَّ الخلفاء العبّاسيّين، فأحبَبْنا أن نزور الإمامَ الحسن العسكريّ المذكور، وهو مدفون فيها. فوقف الكلك هناك، وخرجنا لزيارته رضي الله عنه.. فحينما دخلتُ على قبره الشريف حصلتْ لي حالةٌ رُوحانيّة لم يحصلْ لي مِثْلُها قطّ إلاّ حينما زرتُ نبيَّ الله يونُسَ في الموصل، فقد حصلت لي تلك الحالة أيضاً.. وهذه كرامةٌ له رضي الله عنه.
• إلى هنا نودّع يوسف بن إسماعيل النبهانيّ، وقد قرأنا له ما هو عليه حُجّة وعلى كلّ مَن سمع أو قرأ ما كتبه في مؤلّفه ( جامع كرامات الأولياء )، ليعلموا أن أئمّة البيت النبويّ وأوصياء رسول الله صلّى الله عليه وآله كانوا أولياءَ الله بحقّ، وكانوا أصدقَ الخَلْق، وقد قالوا بإمامتهم ووصايتهم وخلافتهم للنبيّ صلّى الله عليه وآله من بعده، فحقّ علينا تصديقُهم، والاعتقاد بما نسبوه إلى أنفسهم صلوات الله عليهم.
• قال المناويّ: من كراماته أنّه سُعِي به عند المنصور، فلمّا حجّ أحضر الساعي وأحضره، وقال للساعي ( أي المخبر الذي أراد الوقيعة بالإمام الصادق عليه السّلام ): أتحلف ؟ قال: نعم. فقال جعفر الصادق للمنصور: حلِّفْه بما أراه. فقال: حلّفه. فقال الصادق: قُلْ: بَرِئتُ من حول الله وقوّته، والتجأتُ إلى حولي وقوّتي.. لقد فعل جعفرٌ كذا وكذا. فامتنع الرجل، ثم حلف.. فما تمّ حتّى مات مكانَه!
• ومنها: أنّه لمّا بلغه قولُ الحكم بن العبّاس الكلبيّ في عمّه زيد بن عليّ:
صَلَبْنا لكم زيداً على جذعِ نخلةٍ ولم نَرَ مهديّاً على الجذعِ يُصلَبُ
قال الصادق: اللّهمّ سلِّطْ عليه كلباً من كلابك.. فافترسه الأسد.
• ومنها أنّ بعض البُغاة قتل مولىً للصادق، فلم يزل الصادق ليلتَه يُصلّي.. ثمّ دعا عليه عند السَّحَر، فسُمِعت الضجّة بموت ذلك الباغي.
• قال الشليّ: من كراماته أنَ بني هاشم أرادوا أن يبايعوا محمّداً وإبراهيم ابنَي عبدِالله المحض بنِ الحسن المثنّى، وذلك في أواخر دولة بني مروان وضَعفِهم، فأرسلوا لجعفر الصادق.. فلمّا حضر أخبروه بسبب اجتماعهم، فأبى، فقالوا: مُدَّ يدك لنبايعك. فامتنع وقال: واللهِ ليست لي ولا لهما، وإنّها لِصاحب القباء الأصفر، والله ليلعبنّ بها صبيانُهم وغلمانهم!
ثمّ نهض وخرج، وكان المنصور العبّاسيّ يومئذٍ حاضراً وعليه قباء أصفر. فما زالت كلمة جعفر الصادق تعمل فيه حتّى ملكوا.
موسى الكاظم
أحد أعيان أكابر الأئمّة من ساداتنا آل البيت الكرام، هُداة الإسلام رضي الله عنهم أجمعين، ونفَعنا ببركاتهم، وأماتنا على حبّهم وحبّ جَدّهم الأعظم صلّى الله عليه وآله وسلّم.
• قال شقيق البلخيّ: خرجتُ حاجّاً في سنة 149، فنزلت القادسيّة.. فبينما أنا أنظر إلى الناس وزينتهم وكثرتهم نظرتُ فتىً حَسَنَ الوجه، فوق ثيابه ثوب صوف مشتمل بشملة وفي رجليه نعلان، وقد جلس منفرداً. فقلت في نفسي: هذا الفتى من الصوفيّة يريد أن يكون كلاًّ على الناس في طريقهم ( أي عالةً عليهم )، واللهِ لأمضينّ إليه ولأُوبّخنّه! فدنوتُ منه.. فلمّا رآني مُقبْلاً قال: يا شقيق! « اجتنِبُوا كثيراً مِن الظنِّ إنّ بعضَ الظنِّ إثْم »، وتركني ومضى. فقلت في نفسي: إنّ هذا الأمر عظيم! قد تكلّم بما نفسي، ونطق باسمي، ما هذا إلاّ عبدٌ صالح، لألحقنّه، ولأسألنّه أن يُحلّلني، فأسرعتُ في أثرَه، فلم ألحَقْه وغاب عن عيني..
