عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه وكرّم الله وجهه
من كراماته: ما أخرجه البيهقيّ عن سعيد بن المسيّب، قال:
دخَلْنا مقابر المدينة مع عليٍّ رضي الله عنه، فنادى:
ـ يا أهل القبور، السلام عليكم ورحمة الله، تُخبرونا بأخباركم أم نُخبركم ؟
قال سعيد: فسمِعْنا صوتاً:
ـ وعليك السلام ورحمة الله وبركاته يا أمير المؤمنين، خبِّرْنا عمّا كان بعدنا.
فقال عليّ: أمّا أزواجُكم فقد تزوّجن، وأمّا أموالكم فقد آقتُسمت، وأمّا الأولاد فقد حُشِروا في زمرة اليتامى، وأمّا البناء الذي شيّدتم فقد سكنه أعداؤكم.. فهذه أخبارُ ما عندنا، فما أخبار ما عندكم ؟
فأجابه ميّت: قد تخرّقت الأكفان، وانتثرت الشعور، وتقطّعت الجلود، وسالت الأحداق على الخدود، وسالت المناخر بالقَيح والصديد، وما قدّمناه وجدناه، وما خلّفناه خسِرناه، ونحن مُرتَهنون!
• والكرامة الثانية يُوردها النبهانيّ قائلاً: وقال التاج في ( الطبقات ):
رُويَ أنّ عليّاً وولَدَيه الحسن والحسين رضي الله عنهم سمعوا قائلاً يقول في جوف الليل:
يا مَن يُجيبُ المضطرَّ في الظُّلَمِ يا كاشفَ الضُّرِّ والبلوى مع السَّقَمِ
قد نام وفدُك حول البيتِ وانتبهوا وانت ـ يا حيُّ يا قيومُ ـ لم تَنَمِ
هَبْ لي بجُودِك فضلَ العفوِ عن زللي يا مَن إليه رجاءُ الخَلْق في الحَرَمِ
إن كان عفوُك لا يرجوه ذو خطأٍ فمَن يجودُ على العاصين بالنِّعَمِ
فقال عليٌّ رضي الله عنه لواحد: اطلبْ لي هذا القائل، فأتاه فقال له: أجِبْ أمير المؤمنين. فأقبل يجرّ شِقَّه حتّى وقف بين يدَيه، فقال: قد سمعتُ خطابَك، فما قصّتُك ؟ فقال: إنّي كنت رجلاً مشغولاً بالطرب والعصيان، وكان والدي يَعِظني ويقول: إنّ للهِ سطواتٍ ونقمات، وما هي من الظالمين ببعيد! فلمّا ألحّ في الموعظة ضربتُه، فحلف لَيدعُوَنّ علَيّ ويأتيَ مكّة مستغيثاً إلى الله.. ففعل ودعا، فلم يتمَّ دعاؤه حتّى جفّ شِقّي الأيمن، فندمتُ على ما كان منّي، وداريتُه وأرضيتُه إلى أن ضمن لي أنّه يدعوَ لي حيث دعا علَيّ، فقدّمتُ إليه ناقته فأركبتُه، فنفرتِ الناقة ورمَتْ به بين صخرتَينِ فمات هناك.
فقال له عليّ رضي الله عنه: رضيَ اللهُ عنك إن كان أبوك رضيَ عنك.
فقال: واللهِ كذلك ؟! فقام عليٌّ كرّم الله وجهه وصلّى ركعات، ودعا بدَعَوات، أسَرّها إلى الله عزّوجلّ، ثمّ قال: يا مبارك، قُمْ. فقام ومشى ( بعد أن كان مشلولاً نصفُه الأيمن )، وعاد إلى الصحّة كما كان، ثمّ قال عليّ رضي الله عنه: لولا أنّك حلفتَ أنّ أباك رضيَ عنك ما دعوتُ لك.
