كرامات الإمام الباقر ( عليه السلام )
الإمام محمد الباقر (عليه السلام)
شمس العلوم وقمر العموم ، صاحب المعرفة الكاملة والحقيقة الشاملة .
اسمـه
محمد بن علي (زين العابدين ) بن الحسين بن علي بن ابي طالب .
لقبـه
الباقر ، سمي به لأنه بقر العلم ، أي : شقه فعرف أصله وخفيه وآثار مخبآته ومكامنه .
كنيته
أبو جعفر .
ولادته
ولد في المدينة المنورة في 3 صفر عام 57 هجرية .
أولاده
جعفر الصادق وعبد الله وهما من فروة بنت القاسم بن محمد بن ابي بكر الصديق . وابراهيم وعلي وزينب وام سلمه .
امـه
ام عبدالله فاطمة بنت الحسن بن علي .
طريقته
الطريقة العلية أخذها من والده الإمام زين العابدين علي بن الحسين .
معاصريه
الشيخ الحسن البصري – والشيخ الحبيب العجمي – وسفيان الثوري – وسفيان بن عينية – وابو حنيفة النعمان .
مسكنه
المدينة المنورة .
حياته الروحية وتصوفـه
لقد كان مخلصاً مع ربه وقدوة لأهل التصوف في العبادة والزهد .
ولقد بشر به حضرة الرسول الأعظم كما يروي لنا ذلك الصحابي الجليل جابر بن عبدالله الانصاري .
حين قال : قال لي رسول الله : انك تُستَبقى حتى ترى رجلاً من ولدي أشبه الناس بي اسمه على اسمي ، إذا رايته لم يخل عليك ، فأقرئه مني السلام . فلما سن جابر وخاف الموت .
جعل يقول : ياباقر ياباقر أين أنت ؟
حتى رآه فوقع عليه يقبل يديه ورجليه .
ويقول : بأبي وأمي ، شبيه أبيه رسول الله : أن أباك يقرئك السلام .
ولقد كان متوشح بجلاليب التقوى ومنور بخالص الإيقان ، وكان كثير الذكر خاشع القلب غزير العلم وكان يصلي كل يوم وليلة خمسين ركعة بالمكتوبة .
كان سريع الدمعة قليل الضحك كثير الحزن والبكاء ، ويروى عنه مولاه (أفلح )
قال : خرجت معه حاجاً فلما دخل المسجد نظر إلى البيت فبكى حتى علا صوته .
فقلت : بأبي أنت وأمي ، أن الناس ينظرون إليك فلو رفقت بصوتك قليلاً .
قال : ويحك يا أفلح لم لا أبكي ؟
لعل الله ينظر أليّ منه برحمة فأفوز بها عنده غداً .
وكان إذا بدر منه ضحك قال : اللهم لا تمقتني .
وبالرغم من كونه علم العارفين في زمانه وأستاذ السائرين في أوانه إلا أنه كثير التواضع والخشوع بين يدي ربه .
وكان يقول في جوف الليل : أمرتني فلم آتمر ، زجرتني فلم أزدجر ، هذا عبدك بين يديك ولا أعتذر .
وفقد بغلة له فقال : لئن ردها الله لأحمدنه محامد يرضاها ، فما لبث أن أُتي بها بسرجها ولجامها ، فركبها فلما استوى عليها .
قال : الحمد لله ، ولم يزد عليها . فقيل له في ذلك .
فقال : وهل تركت أو أبقيت شيئاً ؟
جعلت الحمد كله لله .
كراماته وبركاتـه
لقد كان وما زال لآل البيت النبوي الشريف (عليهم السلام ) كرامات وأعمال خارقة يعجز عنها من لم تكن له تلك العناية الإلهية الخاصة وذلك التكريم الالهي العظيم ولقد كان سيدنا الإمام الباقر صاحب كشوفات ربانية ومعارف الهية وكان كثيراً ما يتكلم عن خواطر القلوب ومن هذه الكرامات ما يلي :-
- كان الامام الباقر في مسجد رسول الله إذ دخل المنصور وداود بن سليمان قبل ان يفضي الملك لبني العباس ، فجاء داود إلى الباقر .
فقال له : ما منع الدوانيقي ان يأتي ؟
قال : فيه جفاء .
فقال : لا تذهب الدنيا حتى يلي هذا الرجل أمر الخلق فيطأ أعناق الرجال ويملك شرقها وغربها ويطول عمره فيها حتى يجمع من كنوز المال ما لا يجمعه غيره . فأخبر داود المنصور بذلك ، فأتى إليه .
وقال : ما منعني من الجلوس إليك إلا أجلالك .
ثم سأله عما أخبر به داود ؟
فقال : هو كائن .
قال : وملكنا قبل ملككم ؟
قال : نعم .
قال : فمدة بني أمية أطول أم مدتنا ؟
قال : مدتكم أطول وليلعبن بهذا الملك صبيانكم كما يلعبون بالكرة ، بهذا عهد اليَّ أبي . فلما أفضت الخلافة إلى المنصور تعجب من قوله . وكان كما قال .
- كان مالك الجهيني قاعداً عند الباقر ينظر اليه .
