معاجزها في حياتها عليها السلام
* روي أنّ سلمان قال : كانت فاطمة عليها السلام جالسة قدّامها رحى تطحن بها الشعير ، وعلى عمود الرحى دم سائل ، والحسين في ناحية الدار ( يتضوّر من الجوع ) .
فقلت : يا بنت رسول الله ، دبرت كفّاك ، وهذه فضّة ؛
فقالت : أوصاني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن تكون الخدمة لها يوماً ، فكان أمس يوم خدمتها .
قال سلمان : قلت إنّي مولى عناقة ، إمّا أنا أطحن الشعير أو اسكّت الحسين لك ؟
فقالت : أنا بتسكيته أرفق ، وأنت تطحن الشعير .
فطحنت شيئاً من الشعير ، فإذا أنا بالإقامة ، فمضيت وصلّيت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فلمّا فرغت قلت لعليّ ما رأيت ، فبكى وخرج ، ثمّ عاد فتبسّم .
فسأله عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : دخلت على فاطمة وهي مستلقية لقفاها ،
( 342 )
والحسين نائم على صدرها ، وقدّامها رحى تدور من غير يد .
فتبسّم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقال : يا عليّ ، أما علمت أنّ الله ملائكة سيّاره في الأرض يخدمون محمداً وآل محمد إلى أن تقوم الساعة (1) .
* وروي عن اسامة بن زيد ، قال :
افتقد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذات يوم عليّاً ، فقال :
اطلبوا إليّ أخي في الدنيا والآخرة ، اطلبوا الي فاصل الخطوب اطلبوا إليّ المحكّم في الجنة في اليوم المشهود ، اطلبوا الي حامل لوائي في المقام المحمود .
قال اسامة : فلمّا سمعت من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذلك ، بادرت إلى باب عليّ ، فناداني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من خلفي : يا اسامة ، عجّل عليّ بخبره وذلك بين الظهر والعصر .
فدخلت فوجدت عليّاً كالثوب الملقى لاطياً بالأرض ، ساجداً يناجي الله تعالى ، وهو يقول : سبحان الله الدائم ، فكّاك المغارم ، رزّاق البهائم ، ليس له في ديموتمه إبتداء ، ولا زوال ولا انقضاء .
فكرهت أن أقطع عليه ما هو فيه حتى يرفع رأسه ، وسمعت أزيز الرحى فقصدت نحوها لأسلّم على فاطمة عليها السلام واخبرها بقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في بعلها ، فوجدتها راقدة على شقّها الأيمن ، مخمرة وجهها بجلبابها ـ وكان من وبر الإبل ـ وإذا الرحى تدور بدقيقها ، وإذا كفّ يطحن عليها برفق ، وكفّ اخرى تلهي الرحى ، لها نور لا أقدر أن أملي عيني منها ، ولا أرى إلا اليدين بغير أبدان ، فامتلأت فرحاً بما رأيت من كرامة الله لفاطمة عليها السلام .
فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتباشير الفرح في وجهي بادية ، وهو في نفر من أصحابه ، قلت : يا رسول الله ! انطلقت أدعو عليّاً ، فوجدته كذا وكذا ؛
وانطلقت نحو فاطمة عليها السلام فوجدتها راقدة على شقّها الأيمن ، ورأيت كذا وكذا !
فقال : يا اسامة ! أتدري من الطاحن ، ومن الملهي لفاطمة ؟
إنّ الله قد غفر لبعلها بسجدته سبعين مغفرة ، واحدة منها لذنوبه ما تقدّم منها وما
____________
(1) الخرائج والجرائح : 530 | ح 6 .
( 343 )
تأخّر ، وتسعة وستّين مذخورة لمحبّيه ، يغفر الله بها بها ذنوبهم يوم القيامة .
وإن الله تعالى رحم ضعف فاطمة لطول قنوتها بالليل ، ومكابدتها للرحى والخدمة في النهار ، فأمر الله تعالى وليدين من الولدان المخلّدين أن يهبطا في أسرعت من الطرف ، وإنّ أحدهما ليطحن ، والآخر ليلهي رحاها .
وإنّما أرسلتك لترى وتخبر بنعمة الله علينا ، فحدّث يا اسامة !
لو تبديا لك لذهب عقلك من حسنهما ، وإنما سألتني خادماً فمنعتها ؛
فأخدمها الله بذلك سبعين ألف ألف وليدة في الجنّة ، الذين رأيت منهنّ .
وإنّا من أهل بيت اختار الله لنا الآخرة الباقية على الدنيا الفانية (1) .
* وعن حماد بن سلمة ، عن حميد الطويل ، عن أنس قال : سألني الحجاج بن يوسف عن حديث عائشة ، وحديث القدر التي رأت في بيت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهي تحركها بيدها ، قلت : نعم أصلح الله الأمير دخلت عائشة على فاطمة عليها السلام وهي تعمل للحسن والحسين عليهما السلام حريرة بدقيق ولبن وشحم ، في قدر ، والقدر على النار يغلي ( وفاطمة صلوات الله عليها ) تحرّك ما في القدر بإصبعها ، والقدر على النار يبقبق (2) .
فخرجت عائشة فزعة مذعورة ، حتى دخلت على أبيها ، فقالت : يا أبه ، إني رأيت من فاطمة الزهراء أمراً عجيباً [ عجبا ] ، رأيتها وهي تعمل في القدر ، والقدر على النار يغلي ، وهي تحرّك ما في القدر بيدها ! فقال لها : يا بنيّة ! اكتمي ، فإنّ هذا أمر عظيم .
فبلغ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فصعد المنبر ، وحمد الله وأثنى عليه ، ثمّ قال : إنّ الناس يستعظمون ويستكثرون ما رأوا من القدر والنار ؛ والذي بعثني بالرسالة ، واصطفاني بالنبوّة ، لقد حرّم الله تعالى النار على لحم فاطمة ، ودمها ، وشعرها ، وعصبها ، [ وعظمها ] وفطم من النار ذريّتها وشيعتها . إنّ من نسل فاطمة من تطيعه النار ، والشمس ، والقمر ، والنجوم ، والجبال ، وتضرب الجنّ بين يديه بالسيف ، وتوافي إليه الأنبياء بعهودها ، وتسلّم إليه الأرض كنوزها ، تنزّل عليه من السماء بركات ما فيها
____________
(1) الثاقب في المناقب : 291 ح 249 .
(2) البقبقة : حكاية صوت القدر في غليانه ( تاج العروس : 6 | 297 ) .
( 344 )
الويل لمن شك في فضل فاطمة .
[ لعن الله من يبغضها ] لعن الله من يبغض بعلها ، ولم يرض بإمامة ولدها .
إنّ لفاطمة يوم القيامة موقفاً ، ولشيعتها موقفاً .
وإنّ فاطمة تدعى فتكسى ، وتشفع فتشفّع ، على رغم كلّ راغم (1) .