• والكرامة الثالثة هكذا ذكرها النبهانيّ:
وقال الفخرالرازيّ ـ وقد ذكر قليلاً من كرامات الصحابة: وأمّا عليّ كرّم الله وجهه، فيُروى أنّ واحداً مِن محبّيه سرق، وكان عبداً أسود، فأُتي به إلى عليّ فقال له: أسرَقْت ؟ قال: نعم. فقطع يده، فانصرف مِن عنده، فلَقِيه سلمان الفارسيّ وابن الكوّاء، فقال له ابن الكوّاء: مَن قطع يدَك ؟ فقال الرجل: أميرُ المؤمنين، ويعسوب المسلمين، وخِتن الرسول، وزوج البتول. فقال ابن الكوّاء: قطَعَ يدَك وتمدحُه ؟! فقال الرجل: ولِمَ لا أمدحه ؟ وقد قطع يدي بحقّ وخلّصني من النار.
فسمع سلمانُ ذلك، فأخبر به عليّاً، فدعا الأسودَ ووضع يده ( المقطوعة ) على ساعده وغطّاه بمنديل، ودعا بدعوات. قال الراوي: فسَمِعنا صوتاً من السماء: ارفعِ الرداءَ عن اليد. فرفعناه فإذا اليدُ قد بَرِئت بإذن الله تعالى وجميل صُنعه!
• والكرامة الرابعة يبدأها هكذا: وقال أُسامة بن منقذ في كتاب ( الاعتبار ):
حدّثني شهاب الدين أبو الفتح المظفّر بن سعد بن مسعود بن بختكين بن سبكتكين مولى معز الدولة بن بُوَيه بالموصل في 18 / شهر رمضان / سنة 565 هـ قال: زار المقتفي بأمر الله مسجد صندوريا بظاهر الأنبار على الفرات الغربيّ ومعه الوزير، وأنا حاضر، فدخل المسجد وهو يُعرَف بمسجد أمير المؤمنين عليٍّ رضوان الله عليه، وعليه ثوب دمياطيّ وهو متقلّد سيفاً حِلْيتُه حديد لا يُدرى أنه أمير إلاّ مَن يعرفه، فجعل قيّمُ المسجد يدعو للوزير، فقال الوزير: وَيْحك! ادعُ للأمير، فقال له المقتفي: سَلْه عمّا ينفع، قُلْ له ما كان من المرض الذي كان في وجهه ؟ فإنّي رأيته في أيّام مولانا المستظهر وبه مرض في وجهه، وكان في وجهه سَلْعةٌ ( ورمٌ غليظ ) قد غطّت أكثر وجهه، فإذا أراد الأكل شدّها بمنديل حتّى يصل الطعام إلى فمه!
فقال القيّم على المسجد: كنتُ ـ كما تعلم ـ وأنا أتردّد إلى هذا المسجد من الأنبار، فلقيَني إنسان فقال: لو كنتَ تتردّد إلى فلان ـ يعني مقدَّم الأنبار ـ كما تتردّد إلى هذا المسجد، لاستدعى لك طبيباً يُزيل هذا المرضَ من وجهك. فخامر قلبي مِن قوله شيءٌ ضاق له صدري، فنمتُ تلك الليلة فرأيت أمير المؤمنين عليَّ بن أبي طالب رضي الله عنه وهو في المسجد يقول: ما هذه الحفرة ؟ يعني حفرةً في الأرض، فشكوتُ إليه ما بي فأعرض عنّي، ثمّ راجعتُه وشكوتُ إليه ما قاله لي ذلك الرجل، فقال لي: أنت ممّن يُريد العاجلة! ثمّ استيقظتُ والسَّلْعة مطروحةٌ إلى جانبي، وقد زال ما كان بي.
فقال المقتفي: صدق. ثمّ قال لي: تحدّث معه وأبصر ما يلتمسه، واكتبْ به توقيعاً وأحضِرْه لأُعلم عليه. فتحدّث معه فقال: أنا صاحب غائلة وبنات، وأريد في كلّ شهر ثلاثةَ دنانير. فكتبتُ عنه مطالعةً وعنوانها: الخادم قيّم مسجد عليّ. فوقّع عليها المقتفي بما طلب وقال لي: امضِ ثبّتْها في الديوان. فمضيتُ ولم أقرأ منها سوى: يوقع له بذلك. وكان الرسم أن يُكتَبَ لصاحب المطالعة توقيع، ويُؤخَذَ منه ما فيه خطّ الأمير، فلمّا فتحها الكاتب لينقلها وجد تحت ( قيّم مسجد عليّ ) بخطّ المقتفي ( أمير المؤمنين صلوات الله عليه )، ولو كان طلبَ أكثر من ذلك لوقّع له به.