فلمّا نزلنا أرضَ واقصة، إذا به يصلّي وأعضاؤه تضطرب ودموعه تجري، فقلت ( أي في نفسه ): هذا صاحبي، أمضي إليه وأستحلّه.. فصبرتُ حتّى جلس، وأقبلتُ نحوه، فلمّا رآني قال: يا شقيق، إقرأ: « وإنّي لَغفّارٌ لمَن تابَ وآمنَ وعَمِلَ صالحاً ثمّ آهتدى ».. ثمّ تركني ومضى.
فقلت: إنّ هذا الفتى لَمِن الأبدال! قد تكلّم على سِرّي مرّتين.
فلمّا نزلنا منزلاً، إذا بالفتى قائمٌ على بئرٍ وبيده رِكْوة ( دِلْوٌ صغير ) يريدأن يستسقي، فسقطت الرِّكوة من يده إلى البئر وأنا أنظر إليه، فرأيته قد رمق السماءَ، وسمعتُه يقول:
أنت ربّي إذا ظمِئتُ من الما ءِ، وقُوّتي إذا أردتُ الطعاما
اللّهمّ أنت تعلم ـ يا إلهي وسيّدي ـ مالي سواها، فلا تَعْدِمني إيّاها.
قال شقيق: فواللهِ لقد رأيت البئر وقد ارتفع ماؤها، فمدّ يده وأخذ الركوةَ وملأها ماءً، وتوضأ وصلّى أربع ركعات.. ثمّ مال إلى كثيبٍ من رمل، فجعل يقبض بيده ويطرحه في الركوة ويُحرّكه ويشرب. فأقبلتُ إليه، وسلّمت عليه، فردّ علَيّ السلام، فقلت: أطِعمْني مِن فضل ما أنعم الله تعالى به عليك. فقال: يا شقيق، لم تزل نعمةُ الله علينا ظاهرةً وباطنة، فأحسِنْ ظنَّك بربّك. ثمّ ناولني الركوة، فشربتُ منها فإذا سَويقٌ وسُكّر! فوَاللهِ ما شربتُ قطُّ ألذَّ منه ولا أطيبَ ريحاً، فشَبِعتُ ورُويت.. وأقمتُ أيّاماً لا أشتهي طعاماً ولا شراباً.
ثمّ لم أرَه.. حتّى دخَلْنا مكّة، فرأيته ليلةً في جنب قُبّة الشراب ( لعلّها زمزم ) في نصف الليل يصلّي بخشوعٍ وأنينٍ وبكاء.. فلم يزل كذلك حتّى ذهب الليل، فلمّا رأى الفجرَ جلس في مُصلاّه يسبّح، ثمّ قام فصلّى، فلمّا سلّم من صلاة الصبح طاف بالبيت ( أي الكعبة ) أسبوعاً ( سبع مرّات ) وخرج، فتبِعتُه، فإذا له حاشيةٌ ومَوالٍ، وهو على خلاف ما رأيته في الطريق، ودارَ به الناسُ مِن حوله ليسلّموا عليه، فقلت لبعض مَن رأيته بالقرب منه: مَن هذا الفتى ؟!
فقال: موسى بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب « رضوان الله عليهم أجمعين »، فقلت: وقد عجِبتُ أن تكون هذه العجائبُ والشواهد إلاّ لِمثْل هذا السيّد! ـ قاله اليافعيّ ( صاحب كتاب مِرآة الجِنان ).
وذكره الشيخ عبدالله الشَّبراويّ في كتابه ( الإتحاف بحبّ الأشراف )، وذكر له مناقبَ كثيرة كغيره من أئمّة آل البيت وساداتهم رضي الله عنهم. ونقل هذه الكرامة عن ابن الجوزيّ والرامهرمزيّ.
أمّا تحت الحرف ( ع ) فورد من أسماء الأولياء ومَن اشتهرت لهم كرامات، اسم.