* روي عن جابر بن عبدالله قال : إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أقام أيّاماً ولم يطعم طعاماً حتّى شقّ ذلك عليه ، فطاف في ديار أزواجه فلم يصب عند إحداهنّ شيئاً ، فأتى فاطمة فقال : يا بنيّة ! هل عندك شيء آكله ، فإنّي جائع ؟
قالت : لا ـ والله ـ بنفسي وأمّي . فلمّا خرج عنها ، بعثت جارية لها رغيفين وبضعة لحم ، فأخذته ووضعته في جفنة وغطّت عليها ، وقال : لأوثرنّ بها بهذا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فرجع إليها فقالت : قد أتانا الله بشيء فخبّأته لك ، فقال : هلمّي يا بنيّة ، فكشفت الجفنة ، هي مملوءة خبزاً ولحماً ، فلمّا نظرت إليه بهتت وعرفت أنّه من عند الله ، فحمدت الله ، وصلّت على نبيّه أبيها ، وقدّمته إليه فلمّا رآه حمد الله . وقال : من أين لك هذا ؟
قالت : هو من عند الله ، ( إنّ الله يزرق من يشاء بغير حساب ) (2) . فبعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى علي ، فدعاء وأحضره ، وأكل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعلي وفاطمة والحسن والحسين ، وجميع أزواج النبّي حتى شبعوا . قالت فاطمة عليها السلام : وبقيت الجفنة كما هي ، فأوسعت منها على جميع جيراني ، جعل الله فيها بركة وخيراً كثيراً (3) .
* وعن أبي الفرج محمد بن المكّي ، عن المظفر بن أحمد بن عبد الواحد ، عن محمد بن علي الحلواني ، عن كريمة بنت أحمد بن محمد الروندي :
وأخبرني أيضاً به عالياً قاضي القضاة محمد بن الحسين البغدادي ، عن الحسين ابن
____________
(1) العوالم : 1 | 198 .
(2) آل عمران : 37 .
(3) الخرائج والجرائح : 528 ح 3 ، عنه البحار ، 43 | 27 ح 30 . ورواه في الثاقب في المناقب : 295 بإسناده عن زينب ، والعرائس : 57 ، ومقتل الحسين : 1 | 57 ، وفرائد السمطين : 2 | 51 ، وابن كثير في البداية والنهاية : 6 | 111 وفي تفسيره : 2 | 222 ، والدرّ المنثور : 2 | 20 ، وروح المعاني : 3 | 124 ، عن بعضها الإحقاق : 3 | 538 ، و 10 | 314 .
( 345 )
محمد بن علي الزينبي ، عن الكريمة فاطمة بنت أحمد بن محمد المروزيّة بمكّة حرسها الله تعالى ، عن أبي علي زاهر بن أحد ، عن معاذ بن يوسف الجرجاني ، عن أحمد بن محمد ابن غالب ، عن عثمان بن أبي شيبة ، عن نمير ، عن مجالد ، عن ابن عبّاس ، قال :
خرج أعرابي من بني سليم يتبدّى في البريّة ، فإذا هو بضبّ قد نفر من بين يديه ، فسعى وراءه ، حتى اصطاده ، ثمّ جعله في كمّه ، وأقبل يزدلف نحو النبي صلى الله عليه وآله وسلم ـ إلى أن قال ـ فقال : من يزوّد الأعرابي ، وأضمن له على الله عز وجل زاد التقوى .
قال : فوثب إليه سلمان الفارسي فقال : فداك أبي وأمّي وما زاد التقوى ؟
قال : يا سلمان ، إذا كان آخر يوم من الدنيا ، لقّنك الله عزّ وجلّ قول : شهادة أن لا إله إلا الله وأنّ محمداً رسول الله ؛ فإن أنت قلتها لقيتني ولقيتك ، وإن أنت لم تقلها لم تلقني ولم ألقك أبداً .
قال : فمضى سلمان حتى طاف تسعة أبيات من بيوت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلم ، يجد عندهنّ شيئاً ، فلمّا أن ولّى راجعاً نظر إلى حجرة فاطمة عليها السلام .
فقال : إن يكن خير فمن منزل فاطمة بنت محمّد صلى الله عليه وآل وسلم ، فقرع الباب :
فأجابتة من رواه الباب : من بالباب ؟ فقال لها : أنا سلمان الفارسي .
فقالت له : يا سلمان ! وما تشاء ؟ فشرح قصّة الأعرابي والضبّ مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم .
قالت له : يا سلمان ! والذي بعث محمداً صلى الله عليه وآله وسلم بالحقّ نبيّاً إنّ لنا ثلاثاً ما طعمنا ، وإنّ الحسن والحسين قد اضطربا عليّ من شدّة الجوع، ثمّ رقداكأنّهما فرخان منتوفان ؛ ولكن لا أردّ الخير [ إذا نزل الخير ببابي ] يا سلمان ؛ خذ درعي هذا ، ثمّ امض به إلى شمعون اليهودي ، وقل له : تقول فاطمة بنت محمد : أقرضني عليه صاعاً من تمر وصاعاً من شعير أردّه عليك إن شاء الله تعالى .
قال : فأخد سلمان الدرع ، ثمّ أتى به إلى شمعون اليهودي ؛
قال : فأخذ شمعون الدرع ، ثمّ جعل يقلّبه في وعيناه تذرفان بالدموع وهو يقول : يا سلمان ! هذا هو الزهد في الدنيا ، هذا الذي أخبرنا به موسى بن عمران في التوراة ، أنا أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، فأسلم وحسن إسلامه .
ثمّ دفع إلى سلمان صاعاً من تمر ، وصاعاً من شعير ، فأتى به سلمان إلا فاطمة عليها السلام ،
( 346 )
فطحنته بيدها ، وأختبزته ، ثمّ أتت به إلى سلمان ؛
فقالت له : خذه وامض به إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم . قال : فقال لها سلمان : يا فاطمة ، خذي منه قرصاً تعلّلين به الحسن والحسين . فقالت : يا سلمان ،هذا شيء أمضيناه لله عز وجل لسنا نأخذ منه شيئاً . قال : فأخذه سلمان ، فأتى به النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فلمّا نظر النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى سلمان قال له : يا سلمان ، من أين لك هذا ؟ قال : من منزل بنتك فاطمة . قال : وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يطعم طعاماً منذ ثلاث . قال : فوثب النبي صلى الله عليه وآله وسلم حتى ورد إلى حجرة فاطمة ، فقرع الباب ، وكان إذا قرع النبي صلى الله عليه وآله وسلم الباب لا يفتح له الباب إلى فاطمة ؛ فلمّا أن فتحت له الباب ، نظر النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى صفار وجهها وتغيّر حدقتيها ، فقال لها : يا بنيّة ، ما الذي أراه من صفار وجهك وتغيّر حدقيت ؟ فقالت : يا أبة ، إن لنا ثلاثاً ما طعمنا طعاماً ؛ وإن الحسن والحسين قد اضطربا عليّ من شدّة الجوع ، ثمّ رقدا كأنّهما فرخان منتوفان .