الحسن بن عليّ رضي الله عنهما
تحت هذا العنوان كتب النبهاني: قال المناويّ في ( الطبقات ): أخرج أبو نعيم الإصبهانيّ ( صاحب كتاب حِلْية الأولياء ) وابن عساكر ( صاحب تاريخ دمشق ) عن الأعمش:
أنّ رجلاً أهان قبرَ الحسن، فجُنّ، فجعل ينبح كما تنبح الكلاب، ثمّ مات فسُمع من قبره يَعوي!
الحسين بن عليّ رضي الله عنهما
هنا نقل النبهانيّ عن الشلّيّ باعلوي في ( المشرَّع ) المرويّ عن كرامات الحسين رضي الله عنه، ما رُويَ عن ابن شهاب الزهريّ قال: لم يبقَ مِن قَتَلة الحسين أحدٌ إلاّ عُوقبَ في الدنيا، إمّا بالقتل أو بالعمى أو سوادِ الوجه أو زوال المُلْك في مدّةٍ يسيرة. ومنها:
أنّ عبدالله بن حُصَين ناداه وقت محاربتهم له ومنعِهمُ الماءَ عنه: يا حسين، ألا تنظر إلى الماء كأنّه كبِدُ السماء، واللهِ لا تذوق منه قطرةً حتّى تموت عطشاً.
فقال الحسين: اللّهمّ اقتلْه عطشاً. فكان ذلك الخبيث يشرب الماء ولا يروى حتّى مات عطشاً!
• ودعا الحسين بماءٍ يشربه، فرماه رجلٌ يقال له « وزغة » بسهمٍ فأصاب حنكَه، فحال بينه وبين الماء، فقال الحسين رضي الله عنه: اللّهمّ أظْمِئه. فكان ذلك الخبيثُ يصيح من الحَرّ في بطنه ومِن البَرْد في ظهره، وبين يدَيه الثلج والمراوح وخلفه الكانون ( المَوقِد ) ويقول: اسقوني! فيُؤتى بالإناء العظيم فيه السَّويقُ والماء واللّبن، لو شربه خمسة لكفاهم، فيشربه ويقول: اسقوني أهلكني العطش! فيُسقى كذلك.. إلى أن انقدّ بطنُه كانقداد البعير.
قال النبهانيّ: وذكر هاتينِ الكرامتَينِ أيضاً ابنُ حجر في ( الصواعق المحرقة ).
• وقال الشليّ أيضاً: وسُمع شيخ كبيرٌ ممّن أعان على قتل الحسين رضي الله عنه أنّ كلّ مَن أعان على قتله لم يَمُت حتّى يُصيبَه بلاء. فقال: أنا ممّن شَهِده وما أصابني أمرٌ أكرهه! فقام إلى السراج ( الفانوس ) ليُصلحه ( ليزيد ضوءه )، فثارت النار فأصابته، فجعل ينادي: النار النار! حتّى مات.
• وقال: وحُكيَ أنّ شخصاً حضر قتْلَ الحسين فقط، فعمي، فسُئل عن سبب عماه، فقال أنّه رأى النبيَّ صلّى الله عليه وآله وسلّم حاسراً عن ذراعيه وبيده الكريمة سيف، وبين يدَيه نطع.. ورأى عشرةً من قاتلي الحسين مذبوحين بين يديه صلّى الله عليه وآله وسلّم، ثمّ لعنه بتكثيره سَوادَهم، ثمّ أكحله بمِرْوَدٍ من دم الحسين ( المِرْوَد: المِيل من الزجاج أو المعدن )، فأصبح أعمى.
• قال: وعلّق شخصٌ رأسَ الحسين في لبب فرسه ( أي عنقه )، فرُئيَ ذلك الشخص بعد أيّام وجهُه أشدَّ سواداً من القار! فقيل له: كنتَ أنضرَ العربِ وجهاً! فقال: ما مرّت علَيّ ليلةٌ مِن حين حملتُ ذلك الرأس إلاّ واثنانِ يأخذانِ بضَبْعَيّ ثمّ ينتهيانِ بي إلى نارٍ تَأجّج، فيدفعاني فيها وأنا أُنكَس فتسفعني ( أي تسوّدني )، فصرتُ كما ترى. ثمّ مات على أقبح حالة!