ويقول في نفسه : لقد عظمك الله وكرمك وجعلك حجة على خلقه .
فألتفت إليه وقال له : يا مالك ، الأمر أعظم مما تذهب اليه .
لقد كان الإمام صاحب بصيرة ثاقبة يرى بالله بعين قلبه كما يرى غيره بعين الرأس فتحقق فيه قوله تعالى : فكشفنا عنك غطائك فبصرك اليوم حديد .
- ويروي عبد الله بن عطاء المكي .
فقال : اشتقت إلى ابي جعفر الباقر وانا بمكة ، فقدمت المدينة شوقاً اليه ، فأصابني مطر وبردٌ شديد ، فأنتهيت إلى بابه بعد منتصف الليل .
فقلت في نفسي : أطرقه الساعة أو أنتظر حتى يصبح ؟
وبينما أنا أفكر ، سمعته .
يقول : يا جارية ، أفتحي الباب لابن عطاء فقد أصابه الليلة برد وأذى .
- ومن كراماته أيضاً هو كلامه للنباتات والحيوانات وأستجابتها له ، مثل ما حكاه عباد بن كثير البصيري.
قائلاً : قلت للباقر ما حق المؤمن على الله فصرف وجهه عني ، فسألته ثلاثاً . فقال : من حق المؤمن على الله ان لو قال لتلك النخلة : أقبلي ، لأقبلت ، فنظرت والله إلى النخلة التي كانت هناك وقد تحركت مقبلة ، فأشار اليها : قُرّي لم أَعنِك .
- وكان لا يخفى عليه ما في الضمائر من خير وشر وما تؤول أليه مصائرهم ، فلقد دخل عليه رجلاً منكراً أراد أختبار الباقر ، فسلم ثم جلس .
فسأله الباقر : ما حرفتك ؟
قال : أبيع الحنطة .
فقال . كذبت.
فقال : وربما الشعير .
قال : ليس كما ذكرت بل تبيع النوا ولست تموت إلا تائهاً وبعد زمان سأل الناس عن هذا الرجل.
فقيل لهم : مات تائهاً منذ ثلاثة أيام .
- وكان الإمام الباقر عارفاً وناطقاً بالحقائق وقد مَّن الله عليه من الخوارق والكشوفات مالم يهبها لغير آل البيت الاطهار فمنحه الله من العناية الالهية ما يستطيع به ان يكشف لغيره عما خفي عن عيون الناس من الحقائق والمعارف ، فعن ابي بصير
قال : قلت له يوماً ، أنتم ذرية رسول الله ؟
قال : نعم .
قلت : ورسول الله وارث الانبياء ؟
قال : نعم .
قلت : وانتم ورثتم رسول الله ؟
قال : نعم .
قلت : فتقدرون ان تحيوا الموتى وتبرؤا الاكمة والأبرص وتخبروا الناس بما يأكلون وما يدخرون .
قال : نعم ، بأمر الله .
ثم قال : ادن مني ، فدنوت منه فمسح يده على وجهي فأبصرت السماء والأرض ثم مسح يده على وجهي فعدتُ كما كنت لا أرى شيئاً .
أمام أهل الطريقة
الإمام الباقر هو الإمام الرابع في طريقتنا العلية ومن جناحها الذهبي الذي هو الفيض الالهي المتدفق عبر ساداتنا أهل البيت الاطهار (عليهم السلام ) .
انتقاله
انتقل إلى عالم الشهود والحق في عام 114 هجري ، ونقل من الحمية إلى المدينة المنورة ودفن في روضة البقيع بملابسه التي كان يصلي فيها بوصية منه وكان قد بلغ من العمر 57 عام .
المصادر
- الكواكب الدرية – المناوي - ج1 ص164 – 165 .
- شذرات الذهب – الحنبلي - ج1 ص149 .
- وفيات الاعيان – ابن خلكان - ج3 ص314 .
- المدخل إلى دراسة الاديان والمذاهب - ج2 ص341 – 342 .
- تاريخ اليعقوبي - ج2 ص320 .
- حلية الأولياء - ج3 ص182 .
- صفة الصفوة - ج2 ص 78 – 79 .
- جامع كرامات الأولياء – النبهاني - ج1 ص97 .
- .
-++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++
يتميّز الأئمّة ( عليهم السلام ) بارتباطٍ خاصٍّ بالله تعالى وعالَم الغيب ، بسبَبِ مقامِ العصمة والإمامة ، ولَهُم - مثل الأنبياء - معاجزٌ وكرامَاتٌ تؤيِّد ارتباطهم بالله تعالى ، وكونَهم أئمّة .
وللإمام الباقر ( عليه السلام ) معاجزٌ وكراماتٌ كثيرةٌ ، سجَّلَتْها كتبُ التاريخ ، ونذكر هنا بعضاً منها :
الكرامة الأولى :
عن عباد بن كثير البصري قال : قلت للباقر ( عليه السلام ) : ما حق المؤمن على الله ؟ فصرف وجهه ، فسألته عنه ثلاثاً ، فقال : ( من حق المؤمن على الله أن لو قال لتلك النخلة أقبلي لأقبلت ) .