قال : فأنبههما النبي صلى الله عليه وآله وسلم فاخذ واحداً على فخذه الأيمن ، والآخر على فخذه الأيسر ، وأجلس فاطمة عليها السلام بين يديه واعتنقها النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، ودخل عليّ بن أبي طالب عليه السلام ، فاعتنق النبي صلى الله عليه وآله وسلم من ورائه ، ثم رفع النبي صلى الله عليه وآله وسلم طرفه نحو السماء فقال : إلهي وسيّدي ومولاي ، هؤلاء أهل بيتي ، اللهمّ أذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً !
قال : ثمّ وثبت فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وآله وسلم حتى دخلت إلى مخدع لها ، فصفّت قدميها ، فصلّت ركعتين ثمّ رفعت باطن كفّيها إلى السماء وقالت :
إلهي وسيدي ، هذا محمد نبيّك ، وهذا عليّ ابن عمّ نبيّك ، وهذان الحسن والحسين سبطا نبيّك ، إلهي أنزل علينا مائدة [ من السماء ] كما أنزلتها على بني إسرائيل ، أكلوا منها وكفروا بها ، اللهم أنزلها علينا فإنّا بها مؤمنون .
قال ابن عباس : ـ والله ـ ما استتمّت الدعوة ، فإذا هي بصحفة من ورائها يفور قتارها ، وإذا قتارها (1) أزكى من المسك الأذفر ، فاحتضنتها .
ثمّ أتت بها إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعلي والحسن والحسين ، فلمّا أن نظر إليها علي بن أبي
____________
(1) القتار : هو ريح القدر والشواء ونحوهما ( النهاية : 4 | 12 ) .
( 347 )
طالب عليه السلام قال لها : يا فاطمة ، من أين لك هذا ؟ ولم يكن أجد عندك شيئاً !
فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم : كل يا أبا الحسن ، ولا تسأل ، الحمد لله الذي لم يمتني حتى رزقني ولداً ، مثلها مثل مريم بنت عمران ( كلّما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقاً قال يا مريم أنّى لك هذا قالت هو من عند الله إنّ الله يرزق من يشاء بغير حساب ) (1) .
قال : فأكل النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعليّ والحسن والحسين ، وخرج النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، الحديث (2) .
وعن عبيد بن كثير ـ معنعنا ـ عن أبي سعيد الخدري قال : أصبح علي بن أبي طالب عليه السلام ذات يوم فقال : يا فاطمة ! هل عندك شيء تغذينه ؟ قالت : لا ، والذي اكرم أبي بالنبوة ، وأكرمك بالوصية ، ما أصبح الغداة عندي شيء وما كان شيء أطعمنا مذ يومين إلاّ شيء كنت أوثرك به على نفسي وعلى ابني هذين الحسن والحسين عليهما السلام . فقال علي عليه السلام : يا فاطمة ! إلاّ كنت أعلمتني فأبغيكم شيئاً ؟ فقالت : يا أبا الحسن ! أني لأستحي من الهي ان اكلف نفسك ما لا تقدر عليه . فخرج علي بن ابي طالب عليه السلام من عند فاطمة عليها السلام واثقا بالله بحسن الظن بالله فاستقرض دينارا ، فبينا الدينار في يد علي بن ابي طالب عليه السلام يريد ان يبتاع لعياله ما يصلحهم ، فتعرض له المقداد بن الاسود في يوم شديد الحر ، قد لوحته الشمس من فوقه وآذته من تحته ، فلما رآه علي بن أبي طالب عليه السلام انكر شأنه ، فقال : يا مقداد ! ما ازعجك هذه الساعة من رحلك ! قال : يا أبا الحسن خلي سبيلي ولاتسألني عما ورائي . فقال : يا اخي انه لا يسعني ان تجاوزني حتى اعلم علمك .
فقال : يا أبا الحسن ! رغبة إلى الله واليك ان تخلي سبيلي ولا تكشفني عن حالي . فقال
____________
(1) آل عمران : 37 .
(2) البحار : 43 | 69 ، وقد قال في البحار بعد هذه الرواية :
أقول : وجدت هذا الحديث في كتاب قديم من مؤلفات العامّة ، قال : حدّثنا أبو بكر أحمد بن علي الطرشيشي ببغداد سنة 84 ؛ قال : حدّثتنا كريمة بنت أحمد بن محمد بن حاتم المروزي بمكّة حرسها الله بقراءتها علينا في المسجد الحرام في ذي الحجة 431 ، قالت : أخبرنا أبو علي زاهر بن أحمد الفقيه ـ الخ . يراجع البحار . ورواه في مقتل الحسين : 1 | 71 ، وفي نزهة المجالس : 1 | 224 ( نحوه ) ، عنه الإحقاق : 10 | 318 ، المستدرك : 10 | 310 ح 1 ( قطعة ) .
( 348 )
له : يا اخي انه لا يسعك ان تكمي حالك .
فقال : يا أبا الحسن ! اما اذا ابيت فو الذي اكرم محمدا بالنبوة ، واكرمك بالوصية ، ما ازعجني من رحلي ، إلاّ الجهد ، وقد تركت عيالي يتضرعون جوعا ، فلما سمعت بكاء العيال لم تحملني الأرض ، فخرجت مهموما راكبا رأسي ، هذه حالي وقصتي ، فانهملت عينا ، علي عليه السلام بالبكاء حتى بلت دمعته لحيته ، فقال له : احلف بالذي حلفت ، ما ازعجني إلاّ الذي ازعجك من وحلك ، فقد استقرضت ديناراً ، فقد آثرتك على نفسي ، فدفع الدينار إليه ، ورجع حتى دخل مسجد النبي صلى الله عليه وآله وسلم فصلى فيه يوم الظهر والعصر والمغرب . فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المغرب مر بعلي بن ابي طالب عليه السلام وهو في الصف الأوّل ، فغمزه برجله ، فقام علي عليه السلام متعقبا خلف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى لحقه على باب من أبواب المسجد ، فسلم عليه فرد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عليه السلام . فقال : يا أبا الحسن ! هل عندك شيء نتعشاه فنميل معك ؟ فمكث مطرقا لا يحير جوابا، حياء من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وهو يعلم ما كان من امر الدينار ومن اين اخذه ، واين وجهه ، وقد كان اوحى الله تعالى إلى نبيه محمد صلى الله عليه وآله وسلم ان يتعشى الليلة عند علي ابن أبي طالب عليه السلام . فلما نظر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى سكوته ، فقال : يا أبا الحسن ! مالك لا تقول : لا ، فانصرف ، أو تقول : نعم ، فأمضي معك ؟ فقال ـ حياء وتكرما ـ : فاذهب بنا ؟ فاخذ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يد علي بن ابي طالب عليه السلام فانطلقا حتى دخلا على فاطمة الزهراء عليها السلام وهي في مصلاها قد قضت صلاتها ، وخلفها جفنة تفور دخانا ، فلما سمعت كلام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في رحلها ، خرجت من مصلاها ، فسلمت عليه ، وكانت اعز الناس إليه ، فرد صلى الله عليه وآله وسلم ، ومسح على رأسها ، وقال لها : يا بنتاه ! كيف امسيت رحمك الله .