عليٌّ زين العابدين
عرّفه النبهانيّ في كتابه هذا ( جامع كرامات الأولياء ) بقوله:
أحدُ أفراد ساداتنا آل البيت، وأعاظمِ أئمّتهمُ الكبار رضي الله عنه وعنهم أجمعين. حمله عبدُ الملك بن مروان مقيّداً من المدينة ووكّل به مَن يَحفَظه، فدخل عليه الزُّهْريّ لوداعه، فبكى وقال: وددتُ أنّي مكانك! فقال زين العابدين: أتظنّ أنّ ذلك يكربني ؟ لو شئتُ لَما كان، وإنّه لَيُذكّرني عذابَ الله تعالى. قال: ثمّ أخرج رِجلَيهِ مِن القيد ويدَيه مِن الغلّ ثمّ قال:
ـ لا زلتُ معهم على هذا يومينِ من المدينة.
قال: فما مضت أربعُ ليالٍ إلاّ وقد قَدِم الموكَّلون به المدينةَ يطلبونه، فما وجدوه، فسألت بعضهم فقال: إنّا نراه متبوعاً، إنّه لنازلٌ ونحن حوله نرصده، إذ طلع الفجر فلم نجده، ووجَدْنا حديدَه!
قال الزهريّ: فقدمتُ بعد ذلك على عبدالملك، فسألني فأخبرته، فقال: قد جاءني يومَ فقَدَه الأعوانُ فقال لي: ما أنا وأنت ؟! فقلت: أقِمْ عندي، فقال: لا أُحبّ. ثمّ خرج.. فواللهِ لقد امتلأ قلبي منه خِيفة!
• وكتب عبدُالملك بن مروان إلى الحجّاج بن يوسف الثقفيّ: أمّا بعد، فانظرْ دماءَ بني عبدالمطّلب فاجتنِبْها؛ فإنّي رأيتُ آلَ بني سفيان لمّا وَلِغوا بها لم يلبثوا إلاّ قليلا. وبعثه إلى الحجّاج سِرّاً، وقال له: اكتمْ ذلك. فكُوشف به الإمام ( زين العابدين ) على حين كتابته، فكتب إلى عبدالملك:
أمّا بعد؛ فإنّك كتبتَ في يومِ كذا من شهر كذا، إلى الحجّاج سِرّاً في حقّنا عبدِالمطّلب بكذا وكذا، وقد شكر الله لك ذلك.
وبعث بالكتاب مع غلامه في يومه، فلمّا وقف عبدالملك عليه وجد تاريخه موافقاً لتاريخ كتابه للحجّاج، ومَخرج الغلام موافقاً لخروج رسوله للحجّاج، فسُرّ لذلك وأرسل إليه مع غلامه بوقر راحلته دراهمَ وكسوة، وسأله الدعاء.
• ومنها: أنّه عليه السّلام تلكّأت ناقته، فأناخها وأراها القضيب ( الغصن الذي يُضرَب به الدابّة لتمضي )، وقال لها: لتنطلقَنّ،أو لأفعلَنّ! فانطلقت وما تلكّأت بعدها.
وتحت عنوان ( ذِكْر كرامات مَن اسمُه « محمّد » من الأولياء ) كتب النبهانيّ:
محمّد الباقر
ابن عليٍّ زين العابدين بن الحسين رضي الله عنهم.. أحد أئمّة ساداتنا آل البيت الكرام، وأوحد أعيان العلماء الأعلام.
• ومن كراماته: ما رُويَ عن أبي بصير، قال: كنتُ مع محمّد بن علي ( الباقر ) في مسجد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، إذ دخل المنصور وداود بن سليمان قبل أن يُفضى المُلْك لبني العبّاس. فجاء داود إلى الباقر فقال له: ما منعَ الدوانيقيَّ ( أي المنصور ) أن يأتي ؟
قال: فيه جَفاء! ثمّ قال ( الباقر ): لا تذهب الأيّامُ حتّى يَليَ هذا الرجل أمرَ الخَلْق فيطأَ أعناقَ الرجال، ويملك شرقها وغربها، ويطول عمره فيها.. حتّى يجمع من كنوز المال ما لا يجمعه غيره.