عليّ بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق
هكذا عَنْون النبهانيّ اسم الإمام الرضا عليه السّلام، ثمّ أخذ في تعريفه قائلاً:
أحد أكابر الأئمّة، ومصابيحِ الأمّة، من أهل بيت النبوّة، ومعادنِ العلم والعرفان والكرم والفتوّة. كان عظيمَ القَدْر، مشهورَ الذِّكْر، وله كراماتٌ كثيرة، منها:
• أنّه أخبرَ أنّه يأكل عنباً ورمّاناً فيموت، فكان كذلك.
• ومنها أنّه قال لرجل صحيحٍ سليم: استعدَّ لِما لابدّ منه. فمات الرجل بعد ثلاثة أيّام ـ رواه الحاكم النيسابوريّ.
• ومنها ما رواه الحاكم أيضاً عن محمّد بن عيسى بن أبي حبيب، قال:
رأيت المصطفى صلّى الله عليه وآله وسلّم في النوم في المنزل الذي ينزله الحاجّ ( أي الحُجّاج ) ببلد، فوجدتُ عنده طبَقاً من خوص فيه تمرٌ صَيحانيّ، فناولَني ثماني عشرة تمرة.. فبعد عشرين يوماً قدِم عليُّ الرضا من المدينة ( المنوّرة ) ونزل ذلك المنزل، وهرع الناس للسلام عليه، ومضيتُ نحوه فإذا هو جالس بالموضع الذي رأيتُ المصطفى صلّى الله عليه وآله وسلّم قاعداً فيه، وبين يدَيه طبَقٌ فيه تمرٌ صيحانيّ، فناولني قبضةً فإذا عِدّتُها بعدد ما ناولني المصطفى صلّى الله عليه وآله وسلّم! فقلت له: زِدْني، فقال: لو زادك رسول الله صلّى الله عليه وآله لَزِدْناك! ـ قاله المناويّ.
• وقال الشيخ عبدالله الشبراويّ في كتابه ( الإتحاف بحبّ الأشراف ) في ترجمة حياة عليّ الرضا رضي الله عنه: وكانت مناقبُه عَلِيّة، وصفاتُه سَنِيّة، ونفسه الشريفة هاشميّة، وأُرومتُه الكريمة نبويّة، وكراماته أكثر مِن أن تُحصَر،
محمّد الجواد بن عليّ الرضا
أحد أكابر الأئمّة، ومصابيح الأمّة، من ساداتنا أهل البيت. ذكَرَه الشبراويّ في ( الإتحاف بحبّ الأشراف )، وبعد أن أثنى عليه الثناء الجميل، وذكر شيئاً من مناقبه وما جرى له ممّا دلّ على فضله وكماله، وأنّ المأمون العبّاسيّ زوّجه ابنتَه أمَّ الفضل.. حكى ( الشبراويّ ):
أنّه لمّا توجّه رضي الله عنه من بغداد إلى المدينة الشريفة، خرج معه الناس يُشيّعونه للوداع، فسار إلى أن وصل إلى باب الكوفة عند دار المسيّب، فنزل هناك مع غروب الشمس ودخل إلى مسجدٍ قديمٍ مؤسّس بذلك الموضع يُصلّي فيه المغرب، وكانت في صحن المسجد شجرةُ نَبْق لم تُثمر قطّ، فدعا بكوز فيه ماء، فتوضّأ في أصل الشجرة، فقام وصلّى معه الناس المغرب، فقرأ في الركعة الأولى بالحمد لله، وإذا جاءَ نصرُ اللهِ والفتح.. وقرأ في الثانية بالحمد لله، وقلْ هو اللهُ أحد.
ثمّ بعد فراغه جلس هُنَيهةً يذكر اللهَ تعالى، وقام فتنفّل بأربع ركعات، وسجد معهنّ سجدَتَيِ الشكر، ثمّ قام فودّع الناسَ وانصرف.. فأصبحت النبقة وقد حملت مِن ليلتها حملاً حسناً، فرآها الناس وتعجّبوا من ذلك غاية العَجَب! وكان ما هو أغربُ من ذلك، وهو أنّ نبق هذه الشجرة لم يكن له عُجْم ( أي نَوى )، فزاد تعجّبُهم مِن ذلك.