قالت : بخير ، قال عشينا غفر الله لك ، وقد فعل ، فأخذت الجفنة فوضعتها بين يدي النبي وعلي بن ابي طالب عليهما الصلاة والسلام .
فلما نظر علي بن أبي طالب عليه السلام إلى الجفنة والطعام وشم ريحه ، رمى فاطمة ببصره رميا شحيحا (1) قالت : له فاطمة سبحان الله ، ما اشح نظرك واشده ! هل اذنبت فيما بيني
____________
(1) قوله : رميا شحيحا ، الشح : البخل مع حرص ، وهو لا يناسب المقام إلاّ بتكلف . ويحتمل ان يكون اصله سحيحا ، بالسين المهملة من السح بمعنى : السيلان ، كناية عن المبالغة في النظر
( 349 )
وبينك ذنبا استوجبت به السخطة؟! قال : وأي ذنب أعظم من ذنب اصبته ، اليس عهدي اليك اليوم الماضي وانت تحلفين بالله مجتهدة ، ماطعمت طعاما مذ يومين ؟ قال : فنظرت إلى السماء ، فقالت : الهي يعلم في سمائه ويعلم في ارضه اني لم أقل إلاّ حقاً .
فقال لها : يا فاطمة ! انى لك هذا الطعام الذي لم انظر إلى مثل لونه قط ، ولم اشم مثل ريحه قط ، ومالم آكل اطيب منه قط ؟ قال : فوضع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كفه الطيبة المباركة بين كتفي علي بن ابي طالب عليه السلام ، فغمزها ، ثم قال : يا علي ! هذا بدل دينارك ، وهذا جزاء دينارك من عند الله ان الله يرزق من يشاء بغير حساب .
ثم استعبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم باكيا ، ثم قال : الحمد لله الذي هو ابي لكم ان تخرجا من الدنيا حتى يجزيكما ، ويجزيك يا علي ، مجزى زكريا ، ويجزى فاطمة مجزى مريم بنت عمران ( كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا ) (1) .
* وروي عن يوسف بن يحيى ، عن ابيه ، عن جده ، قال : رأيت رجلا بمكة شديد السواد له بدن ، وخلق غابر ، وهو ينادي ، أيها الناس ، دلوني على اولاد محمد ، فأشار إليه بعضهم وقال : مالك ؟ قال : انا فلان بن فلان . قالوا : كذبت ان فلانا كان صحيح البدن صبيح الوجه ، وانت شديد السواد غابر الخلق . قال : وحق محمد اني لفلان ، اسمعوا حديثي .
اعلموا اني كنت جمال الحسين ، فلما ان صرنا إلى بعض المنازل برز للحاجة وانا معه فرأيت تكة لباسه وكان اهداها ملك فارس حين تزوج بنت اخيه شاه زنان بنت يزدجود ، فمنعني هيبة أسألها اياه ، فدرت حوله لعلي اسرقها ، فلم اقدر عليها .
فلما صار القوم بكربلاء ، وجرى ما جرى ، وصارت ابدانهم ملقاة تحت سنابك
____________
والتحديق بال بالبصر وعلى ما في النسخ يحمتل ان يكون من الحرص كناية عن المبالغة في النظر ، او البخل كناية عن النظر بطرف البصر على وجه الغيظ .
(1) كشف الغمة : 1 | 469 ، أمالي الطوسي : 2 | 228 ، عنها البحار : 43 | 59 ح 51 . تأويل الايات : 1 | 108 ح 15 ، والبحار : 96 | 147 ح 25 ، واخرجه في ذخائر العقبى : 45 ، وكفاية الطالب : 367 وينابيع المودة : 199 ، ملخصا عن الاربعين الطوال الدمشقي ، ورواه في أهل البيت : 122 ، والاحقاق : 10 | 323 وج 19 | 120. ورواه في المعيار والموازنة : 236 ، وتوضيح الدلائل عنهما الاحقاق : 18 | 50 .
( 350 )
الخيل ، اقبلنا نحو الكوفة راجعين ، فلما ان صرت إلى بعض الطريق ذكرت التكة ، فقلت في نفسي : قد خلا ماعنده ، فصرت إلى موضع المعركة ، فقربت منه فاذا هو مرمل بالدماء ، قد حز رأسه من القفا وعليه جراحات كثيرة من السهام والرماح ، فممدت يدي إلى التكة وهممت ان احل عقدها ، فرفع يده وضرب بها يدي ، فكادت اوصالي وعروقي تتقطع ، ثم اخذ التكة من يدي ، فوضعت رجلي على صدره وجهدت جهدي لازيل اصبعا من اصابعه ، فلم اقدر ، فأخرجت سكينا كان معي ، فقطعت اصابعه ثم مددت يدي إلى التكة، وهممت بحلها ثانيا ، فرأيت خيلا اقبلت من نحو الفرات ، وشممت رائحة لم اشم رائحة اطيب منها ، فلما رأيتهم قلت : انا الله وانا إليه راجعون ، انما اقبلوا هؤلاء لينظروا إلى كل انسان به رمق « فيجهزوا عليه » .
فصرت بين القتلى ، وغاب غني عقلي من شدة الجزع ، فاذا رجل يقدمهم ـ كان وجهه الشمس ـ وهو ينادي : انا محمد رسول الله ، والثاني ينادي : انا حمزة اسد الله ، والثالث ينادي : انا جعفر الطيار ، والرابع ينادي : انا الحسن بن علي . وأقبلت فاطمة وهي تبكي وتقول : حبيبي ، وقرة عيني ، ابكي على رأسك المقطوع ، ام على يديك المقطوعتين ، ام على بدنك المطروح ، ام على اولادك الاسارى ، ثم قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : اين رأس حبيبي وقرة عيني الحسين ، فرأيت الرأس في كفي النبي ، فوضعه على بدن الحسين ، فاستوى جالسا ، فاعتنقه النبي وبكى ـ فذكر الحديث ـ إلى أن قال ـ : فقال : ياعدو الله ! ما حملك على قطع اصابع حبيبي وقرة عيني الحسين ـ إلى ان قال : ـ ثم قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : اخسأ ياعدوا الله ! غير الله لونك ، فقمت ، فاذا انا بهذه الحالة
* روي أنّ سلمان قال : كانت فاطمة عليها السلام جالسة قدّامها رحى تطحن بها الشعير ، وعلى عمود الرحى دم سائل ، والحسين في ناحية الدار ( يتضوّر من الجوع ) .