قال عباد : فنظرت والله إلى النخلة التي كانت هناك قد تحرّكت مقبلة ، فأشار إليها : ( قري فلم أعنك ) .
الكرامة الثانية :
عن أبي الصباح الكناني قال : صرت يوماً إلى باب أبي جعفر الباقر ( عليه السلام ) ، فقرعت الباب ، فخرجت إليّ وصيفة ناهد ، فضربت بيدي إلى رأس ثديها ، وقلت لها : قولي لمولاك إنّي بالباب ، فصاح من آخر الدار : ( أدخل لا أم لك ) ، فدخلت وقلت : والله ما قصدت ريبة ولا أردت إلاّ زيادة في يقيني ، فقال : ( صدقت لئن ظننتم أنّ هذه الجدران تحجب أبصارنا كما تحجب أبصاركم ، إذن لا فرق بيننا وبينكم ، فإيّاك أن تعاود لمثلها ) .
الكرامة الثالثة :
أنّ حبابة الوالبية دخلت على الإمام الباقر ( عليه السلام ) ، فقال لها : ( ما الذي أبطأ بك عنّي ) ، قالت بياض عرض في مفرق رأسي شغل قلبي ، قال : ( أرينيه ) ، فوضع ( عليه السلام ) يده عليه ، ثمّ رفع يده فإذا هو أسود ، ثمّ قال : ( هاتوا لها المرآة ) ، فنظرت وقد أسودّ ذلك الشعر .
الكرامة الرابعة :
عن أبي بصير قال : كنت مع الإمام الباقر ( عليه السلام ) في مسجد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قاعداً ، حدّثنا ما مات علي بن الحسين ( عليهما السلام ) إذ دخل الدوانيقي ، وداود بن سليمان قبل أن أفضي الملك إلى ولد العباس ، وما قعد إلى الباقر ( عليه السلام ) إلاّ داود ، فقال ( عليه السلام ) : ( ما منع الدوانيقي أن يأتي ؟ ) قال : فيه جفاء .
قال الإمام الباقر ( عليه السلام ) : ( لا تذهب الأيام حتّى يلي أمر هذا الخلق ، فيطأ أعناق الرجال ، ويملك شرقها وغربها ، ويطول عمره فيها ، حتّى يجمع من كنوز الأموال ما لم يجمع لأحد قبله ) ، فقام داود وأخبر الدوانيقي بذلك ، فأقبل إليه الدوانيقي وقال : ما منعني من الجلوس إليك إلاّ إجلالاً لك ، فما الذي أخبرني به داود ؟ فقال : ( هو كائن ) .
فقال : وملكنا قبل ملككم ؟ قال : ( نعم ) ، قال : ويملك بعدي أحد من ولدي ، قال : ( نعم ) ، قال : فمدّة بني أميّة أكثر أم مدّتنا ؟ قال : ( مدّتكم أطول ، وليتلقفن هذا الملك صبيانكم ، ويلعبون به كما يلعبون بالكرة ، هذا ما عهده إليّ أبي ) ، فلمّا ملك الدوانيقي تعجّب من قول الباقر ( عليه السلام ) .
الكرامة الخامسة :
عن أبي بصير قال : قلت يوماً للباقر ( عليه السلام ) : أنتم ذرّية رسول الله ؟ قال : ( نعم ) ، قلت : ورسول الله وارث الأنبياء كلّهم ؟ قال : ( نعم ، ورث جميع علومهم ) ، قلت : وأنتم ورثتم جميع علم رسول الله ؟ قال : ( نعم ) ، قلت : وأنتم تقدرون أن تحيوا الموتى ، وتبرءوا الأكمة والأبرص ، وتخبروا الناس بما يأكلون وما يدّخرون في بيوتهم ؟ قال : ( نعم ، بإذن الله ) .
ثمّ قال : ( أدن منّي يا أبا بصير ) ، فدنوت منه ، فمسح يده على وجهي ، فأبصرت السهل والجبل والسماء والأرض ، ثمّ مسح يده على وجهي ، فعدت كما كنت لا أبصر شيئاً ، قال : ثمّ قال لي الباقر ( عليه السلام ) : ( إن أحببت أن تكون هكذا كما أبصرت ، وحسابك على الله ، وإن أحببت أن تكون كما كنت وثوابك الجنّة ) ، فقلت : أكون كما كنت والجنّة أحب إليّ .
الكرامة السادسة :
عن جابر الجعفي قال : كنا عند الإمام الباقر ( عليه السلام ) نحواً من خمسين رجلاً ، إذ دخل عليه كثير النواء ، وكان من المغيرية فسلّم وجلس ، ثمّ قال : إنّ المغيرة بن عمران عندنا بالكوفة ، يزعم أنّ معك ملكاً يعرّفك الكافر من المؤمن ، وشيعتك من أعدائك ، قال : ( ما حرفتك ؟ ) قال : أبيع الحنطة ، قال : ( كذبت ) .
قال : وربما أبيع الشعير ، قال : ( ليس كما قلت ، بل تبيع النوى ) ، قال : من أخبرك بهذا ؟ قال : ( الملك الذي يعرّفني شيعتي من عدوّي ، لست تموت إلاّ تائها ) .