وهذا من بعض كراماته الجليلة، ومناقبه الجميلة. تُوفّي رضي الله عنه في آخر ذي القعدة سنة 220 وله من العمر خمس وعشرون سنةً وشهر رضي الله عنه وعن آبائه الطيّبين الطاهرين، وأعقابهم أجمعين، ونفعنا ببركاتهم.. آمِين.
عليّ الهادي
• وهنا يفوت النبهانيَّ أن يذكر الإمام عليّ الهادي بن الإمام محمّد الجواد عليهما السّلام، إمّا لعدم اطّلاعه على شخصيّته وإمّا لأنّه لم يعثر على مجموعة كراماته في المصادر التي كانت في متناول يديه.. مع أنّ مصادر عديدة أفاضت في ذكْر مناقبه السَّنيّة، ومن تلك المصادر:
ـ الفصول المهمّة في معرفة الأئمّة، لابن الصبّاغ المالكيّ.
ـ مطالب السَّؤول في مناقب آل الرسول، لمحمّد بن طلحة الشافعيّ.
ـ نور الأبصار في مناقب آل بيت النبيّ المختار، للشبلنجيّ الشافعيّ.
ـ كشف الغمّة في معرفة الأئمّة، لعليّ بن عيسى الإربلّيّ.
ـ مناقب آل أبي طالب، لابن شهرآشوب السَّرويّ المازندرانيّ.
ـ مهج الدعوات ومنهج العبادات، للسيّد عليّ بن طاووس.
ـ عيون المعجزات، للشيخ حسين بن عبدالوهّاب ( من أعلام القرن الخامس ).
ـ بحار الأنوار، للشيخ محمّد باقر المجلسيّ.. وقد أفرد باباً خاصّاً في الجزء الخمسين من كتابه سمّاه: معجزاته، وبعض مكارم أخلاقه ومعالي أموره صلوات الله عليه ص 124 ـ 188، أورد فيه 65 رواية..
وغير ذلك من المصادر، إلاّ أنّ النبهانيّ كان يعرف ابنَ الإمام الهادي عليه السّلام، فذكره بهذا العنوان وهذا التعريف:
الحسن العسكريّ
أحد أئمّة ساداتنا آل النبيّ العظام، وساداتهم الكرام، رضي الله عنه أجمعين.
ذكره الشبراويّ في ( الإتحاف بحبّ الأشراف ) ولكنّه اختصر ترجمته ولم يذكر له كرامات. ثمّ قال النبهانيّ:
وقد رأيت للحسن العسكريّ كرامةً بنفسي، وهي أنّي في سنة 1296 هجريّة سافرت إلى بغداد من بلدة « كوي سنجق » إحدى قواعد بلاد الأكراد، وكنتُ قاضياً فيها، ففارقتها قبل أن أُكمل المدّة المعيّنة؛ لشدّة ما وقع فيها من الغلاء والقحط الذي عمّ بلادَ العراق في تلك السنة، فسافرت في الكلك.. وهو ظروف يشدّون بعضَها إلى بعض ويربطون فوقها الأخشاب ويجلسون عليها ويسافرون.
فلمّا وصل الكلك إلى قبالة مدينة « سامرّاء » وكانت مقرَّ الخلفاء العبّاسيّين، فأحبَبْنا أن نزور الإمامَ الحسن العسكريّ المذكور، وهو مدفون فيها. فوقف الكلك هناك، وخرجنا لزيارته رضي الله عنه.. فحينما دخلتُ على قبره الشريف حصلتْ لي حالةٌ رُوحانيّة لم يحصلْ لي مِثْلُها قطّ إلاّ حينما زرتُ نبيَّ الله يونُسَ في الموصل، فقد حصلت لي تلك الحالة أيضاً.. وهذه كرامةٌ له رضي الله عنه.
• إلى هنا نودّع يوسف بن إسماعيل النبهانيّ، وقد قرأنا له ما هو عليه حُجّة وعلى كلّ مَن سمع أو قرأ ما كتبه في مؤلّفه ( جامع كرامات الأولياء )، ليعلموا أن أئمّة البيت النبويّ وأوصياء رسول الله صلّى الله عليه وآله كانوا أولياءَ الله بحقّ، وكانوا أصدقَ الخَلْق، وقد قالوا بإمامتهم ووصايتهم وخلافتهم للنبيّ صلّى الله عليه وآله من بعده، فحقّ علينا تصديقُهم، والاعتقاد بما نسبوه إلى أنفسهم صلوات الله عليهم.