فقلت : يا بنت رسول الله ، دبرت كفّاك ، وهذه فضّة ؛
فقالت : أوصاني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن تكون الخدمة لها يوماً ، فكان أمس يوم خدمتها .
قال سلمان : قلت إنّي مولى عناقة ، إمّا أنا أطحن الشعير أو اسكّت الحسين لك ؟
فقالت : أنا بتسكيته أرفق ، وأنت تطحن الشعير .
فطحنت شيئاً من الشعير ، فإذا أنا بالإقامة ، فمضيت وصلّيت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فلمّا فرغت قلت لعليّ ما رأيت ، فبكى وخرج ، ثمّ عاد فتبسّم .
فسأله عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : دخلت على فاطمة وهي مستلقية لقفاها ،
( 342 )
والحسين نائم على صدرها ، وقدّامها رحى تدور من غير يد .
فتبسّم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقال : يا عليّ ، أما علمت أنّ الله ملائكة سيّاره في الأرض يخدمون محمداً وآل محمد إلى أن تقوم الساعة (1) .
* وروي عن اسامة بن زيد ، قال :
افتقد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذات يوم عليّاً ، فقال :
اطلبوا إليّ أخي في الدنيا والآخرة ، اطلبوا الي فاصل الخطوب اطلبوا إليّ المحكّم في الجنة في اليوم المشهود ، اطلبوا الي حامل لوائي في المقام المحمود .
قال اسامة : فلمّا سمعت من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذلك ، بادرت إلى باب عليّ ، فناداني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من خلفي : يا اسامة ، عجّل عليّ بخبره وذلك بين الظهر والعصر .
فدخلت فوجدت عليّاً كالثوب الملقى لاطياً بالأرض ، ساجداً يناجي الله تعالى ، وهو يقول : سبحان الله الدائم ، فكّاك المغارم ، رزّاق البهائم ، ليس له في ديموتمه إبتداء ، ولا زوال ولا انقضاء .
فكرهت أن أقطع عليه ما هو فيه حتى يرفع رأسه ، وسمعت أزيز الرحى فقصدت نحوها لأسلّم على فاطمة عليها السلام واخبرها بقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في بعلها ، فوجدتها راقدة على شقّها الأيمن ، مخمرة وجهها بجلبابها ـ وكان من وبر الإبل ـ وإذا الرحى تدور بدقيقها ، وإذا كفّ يطحن عليها برفق ، وكفّ اخرى تلهي الرحى ، لها نور لا أقدر أن أملي عيني منها ، ولا أرى إلا اليدين بغير أبدان ، فامتلأت فرحاً بما رأيت من كرامة الله لفاطمة عليها السلام .
فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتباشير الفرح في وجهي بادية ، وهو في نفر من أصحابه ، قلت : يا رسول الله ! انطلقت أدعو عليّاً ، فوجدته كذا وكذا ؛
وانطلقت نحو فاطمة عليها السلام فوجدتها راقدة على شقّها الأيمن ، ورأيت كذا وكذا !
فقال : يا اسامة ! أتدري من الطاحن ، ومن الملهي لفاطمة ؟
إنّ الله قد غفر لبعلها بسجدته سبعين مغفرة ، واحدة منها لذنوبه ما تقدّم منها وما
____________
(1) الخرائج والجرائح : 530 | ح 6 .
( 343 )
تأخّر ، وتسعة وستّين مذخورة لمحبّيه ، يغفر الله بها بها ذنوبهم يوم القيامة .
وإن الله تعالى رحم ضعف فاطمة لطول قنوتها بالليل ، ومكابدتها للرحى والخدمة في النهار ، فأمر الله تعالى وليدين من الولدان المخلّدين أن يهبطا في أسرعت من الطرف ، وإنّ أحدهما ليطحن ، والآخر ليلهي رحاها .
وإنّما أرسلتك لترى وتخبر بنعمة الله علينا ، فحدّث يا اسامة !
لو تبديا لك لذهب عقلك من حسنهما ، وإنما سألتني خادماً فمنعتها ؛
فأخدمها الله بذلك سبعين ألف ألف وليدة في الجنّة ، الذين رأيت منهنّ .
وإنّا من أهل بيت اختار الله لنا الآخرة الباقية على الدنيا الفانية (1) .
* وعن حماد بن سلمة ، عن حميد الطويل ، عن أنس قال : سألني الحجاج بن يوسف عن حديث عائشة ، وحديث القدر التي رأت في بيت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهي تحركها بيدها ، قلت : نعم أصلح الله الأمير دخلت عائشة على فاطمة عليها السلام وهي تعمل للحسن والحسين عليهما السلام حريرة بدقيق ولبن وشحم ، في قدر ، والقدر على النار يغلي ( وفاطمة صلوات الله عليها ) تحرّك ما في القدر بإصبعها ، والقدر على النار يبقبق (2) .
فخرجت عائشة فزعة مذعورة ، حتى دخلت على أبيها ، فقالت : يا أبه ، إني رأيت من فاطمة الزهراء أمراً عجيباً [ عجبا ] ، رأيتها وهي تعمل في القدر ، والقدر على النار يغلي ، وهي تحرّك ما في القدر بيدها ! فقال لها : يا بنيّة ! اكتمي ، فإنّ هذا أمر عظيم .
فبلغ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فصعد المنبر ، وحمد الله وأثنى عليه ، ثمّ قال : إنّ الناس يستعظمون ويستكثرون ما رأوا من القدر والنار ؛ والذي بعثني بالرسالة ، واصطفاني بالنبوّة ، لقد حرّم الله تعالى النار على لحم فاطمة ، ودمها ، وشعرها ، وعصبها ، [ وعظمها ] وفطم من النار ذريّتها وشيعتها . إنّ من نسل فاطمة من تطيعه النار ، والشمس ، والقمر ، والنجوم ، والجبال ، وتضرب الجنّ بين يديه بالسيف ، وتوافي إليه الأنبياء بعهودها ، وتسلّم إليه الأرض كنوزها ، تنزّل عليه من السماء بركات ما فيها
____________
(1) الثاقب في المناقب : 291 ح 249 .
(2) البقبقة : حكاية صوت القدر في غليانه ( تاج العروس : 6 | 297 ) .
( 344 )
الويل لمن شك في فضل فاطمة .
[ لعن الله من يبغضها ] لعن الله من يبغض بعلها ، ولم يرض بإمامة ولدها .
إنّ لفاطمة يوم القيامة موقفاً ، ولشيعتها موقفاً .
وإنّ فاطمة تدعى فتكسى ، وتشفع فتشفّع ، على رغم كلّ راغم (1) .