قال جابر الجعفي : فلمّا انصرفنا إلى الكوفة ، ذهبت في جماعة نسأل عن كثير ، فدللنا على عجوز ، فقالت : مات تائها منذ ثلاثة أيّام .
الكرامة السابعة :
عن أبي بصير قال : كنت مع الإمام الباقر ( عليه السلام ) في المسجد ، إذ دخل عليه عمر بن عبد العزيز ، عليه ثوبان ممصران متكئاً على مولى له ، فقال ( عليه السلام ) : ( ليلين هذا الغلام ، فيظهر العدل ، ويعيش أربع سنين ، ثمّ يموت ، فيبكي عليه أهل الأرض ، ويلعنه أهل السماء ) ، فقلنا : يا ابن رسول الله ، أليس ذكرت عدله وإنصافه ؟ قال : ( يجلس في مجلسنا ، ولا حق له فيه ) ، ثمّ ملك وأظهر العدل جهده .
الكرامة الثامنة :
عن عاصم بن أبي حمزة قال : ركب الإمام الباقر ( عليه السلام ) يوماً إلى حائط له ، وكنت أنا وسليمان بن خالد معه ، فما سرنا إلاّ قليلاً ، فاستقبلنا رجلان ، فقال ( عليه السلام ) : ( هما سارقان خذوهما ) ، فأخذناهما ، وقال لغلمانه : ( استوثقوا منهما ) ، وقال لسليمان : ( انطلق إلى ذلك الجبل مع هذا الغلام إلى رأسه ، فإنّك تجد في أعلاه كهفاً فادخله ، وصر إلى وسطه فاستخرج ما فيه ، وادفعه إلى هذا الغلام يحمله بين يديك ، فإنّ فيه لرجل سرقة ، ولآخر سرقة ) .
فخرج واستخرج عيبتين ، وحملهما على ظهر الغلام ، فأتى بهما الباقر ( عليه السلام ) ، فقال : ( هما لرجل حاضر ، وهناك عيبة أخرى لرجل غائب سيحضر بعد ) ، فذهب واستخرج العيبة الأخرى من موضع آخر من الكهف ، فلمّا دخل الباقر ( عليه السلام ) المدينة ، فإذا صاحب العيبتين ادعى على قوم ، وأراد الوالي أن يعاقبهم ، فقال الباقر ( عليه السلام ) : ( لا تعاقبهم ، ورد العيبتين إلى الرجل ) .
ثمّ قطع السارقين ، فقال أحدهما : لقد قطعتنا بحق ، والحمد لله الذي أجرى قطعي وتوبتي على يدي ابن رسول الله ، فقال الباقر ( عليه السلام ) : ( لقد سبقتك يدك التي قطعت إلى الجنّة بعشرين سنة ) ، فعاش الرجل عشرين سنة ، ثمّ مات .
قال : فما لبثنا إلاّ ثلاثة أيّام حتّى حضر صاحب العيبة الأخرى ، فجاء إلى الباقر ( عليه السلام ) ، فقال له : ( أخبرك بما في عيبتك وهي بختمك ؟ فيها ألف دينار لك ، وألف أخرى لغيرك ، وفيها من الثياب كذا وكذا ) .
قال : فإن أخبرتني بصاحب الألف دينار من هو ؟ وما اسمه ؟ وأين هو ؟ علمت أنّك الإمام المنصوص عليه المفترض الطاعة ، قال : ( هو محمّد بن عبد الرحمن ، وهو صالح كثير الصدقة ، كثير الصلاة ، وهو الآن على الباب ينتظرك ) ، فقال الرجل ـ وهو بربري نصراني ـ : آمنت بالله الذي لا إله إلاّ هو ، وأنّ محمّداً عبده ورسوله ، وأنّك الإمام المفترض الطاعة ، وأسلم .
الكرامة التاسعة :
عن محمّد بن أبي حازم قال : كنت عند أبي جعفر ( عليه السلام ) ، فمر بنا زيد بن علي ، فقال أبو جعفر : ( أمّا والله ليخرجن بالكوفة ، وليقتلن وليطافن برأسه ، ثمّ يؤتى به ، فينصب على قصبة في هذا الموضع ) ، وأشار إلى الموضع الذي قتل فيه ، قال : سمع أذناي منه ، ثمّ رأت عيني بعد ذلك ، فبلغنا خروجه وقتله ، ثمّ مكثنا ما شاء الله ، فرأينا يطاف برأسه ، فنصب في ذلك الموضع على قصبة فتعجّبنا .
الكرامة العاشرة :
إنّ الإمام الباقر ( عليه السلام ) جعل يحدّث أصحابه بأحاديث شداد ، وقد دخل عليه رجل يقال له النضر بن قرواش ، فاغتم أصحابه لمكان الرجل ممّا يستمع حتّى نهض ، فقالوا : قد سمع ما سمع وهو خبيث ، قال : ( لو سألتموه عمّا تكلّمت به اليوم ما حفظ منه شيئاً ) .
قال بعضهم : فلقيته بعد ذلك ، فقلت : الأحاديث التي سمعتها من أبي جعفر أحب أن أعرفها ، فقال : والله ما فهمت منها قليلاً ولا كثيراً
الإمام محمد الباقر (عليه السلام)
شمس العلوم وقمر العموم ، صاحب المعرفة الكاملة والحقيقة الشاملة .
اسمـه
محمد بن علي (زين العابدين ) بن الحسين بن علي بن ابي طالب .
لقبـه
الباقر ، سمي به لأنه بقر العلم ، أي : شقه فعرف أصله وخفيه وآثار مخبآته ومكامنه .
كنيته
أبو جعفر .
ولادته
ولد في المدينة المنورة في 3 صفر عام 57 هجرية .
أولاده
جعفر الصادق وعبد الله وهما من فروة بنت القاسم بن محمد بن ابي بكر الصديق . وابراهيم وعلي وزينب وام سلمه .
امـه
ام عبدالله فاطمة بنت الحسن بن علي .
طريقته
الطريقة العلية أخذها من والده الإمام زين العابدين علي بن الحسين .
معاصريه
الشيخ الحسن البصري – والشيخ الحبيب العجمي – وسفيان الثوري – وسفيان بن عينية – وابو حنيفة النعمان .
مسكنه
المدينة المنورة .
حياته الروحية وتصوفـه
لقد كان مخلصاً مع ربه وقدوة لأهل التصوف في العبادة والزهد .
ولقد بشر به حضرة الرسول الأعظم كما يروي لنا ذلك الصحابي الجليل جابر بن عبدالله الانصاري .
حين قال : قال لي رسول الله : انك تُستَبقى حتى ترى رجلاً من ولدي أشبه الناس بي اسمه على اسمي ، إذا رايته لم يخل عليك ، فأقرئه مني السلام . فلما سن جابر وخاف الموت .
جعل يقول : ياباقر ياباقر أين أنت ؟
حتى رآه فوقع عليه يقبل يديه ورجليه .
ويقول : بأبي وأمي ، شبيه أبيه رسول الله : أن أباك يقرئك السلام .
ولقد كان متوشح بجلاليب التقوى ومنور بخالص الإيقان ، وكان كثير الذكر خاشع القلب غزير العلم وكان يصلي كل يوم وليلة خمسين ركعة بالمكتوبة .
كان سريع الدمعة قليل الضحك كثير الحزن والبكاء ، ويروى عنه مولاه (أفلح )
قال : خرجت معه حاجاً فلما دخل المسجد نظر إلى البيت فبكى حتى علا صوته .
فقلت : بأبي أنت وأمي ، أن الناس ينظرون إليك فلو رفقت بصوتك قليلاً .
قال : ويحك يا أفلح لم لا أبكي ؟
لعل الله ينظر أليّ منه برحمة فأفوز بها عنده غداً .
وكان إذا بدر منه ضحك قال : اللهم لا تمقتني .
وبالرغم من كونه علم العارفين في زمانه وأستاذ السائرين في أوانه إلا أنه كثير التواضع والخشوع بين يدي ربه .
وكان يقول في جوف الليل : أمرتني فلم آتمر ، زجرتني فلم أزدجر ، هذا عبدك بين يديك ولا أعتذر .
وفقد بغلة له فقال : لئن ردها الله لأحمدنه محامد يرضاها ، فما لبث أن أُتي بها بسرجها ولجامها ، فركبها فلما استوى عليها .
قال : الحمد لله ، ولم يزد عليها . فقيل له في ذلك .
فقال : وهل تركت أو أبقيت شيئاً ؟
جعلت الحمد كله لله .
كراماته وبركاتـه
لقد كان وما زال لآل البيت النبوي الشريف (عليهم السلام ) كرامات وأعمال خارقة يعجز عنها من لم تكن له تلك العناية الإلهية الخاصة وذلك التكريم الالهي العظيم ولقد كان سيدنا الإمام الباقر صاحب كشوفات ربانية ومعارف الهية وكان كثيراً ما يتكلم عن خواطر القلوب ومن هذه الكرامات ما يلي :-
- كان الامام الباقر في مسجد رسول الله إذ دخل المنصور وداود بن سليمان قبل ان يفضي الملك لبني العباس ، فجاء داود إلى الباقر .
فقال له : ما منع الدوانيقي ان يأتي ؟
قال : فيه جفاء .
فقال : لا تذهب الدنيا حتى يلي هذا الرجل أمر الخلق فيطأ أعناق الرجال ويملك شرقها وغربها ويطول عمره فيها حتى يجمع من كنوز المال ما لا يجمعه غيره . فأخبر داود المنصور بذلك ، فأتى إليه .
وقال : ما منعني من الجلوس إليك إلا أجلالك .
ثم سأله عما أخبر به داود ؟
فقال : هو كائن .
قال : وملكنا قبل ملككم ؟
قال : نعم .
قال : فمدة بني أمية أطول أم مدتنا ؟
قال : مدتكم أطول وليلعبن بهذا الملك صبيانكم كما يلعبون بالكرة ، بهذا عهد اليَّ أبي . فلما أفضت الخلافة إلى المنصور تعجب من قوله . وكان كما قال .
- كان مالك الجهيني قاعداً عند الباقر ينظر اليه .