* روي عن جابر بن عبدالله قال : إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أقام أيّاماً ولم يطعم طعاماً حتّى شقّ ذلك عليه ، فطاف في ديار أزواجه فلم يصب عند إحداهنّ شيئاً ، فأتى فاطمة فقال : يا بنيّة ! هل عندك شيء آكله ، فإنّي جائع ؟
قالت : لا ـ والله ـ بنفسي وأمّي . فلمّا خرج عنها ، بعثت جارية لها رغيفين وبضعة لحم ، فأخذته ووضعته في جفنة وغطّت عليها ، وقال : لأوثرنّ بها بهذا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فرجع إليها فقالت : قد أتانا الله بشيء فخبّأته لك ، فقال : هلمّي يا بنيّة ، فكشفت الجفنة ، هي مملوءة خبزاً ولحماً ، فلمّا نظرت إليه بهتت وعرفت أنّه من عند الله ، فحمدت الله ، وصلّت على نبيّه أبيها ، وقدّمته إليه فلمّا رآه حمد الله . وقال : من أين لك هذا ؟
قالت : هو من عند الله ، ( إنّ الله يزرق من يشاء بغير حساب ) (2) . فبعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى علي ، فدعاء وأحضره ، وأكل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعلي وفاطمة والحسن والحسين ، وجميع أزواج النبّي حتى شبعوا . قالت فاطمة عليها السلام : وبقيت الجفنة كما هي ، فأوسعت منها على جميع جيراني ، جعل الله فيها بركة وخيراً كثيراً (3) .
* وعن أبي الفرج محمد بن المكّي ، عن المظفر بن أحمد بن عبد الواحد ، عن محمد بن علي الحلواني ، عن كريمة بنت أحمد بن محمد الروندي :
وأخبرني أيضاً به عالياً قاضي القضاة محمد بن الحسين البغدادي ، عن الحسين ابن
____________
(1) العوالم : 1 | 198 .
(2) آل عمران : 37 .
(3) الخرائج والجرائح : 528 ح 3 ، عنه البحار ، 43 | 27 ح 30 . ورواه في الثاقب في المناقب : 295 بإسناده عن زينب ، والعرائس : 57 ، ومقتل الحسين : 1 | 57 ، وفرائد السمطين : 2 | 51 ، وابن كثير في البداية والنهاية : 6 | 111 وفي تفسيره : 2 | 222 ، والدرّ المنثور : 2 | 20 ، وروح المعاني : 3 | 124 ، عن بعضها الإحقاق : 3 | 538 ، و 10 | 314 .
( 345 )
محمد بن علي الزينبي ، عن الكريمة فاطمة بنت أحمد بن محمد المروزيّة بمكّة حرسها الله تعالى ، عن أبي علي زاهر بن أحد ، عن معاذ بن يوسف الجرجاني ، عن أحمد بن محمد ابن غالب ، عن عثمان بن أبي شيبة ، عن نمير ، عن مجالد ، عن ابن عبّاس ، قال :
خرج أعرابي من بني سليم يتبدّى في البريّة ، فإذا هو بضبّ قد نفر من بين يديه ، فسعى وراءه ، حتى اصطاده ، ثمّ جعله في كمّه ، وأقبل يزدلف نحو النبي صلى الله عليه وآله وسلم ـ إلى أن قال ـ فقال : من يزوّد الأعرابي ، وأضمن له على الله عز وجل زاد التقوى .
قال : فوثب إليه سلمان الفارسي فقال : فداك أبي وأمّي وما زاد التقوى ؟
قال : يا سلمان ، إذا كان آخر يوم من الدنيا ، لقّنك الله عزّ وجلّ قول : شهادة أن لا إله إلا الله وأنّ محمداً رسول الله ؛ فإن أنت قلتها لقيتني ولقيتك ، وإن أنت لم تقلها لم تلقني ولم ألقك أبداً .
قال : فمضى سلمان حتى طاف تسعة أبيات من بيوت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلم ، يجد عندهنّ شيئاً ، فلمّا أن ولّى راجعاً نظر إلى حجرة فاطمة عليها السلام .
فقال : إن يكن خير فمن منزل فاطمة بنت محمّد صلى الله عليه وآل وسلم ، فقرع الباب :
فأجابتة من رواه الباب : من بالباب ؟ فقال لها : أنا سلمان الفارسي .
فقالت له : يا سلمان ! وما تشاء ؟ فشرح قصّة الأعرابي والضبّ مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم .
قالت له : يا سلمان ! والذي بعث محمداً صلى الله عليه وآله وسلم بالحقّ نبيّاً إنّ لنا ثلاثاً ما طعمنا ، وإنّ الحسن والحسين قد اضطربا عليّ من شدّة الجوع، ثمّ رقداكأنّهما فرخان منتوفان ؛ ولكن لا أردّ الخير [ إذا نزل الخير ببابي ] يا سلمان ؛ خذ درعي هذا ، ثمّ امض به إلى شمعون اليهودي ، وقل له : تقول فاطمة بنت محمد : أقرضني عليه صاعاً من تمر وصاعاً من شعير أردّه عليك إن شاء الله تعالى .
قال : فأخد سلمان الدرع ، ثمّ أتى به إلى شمعون اليهودي ؛
قال : فأخذ شمعون الدرع ، ثمّ جعل يقلّبه في وعيناه تذرفان بالدموع وهو يقول : يا سلمان ! هذا هو الزهد في الدنيا ، هذا الذي أخبرنا به موسى بن عمران في التوراة ، أنا أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، فأسلم وحسن إسلامه .
ثمّ دفع إلى سلمان صاعاً من تمر ، وصاعاً من شعير ، فأتى به سلمان إلا فاطمة عليها السلام ،
( 346 )
فطحنته بيدها ، وأختبزته ، ثمّ أتت به إلى سلمان ؛
فقالت له : خذه وامض به إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم . قال : فقال لها سلمان : يا فاطمة ، خذي منه قرصاً تعلّلين به الحسن والحسين . فقالت : يا سلمان ،هذا شيء أمضيناه لله عز وجل لسنا نأخذ منه شيئاً . قال : فأخذه سلمان ، فأتى به النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فلمّا نظر النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى سلمان قال له : يا سلمان ، من أين لك هذا ؟ قال : من منزل بنتك فاطمة . قال : وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يطعم طعاماً منذ ثلاث . قال : فوثب النبي صلى الله عليه وآله وسلم حتى ورد إلى حجرة فاطمة ، فقرع الباب ، وكان إذا قرع النبي صلى الله عليه وآله وسلم الباب لا يفتح له الباب إلى فاطمة ؛ فلمّا أن فتحت له الباب ، نظر النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى صفار وجهها وتغيّر حدقتيها ، فقال لها : يا بنيّة ، ما الذي أراه من صفار وجهك وتغيّر حدقيت ؟ فقالت : يا أبة ، إن لنا ثلاثاً ما طعمنا طعاماً ؛ وإن الحسن والحسين قد اضطربا عليّ من شدّة الجوع ، ثمّ رقدا كأنّهما فرخان منتوفان .
قال : فأنبههما النبي صلى الله عليه وآله وسلم فاخذ واحداً على فخذه الأيمن ، والآخر على فخذه الأيسر ، وأجلس فاطمة عليها السلام بين يديه واعتنقها النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، ودخل عليّ بن أبي طالب عليه السلام ، فاعتنق النبي صلى الله عليه وآله وسلم من ورائه ، ثم رفع النبي صلى الله عليه وآله وسلم طرفه نحو السماء فقال : إلهي وسيّدي ومولاي ، هؤلاء أهل بيتي ، اللهمّ أذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً !
قال : ثمّ وثبت فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وآله وسلم حتى دخلت إلى مخدع لها ، فصفّت قدميها ، فصلّت ركعتين ثمّ رفعت باطن كفّيها إلى السماء وقالت :
إلهي وسيدي ، هذا محمد نبيّك ، وهذا عليّ ابن عمّ نبيّك ، وهذان الحسن والحسين سبطا نبيّك ، إلهي أنزل علينا مائدة [ من السماء ] كما أنزلتها على بني إسرائيل ، أكلوا منها وكفروا بها ، اللهم أنزلها علينا فإنّا بها مؤمنون .
قال ابن عباس : ـ والله ـ ما استتمّت الدعوة ، فإذا هي بصحفة من ورائها يفور قتارها ، وإذا قتارها (1) أزكى من المسك الأذفر ، فاحتضنتها .
ثمّ أتت بها إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعلي والحسن والحسين ، فلمّا أن نظر إليها علي بن أبي
____________
(1) القتار : هو ريح القدر والشواء ونحوهما ( النهاية : 4 | 12 ) .
( 347 )
طالب عليه السلام قال لها : يا فاطمة ، من أين لك هذا ؟ ولم يكن أجد عندك شيئاً !
فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم : كل يا أبا الحسن ، ولا تسأل ، الحمد لله الذي لم يمتني حتى رزقني ولداً ، مثلها مثل مريم بنت عمران ( كلّما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقاً قال يا مريم أنّى لك هذا قالت هو من عند الله إنّ الله يرزق من يشاء بغير حساب ) (1) .
قال : فأكل النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعليّ والحسن والحسين ، وخرج النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، الحديث (2) .
وعن عبيد بن كثير ـ معنعنا ـ عن أبي سعيد الخدري قال : أصبح علي بن أبي طالب عليه السلام ذات يوم فقال : يا فاطمة ! هل عندك شيء تغذينه ؟ قالت : لا ، والذي اكرم أبي بالنبوة ، وأكرمك بالوصية ، ما أصبح الغداة عندي شيء وما كان شيء أطعمنا مذ يومين إلاّ شيء كنت أوثرك به على نفسي وعلى ابني هذين الحسن والحسين عليهما السلام . فقال علي عليه السلام : يا فاطمة ! إلاّ كنت أعلمتني فأبغيكم شيئاً ؟ فقالت : يا أبا الحسن ! أني لأستحي من الهي ان اكلف نفسك ما لا تقدر عليه . فخرج علي بن ابي طالب عليه السلام من عند فاطمة عليها السلام واثقا بالله بحسن الظن بالله فاستقرض دينارا ، فبينا الدينار في يد علي بن ابي طالب عليه السلام يريد ان يبتاع لعياله ما يصلحهم ، فتعرض له المقداد بن الاسود في يوم شديد الحر ، قد لوحته الشمس من فوقه وآذته من تحته ، فلما رآه علي بن أبي طالب عليه السلام انكر شأنه ، فقال : يا مقداد ! ما ازعجك هذه الساعة من رحلك ! قال : يا أبا الحسن خلي سبيلي ولاتسألني عما ورائي . فقال : يا اخي انه لا يسعني ان تجاوزني حتى اعلم علمك .
فقال : يا أبا الحسن ! رغبة إلى الله واليك ان تخلي سبيلي ولا تكشفني عن حالي . فقال
____________
(1) آل عمران : 37 .
(2) البحار : 43 | 69 ، وقد قال في البحار بعد هذه الرواية :
أقول : وجدت هذا الحديث في كتاب قديم من مؤلفات العامّة ، قال : حدّثنا أبو بكر أحمد بن علي الطرشيشي ببغداد سنة 84 ؛ قال : حدّثتنا كريمة بنت أحمد بن محمد بن حاتم المروزي بمكّة حرسها الله بقراءتها علينا في المسجد الحرام في ذي الحجة 431 ، قالت : أخبرنا أبو علي زاهر بن أحمد الفقيه ـ الخ . يراجع البحار . ورواه في مقتل الحسين : 1 | 71 ، وفي نزهة المجالس : 1 | 224 ( نحوه ) ، عنه الإحقاق : 10 | 318 ، المستدرك : 10 | 310 ح 1 ( قطعة ) .
( 348 )
له : يا اخي انه لا يسعك ان تكمي حالك .
فقال : يا أبا الحسن ! اما اذا ابيت فو الذي اكرم محمدا بالنبوة ، واكرمك بالوصية ، ما ازعجني من رحلي ، إلاّ الجهد ، وقد تركت عيالي يتضرعون جوعا ، فلما سمعت بكاء العيال لم تحملني الأرض ، فخرجت مهموما راكبا رأسي ، هذه حالي وقصتي ، فانهملت عينا ، علي عليه السلام بالبكاء حتى بلت دمعته لحيته ، فقال له : احلف بالذي حلفت ، ما ازعجني إلاّ الذي ازعجك من وحلك ، فقد استقرضت ديناراً ، فقد آثرتك على نفسي ، فدفع الدينار إليه ، ورجع حتى دخل مسجد النبي صلى الله عليه وآله وسلم فصلى فيه يوم الظهر والعصر والمغرب . فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المغرب مر بعلي بن ابي طالب عليه السلام وهو في الصف الأوّل ، فغمزه برجله ، فقام علي عليه السلام متعقبا خلف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى لحقه على باب من أبواب المسجد ، فسلم عليه فرد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عليه السلام . فقال : يا أبا الحسن ! هل عندك شيء نتعشاه فنميل معك ؟ فمكث مطرقا لا يحير جوابا، حياء من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وهو يعلم ما كان من امر الدينار ومن اين اخذه ، واين وجهه ، وقد كان اوحى الله تعالى إلى نبيه محمد صلى الله عليه وآله وسلم ان يتعشى الليلة عند علي ابن أبي طالب عليه السلام . فلما نظر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى سكوته ، فقال : يا أبا الحسن ! مالك لا تقول : لا ، فانصرف ، أو تقول : نعم ، فأمضي معك ؟ فقال ـ حياء وتكرما ـ : فاذهب بنا ؟ فاخذ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يد علي بن ابي طالب عليه السلام فانطلقا حتى دخلا على فاطمة الزهراء عليها السلام وهي في مصلاها قد قضت صلاتها ، وخلفها جفنة تفور دخانا ، فلما سمعت كلام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في رحلها ، خرجت من مصلاها ، فسلمت عليه ، وكانت اعز الناس إليه ، فرد صلى الله عليه وآله وسلم ، ومسح على رأسها ، وقال لها : يا بنتاه ! كيف امسيت رحمك الله .