ويقول في نفسه : لقد عظمك الله وكرمك وجعلك حجة على خلقه .
فألتفت إليه وقال له : يا مالك ، الأمر أعظم مما تذهب اليه .
لقد كان الإمام صاحب بصيرة ثاقبة يرى بالله بعين قلبه كما يرى غيره بعين الرأس فتحقق فيه قوله تعالى : فكشفنا عنك غطائك فبصرك اليوم حديد .
- ويروي عبد الله بن عطاء المكي .
فقال : اشتقت إلى ابي جعفر الباقر وانا بمكة ، فقدمت المدينة شوقاً اليه ، فأصابني مطر وبردٌ شديد ، فأنتهيت إلى بابه بعد منتصف الليل .
فقلت في نفسي : أطرقه الساعة أو أنتظر حتى يصبح ؟
وبينما أنا أفكر ، سمعته .
يقول : يا جارية ، أفتحي الباب لابن عطاء فقد أصابه الليلة برد وأذى .
- ومن كراماته أيضاً هو كلامه للنباتات والحيوانات وأستجابتها له ، مثل ما حكاه عباد بن كثير البصيري.
قائلاً : قلت للباقر ما حق المؤمن على الله فصرف وجهه عني ، فسألته ثلاثاً . فقال : من حق المؤمن على الله ان لو قال لتلك النخلة : أقبلي ، لأقبلت ، فنظرت والله إلى النخلة التي كانت هناك وقد تحركت مقبلة ، فأشار اليها : قُرّي لم أَعنِك .
- وكان لا يخفى عليه ما في الضمائر من خير وشر وما تؤول أليه مصائرهم ، فلقد دخل عليه رجلاً منكراً أراد أختبار الباقر ، فسلم ثم جلس .
فسأله الباقر : ما حرفتك ؟
قال : أبيع الحنطة .
فقال . كذبت.
فقال : وربما الشعير .
قال : ليس كما ذكرت بل تبيع النوا ولست تموت إلا تائهاً وبعد زمان سأل الناس عن هذا الرجل.
فقيل لهم : مات تائهاً منذ ثلاثة أيام .
- وكان الإمام الباقر عارفاً وناطقاً بالحقائق وقد مَّن الله عليه من الخوارق والكشوفات مالم يهبها لغير آل البيت الاطهار فمنحه الله من العناية الالهية ما يستطيع به ان يكشف لغيره عما خفي عن عيون الناس من الحقائق والمعارف ، فعن ابي بصير
قال : قلت له يوماً ، أنتم ذرية رسول الله ؟
قال : نعم .
قلت : ورسول الله وارث الانبياء ؟
قال : نعم .
قلت : وانتم ورثتم رسول الله ؟
قال : نعم .
قلت : فتقدرون ان تحيوا الموتى وتبرؤا الاكمة والأبرص وتخبروا الناس بما يأكلون وما يدخرون .
قال : نعم ، بأمر الله .
ثم قال : ادن مني ، فدنوت منه فمسح يده على وجهي فأبصرت السماء والأرض ثم مسح يده على وجهي فعدتُ كما كنت لا أرى شيئاً .
أمام أهل الطريقة
الإمام الباقر هو الإمام الرابع في طريقتنا العلية ومن جناحها الذهبي الذي هو الفيض الالهي المتدفق عبر ساداتنا أهل البيت الاطهار (عليهم السلام ) .
انتقاله
انتقل إلى عالم الشهود والحق في عام 114 هجري ، ونقل من الحمية إلى المدينة المنورة ودفن في روضة البقيع بملابسه التي كان يصلي فيها بوصية منه وكان قد بلغ من العمر 57 عام .
المصادر
- الكواكب الدرية – المناوي - ج1 ص164 – 165 .
- شذرات الذهب – الحنبلي - ج1 ص149 .
- وفيات الاعيان – ابن خلكان - ج3 ص314 .
- المدخل إلى دراسة الاديان والمذاهب - ج2 ص341 – 342 .
- تاريخ اليعقوبي - ج2 ص320 .
- حلية الأولياء - ج3 ص182 .
- صفة الصفوة - ج2 ص 78 – 79 .
- جامع كرامات الأولياء – النبهاني - ج1 ص97 .
- .
-++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++
يتميّز الأئمّة ( عليهم السلام ) بارتباطٍ خاصٍّ بالله تعالى وعالَم الغيب ، بسبَبِ مقامِ العصمة والإمامة ، ولَهُم - مثل الأنبياء - معاجزٌ وكرامَاتٌ تؤيِّد ارتباطهم بالله تعالى ، وكونَهم أئمّة .
وللإمام الباقر ( عليه السلام ) معاجزٌ وكراماتٌ كثيرةٌ ، سجَّلَتْها كتبُ التاريخ ، ونذكر هنا بعضاً منها :
الكرامة الأولى :
عن عباد بن كثير البصري قال : قلت للباقر ( عليه السلام ) : ما حق المؤمن على الله ؟ فصرف وجهه ، فسألته عنه ثلاثاً ، فقال : ( من حق المؤمن على الله أن لو قال لتلك النخلة أقبلي لأقبلت ) .