قالت : بخير ، قال عشينا غفر الله لك ، وقد فعل ، فأخذت الجفنة فوضعتها بين يدي النبي وعلي بن ابي طالب عليهما الصلاة والسلام .
فلما نظر علي بن أبي طالب عليه السلام إلى الجفنة والطعام وشم ريحه ، رمى فاطمة ببصره رميا شحيحا (1) قالت : له فاطمة سبحان الله ، ما اشح نظرك واشده ! هل اذنبت فيما بيني
____________
(1) قوله : رميا شحيحا ، الشح : البخل مع حرص ، وهو لا يناسب المقام إلاّ بتكلف . ويحتمل ان يكون اصله سحيحا ، بالسين المهملة من السح بمعنى : السيلان ، كناية عن المبالغة في النظر
( 349 )
وبينك ذنبا استوجبت به السخطة؟! قال : وأي ذنب أعظم من ذنب اصبته ، اليس عهدي اليك اليوم الماضي وانت تحلفين بالله مجتهدة ، ماطعمت طعاما مذ يومين ؟ قال : فنظرت إلى السماء ، فقالت : الهي يعلم في سمائه ويعلم في ارضه اني لم أقل إلاّ حقاً .
فقال لها : يا فاطمة ! انى لك هذا الطعام الذي لم انظر إلى مثل لونه قط ، ولم اشم مثل ريحه قط ، ومالم آكل اطيب منه قط ؟ قال : فوضع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كفه الطيبة المباركة بين كتفي علي بن ابي طالب عليه السلام ، فغمزها ، ثم قال : يا علي ! هذا بدل دينارك ، وهذا جزاء دينارك من عند الله ان الله يرزق من يشاء بغير حساب .
ثم استعبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم باكيا ، ثم قال : الحمد لله الذي هو ابي لكم ان تخرجا من الدنيا حتى يجزيكما ، ويجزيك يا علي ، مجزى زكريا ، ويجزى فاطمة مجزى مريم بنت عمران ( كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا ) (1) .
* وروي عن يوسف بن يحيى ، عن ابيه ، عن جده ، قال : رأيت رجلا بمكة شديد السواد له بدن ، وخلق غابر ، وهو ينادي ، أيها الناس ، دلوني على اولاد محمد ، فأشار إليه بعضهم وقال : مالك ؟ قال : انا فلان بن فلان . قالوا : كذبت ان فلانا كان صحيح البدن صبيح الوجه ، وانت شديد السواد غابر الخلق . قال : وحق محمد اني لفلان ، اسمعوا حديثي .
اعلموا اني كنت جمال الحسين ، فلما ان صرنا إلى بعض المنازل برز للحاجة وانا معه فرأيت تكة لباسه وكان اهداها ملك فارس حين تزوج بنت اخيه شاه زنان بنت يزدجود ، فمنعني هيبة أسألها اياه ، فدرت حوله لعلي اسرقها ، فلم اقدر عليها .
فلما صار القوم بكربلاء ، وجرى ما جرى ، وصارت ابدانهم ملقاة تحت سنابك
____________
والتحديق بال بالبصر وعلى ما في النسخ يحمتل ان يكون من الحرص كناية عن المبالغة في النظر ، او البخل كناية عن النظر بطرف البصر على وجه الغيظ .
(1) كشف الغمة : 1 | 469 ، أمالي الطوسي : 2 | 228 ، عنها البحار : 43 | 59 ح 51 . تأويل الايات : 1 | 108 ح 15 ، والبحار : 96 | 147 ح 25 ، واخرجه في ذخائر العقبى : 45 ، وكفاية الطالب : 367 وينابيع المودة : 199 ، ملخصا عن الاربعين الطوال الدمشقي ، ورواه في أهل البيت : 122 ، والاحقاق : 10 | 323 وج 19 | 120. ورواه في المعيار والموازنة : 236 ، وتوضيح الدلائل عنهما الاحقاق : 18 | 50 .
( 350 )
الخيل ، اقبلنا نحو الكوفة راجعين ، فلما ان صرت إلى بعض الطريق ذكرت التكة ، فقلت في نفسي : قد خلا ماعنده ، فصرت إلى موضع المعركة ، فقربت منه فاذا هو مرمل بالدماء ، قد حز رأسه من القفا وعليه جراحات كثيرة من السهام والرماح ، فممدت يدي إلى التكة وهممت ان احل عقدها ، فرفع يده وضرب بها يدي ، فكادت اوصالي وعروقي تتقطع ، ثم اخذ التكة من يدي ، فوضعت رجلي على صدره وجهدت جهدي لازيل اصبعا من اصابعه ، فلم اقدر ، فأخرجت سكينا كان معي ، فقطعت اصابعه ثم مددت يدي إلى التكة، وهممت بحلها ثانيا ، فرأيت خيلا اقبلت من نحو الفرات ، وشممت رائحة لم اشم رائحة اطيب منها ، فلما رأيتهم قلت : انا الله وانا إليه راجعون ، انما اقبلوا هؤلاء لينظروا إلى كل انسان به رمق « فيجهزوا عليه » .
فصرت بين القتلى ، وغاب غني عقلي من شدة الجزع ، فاذا رجل يقدمهم ـ كان وجهه الشمس ـ وهو ينادي : انا محمد رسول الله ، والثاني ينادي : انا حمزة اسد الله ، والثالث ينادي : انا جعفر الطيار ، والرابع ينادي : انا الحسن بن علي . وأقبلت فاطمة وهي تبكي وتقول : حبيبي ، وقرة عيني ، ابكي على رأسك المقطوع ، ام على يديك المقطوعتين ، ام على بدنك المطروح ، ام على اولادك الاسارى ، ثم قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : اين رأس حبيبي وقرة عيني الحسين ، فرأيت الرأس في كفي النبي ، فوضعه على بدن الحسين ، فاستوى جالسا ، فاعتنقه النبي وبكى ـ فذكر الحديث ـ إلى أن قال ـ : فقال : ياعدو الله ! ما حملك على قطع اصابع حبيبي وقرة عيني الحسين ـ إلى ان قال : ـ ثم قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : اخسأ ياعدوا الله ! غير الله لونك ، فقمت ، فاذا انا بهذه الحالة