قال عباد : فنظرت والله إلى النخلة التي كانت هناك قد تحرّكت مقبلة ، فأشار إليها : ( قري فلم أعنك ) .
الكرامة الثانية :
عن أبي الصباح الكناني قال : صرت يوماً إلى باب أبي جعفر الباقر ( عليه السلام ) ، فقرعت الباب ، فخرجت إليّ وصيفة ناهد ، فضربت بيدي إلى رأس ثديها ، وقلت لها : قولي لمولاك إنّي بالباب ، فصاح من آخر الدار : ( أدخل لا أم لك ) ، فدخلت وقلت : والله ما قصدت ريبة ولا أردت إلاّ زيادة في يقيني ، فقال : ( صدقت لئن ظننتم أنّ هذه الجدران تحجب أبصارنا كما تحجب أبصاركم ، إذن لا فرق بيننا وبينكم ، فإيّاك أن تعاود لمثلها ) .
الكرامة الثالثة :
أنّ حبابة الوالبية دخلت على الإمام الباقر ( عليه السلام ) ، فقال لها : ( ما الذي أبطأ بك عنّي ) ، قالت بياض عرض في مفرق رأسي شغل قلبي ، قال : ( أرينيه ) ، فوضع ( عليه السلام ) يده عليه ، ثمّ رفع يده فإذا هو أسود ، ثمّ قال : ( هاتوا لها المرآة ) ، فنظرت وقد أسودّ ذلك الشعر .
الكرامة الرابعة :
عن أبي بصير قال : كنت مع الإمام الباقر ( عليه السلام ) في مسجد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قاعداً ، حدّثنا ما مات علي بن الحسين ( عليهما السلام ) إذ دخل الدوانيقي ، وداود بن سليمان قبل أن أفضي الملك إلى ولد العباس ، وما قعد إلى الباقر ( عليه السلام ) إلاّ داود ، فقال ( عليه السلام ) : ( ما منع الدوانيقي أن يأتي ؟ ) قال : فيه جفاء .
قال الإمام الباقر ( عليه السلام ) : ( لا تذهب الأيام حتّى يلي أمر هذا الخلق ، فيطأ أعناق الرجال ، ويملك شرقها وغربها ، ويطول عمره فيها ، حتّى يجمع من كنوز الأموال ما لم يجمع لأحد قبله ) ، فقام داود وأخبر الدوانيقي بذلك ، فأقبل إليه الدوانيقي وقال : ما منعني من الجلوس إليك إلاّ إجلالاً لك ، فما الذي أخبرني به داود ؟ فقال : ( هو كائن ) .
فقال : وملكنا قبل ملككم ؟ قال : ( نعم ) ، قال : ويملك بعدي أحد من ولدي ، قال : ( نعم ) ، قال : فمدّة بني أميّة أكثر أم مدّتنا ؟ قال : ( مدّتكم أطول ، وليتلقفن هذا الملك صبيانكم ، ويلعبون به كما يلعبون بالكرة ، هذا ما عهده إليّ أبي ) ، فلمّا ملك الدوانيقي تعجّب من قول الباقر ( عليه السلام ) .
الكرامة الخامسة :
عن أبي بصير قال : قلت يوماً للباقر ( عليه السلام ) : أنتم ذرّية رسول الله ؟ قال : ( نعم ) ، قلت : ورسول الله وارث الأنبياء كلّهم ؟ قال : ( نعم ، ورث جميع علومهم ) ، قلت : وأنتم ورثتم جميع علم رسول الله ؟ قال : ( نعم ) ، قلت : وأنتم تقدرون أن تحيوا الموتى ، وتبرءوا الأكمة والأبرص ، وتخبروا الناس بما يأكلون وما يدّخرون في بيوتهم ؟ قال : ( نعم ، بإذن الله ) .
ثمّ قال : ( أدن منّي يا أبا بصير ) ، فدنوت منه ، فمسح يده على وجهي ، فأبصرت السهل والجبل والسماء والأرض ، ثمّ مسح يده على وجهي ، فعدت كما كنت لا أبصر شيئاً ، قال : ثمّ قال لي الباقر ( عليه السلام ) : ( إن أحببت أن تكون هكذا كما أبصرت ، وحسابك على الله ، وإن أحببت أن تكون كما كنت وثوابك الجنّة ) ، فقلت : أكون كما كنت والجنّة أحب إليّ .
الكرامة السادسة :
عن جابر الجعفي قال : كنا عند الإمام الباقر ( عليه السلام ) نحواً من خمسين رجلاً ، إذ دخل عليه كثير النواء ، وكان من المغيرية فسلّم وجلس ، ثمّ قال : إنّ المغيرة بن عمران عندنا بالكوفة ، يزعم أنّ معك ملكاً يعرّفك الكافر من المؤمن ، وشيعتك من أعدائك ، قال : ( ما حرفتك ؟ ) قال : أبيع الحنطة ، قال : ( كذبت ) .
قال : وربما أبيع الشعير ، قال : ( ليس كما قلت ، بل تبيع النوى ) ، قال : من أخبرك بهذا ؟ قال : ( الملك الذي يعرّفني شيعتي من عدوّي ، لست تموت إلاّ تائها ) .
قال جابر الجعفي : فلمّا انصرفنا إلى الكوفة ، ذهبت في جماعة نسأل عن كثير ، فدللنا على عجوز ، فقالت : مات تائها منذ ثلاثة أيّام .
الكرامة السابعة :
عن أبي بصير قال : كنت مع الإمام الباقر ( عليه السلام ) في المسجد ، إذ دخل عليه عمر بن عبد العزيز ، عليه ثوبان ممصران متكئاً على مولى له ، فقال ( عليه السلام ) : ( ليلين هذا الغلام ، فيظهر العدل ، ويعيش أربع سنين ، ثمّ يموت ، فيبكي عليه أهل الأرض ، ويلعنه أهل السماء ) ، فقلنا : يا ابن رسول الله ، أليس ذكرت عدله وإنصافه ؟ قال : ( يجلس في مجلسنا ، ولا حق له فيه ) ، ثمّ ملك وأظهر العدل جهده .
الكرامة الثامنة :
عن عاصم بن أبي حمزة قال : ركب الإمام الباقر ( عليه السلام ) يوماً إلى حائط له ، وكنت أنا وسليمان بن خالد معه ، فما سرنا إلاّ قليلاً ، فاستقبلنا رجلان ، فقال ( عليه السلام ) : ( هما سارقان خذوهما ) ، فأخذناهما ، وقال لغلمانه : ( استوثقوا منهما ) ، وقال لسليمان : ( انطلق إلى ذلك الجبل مع هذا الغلام إلى رأسه ، فإنّك تجد في أعلاه كهفاً فادخله ، وصر إلى وسطه فاستخرج ما فيه ، وادفعه إلى هذا الغلام يحمله بين يديك ، فإنّ فيه لرجل سرقة ، ولآخر سرقة ) .
فخرج واستخرج عيبتين ، وحملهما على ظهر الغلام ، فأتى بهما الباقر ( عليه السلام ) ، فقال : ( هما لرجل حاضر ، وهناك عيبة أخرى لرجل غائب سيحضر بعد ) ، فذهب واستخرج العيبة الأخرى من موضع آخر من الكهف ، فلمّا دخل الباقر ( عليه السلام ) المدينة ، فإذا صاحب العيبتين ادعى على قوم ، وأراد الوالي أن يعاقبهم ، فقال الباقر ( عليه السلام ) : ( لا تعاقبهم ، ورد العيبتين إلى الرجل ) .
ثمّ قطع السارقين ، فقال أحدهما : لقد قطعتنا بحق ، والحمد لله الذي أجرى قطعي وتوبتي على يدي ابن رسول الله ، فقال الباقر ( عليه السلام ) : ( لقد سبقتك يدك التي قطعت إلى الجنّة بعشرين سنة ) ، فعاش الرجل عشرين سنة ، ثمّ مات .
قال : فما لبثنا إلاّ ثلاثة أيّام حتّى حضر صاحب العيبة الأخرى ، فجاء إلى الباقر ( عليه السلام ) ، فقال له : ( أخبرك بما في عيبتك وهي بختمك ؟ فيها ألف دينار لك ، وألف أخرى لغيرك ، وفيها من الثياب كذا وكذا ) .
قال : فإن أخبرتني بصاحب الألف دينار من هو ؟ وما اسمه ؟ وأين هو ؟ علمت أنّك الإمام المنصوص عليه المفترض الطاعة ، قال : ( هو محمّد بن عبد الرحمن ، وهو صالح كثير الصدقة ، كثير الصلاة ، وهو الآن على الباب ينتظرك ) ، فقال الرجل ـ وهو بربري نصراني ـ : آمنت بالله الذي لا إله إلاّ هو ، وأنّ محمّداً عبده ورسوله ، وأنّك الإمام المفترض الطاعة ، وأسلم .
الكرامة التاسعة :
عن محمّد بن أبي حازم قال : كنت عند أبي جعفر ( عليه السلام ) ، فمر بنا زيد بن علي ، فقال أبو جعفر : ( أمّا والله ليخرجن بالكوفة ، وليقتلن وليطافن برأسه ، ثمّ يؤتى به ، فينصب على قصبة في هذا الموضع ) ، وأشار إلى الموضع الذي قتل فيه ، قال : سمع أذناي منه ، ثمّ رأت عيني بعد ذلك ، فبلغنا خروجه وقتله ، ثمّ مكثنا ما شاء الله ، فرأينا يطاف برأسه ، فنصب في ذلك الموضع على قصبة فتعجّبنا .
الكرامة العاشرة :
إنّ الإمام الباقر ( عليه السلام ) جعل يحدّث أصحابه بأحاديث شداد ، وقد دخل عليه رجل يقال له النضر بن قرواش ، فاغتم أصحابه لمكان الرجل ممّا يستمع حتّى نهض ، فقالوا : قد سمع ما سمع وهو خبيث ، قال : ( لو سألتموه عمّا تكلّمت به اليوم ما حفظ منه شيئاً ) .
قال بعضهم : فلقيته بعد ذلك ، فقلت : الأحاديث التي سمعتها من أبي جعفر أحب أن أعرفها ، فقال : والله ما فهمت منها قليلاً ولا كثيراً