فأخبر داودُ المنصورَ بذلك فأتى إلى الباقر وقال: ما منعني من الجلوس إليك إلاّ إجلالك. وسأل المنصور عمّا أخبر به داود، فقال الباقر: هو كائن. فسأل المنصور: ومُلْكُنا قبلَ مُلكِكُم ؟ قال: نعم. قال: ويملك بعدي أحدٌ مِن وُلْدي ؟ قال رضي الله عنه: نعم. قال: فمُدّةُ بني أُميّة أطول أم مدّتنا؟ قال الباقر: مدّتُكم أطول، ولَيلعبنّ بهذا المُلك صبيانُكم كما يلعبون بالكرة! بهذا عَهِد إليّ أبي ( أي زين العابدين ).
فلمّا أفضتِ الخلافة إلى المنصور، تعجّب من قول الباقر رضي الله عنه!
من كراماته: ما أخرجه البيهقيّ عن سعيد بن المسيّب، قال:
دخَلْنا مقابر المدينة مع عليٍّ رضي الله عنه، فنادى:
ـ يا أهل القبور، السلام عليكم ورحمة الله، تُخبرونا بأخباركم أم نُخبركم ؟
قال سعيد: فسمِعْنا صوتاً:
ـ وعليك السلام ورحمة الله وبركاته يا أمير المؤمنين، خبِّرْنا عمّا كان بعدنا.
فقال عليّ: أمّا أزواجُكم فقد تزوّجن، وأمّا أموالكم فقد آقتُسمت، وأمّا الأولاد فقد حُشِروا في زمرة اليتامى، وأمّا البناء الذي شيّدتم فقد سكنه أعداؤكم.. فهذه أخبارُ ما عندنا، فما أخبار ما عندكم ؟
فأجابه ميّت: قد تخرّقت الأكفان، وانتثرت الشعور، وتقطّعت الجلود، وسالت الأحداق على الخدود، وسالت المناخر بالقَيح والصديد، وما قدّمناه وجدناه، وما خلّفناه خسِرناه، ونحن مُرتَهنون!
• والكرامة الثانية يُوردها النبهانيّ قائلاً: وقال التاج في ( الطبقات ):
رُويَ أنّ عليّاً وولَدَيه الحسن والحسين رضي الله عنهم سمعوا قائلاً يقول في جوف الليل:
يا مَن يُجيبُ المضطرَّ في الظُّلَمِ يا كاشفَ الضُّرِّ والبلوى مع السَّقَمِ
قد نام وفدُك حول البيتِ وانتبهوا وانت ـ يا حيُّ يا قيومُ ـ لم تَنَمِ
هَبْ لي بجُودِك فضلَ العفوِ عن زللي يا مَن إليه رجاءُ الخَلْق في الحَرَمِ
إن كان عفوُك لا يرجوه ذو خطأٍ فمَن يجودُ على العاصين بالنِّعَمِ
فقال عليٌّ رضي الله عنه لواحد: اطلبْ لي هذا القائل، فأتاه فقال له: أجِبْ أمير المؤمنين. فأقبل يجرّ شِقَّه حتّى وقف بين يدَيه، فقال: قد سمعتُ خطابَك، فما قصّتُك ؟ فقال: إنّي كنت رجلاً مشغولاً بالطرب والعصيان، وكان والدي يَعِظني ويقول: إنّ للهِ سطواتٍ ونقمات، وما هي من الظالمين ببعيد! فلمّا ألحّ في الموعظة ضربتُه، فحلف لَيدعُوَنّ علَيّ ويأتيَ مكّة مستغيثاً إلى الله.. ففعل ودعا، فلم يتمَّ دعاؤه حتّى جفّ شِقّي الأيمن، فندمتُ على ما كان منّي، وداريتُه وأرضيتُه إلى أن ضمن لي أنّه يدعوَ لي حيث دعا علَيّ، فقدّمتُ إليه ناقته فأركبتُه، فنفرتِ الناقة ورمَتْ به بين صخرتَينِ فمات هناك.
فقال له عليّ رضي الله عنه: رضيَ اللهُ عنك إن كان أبوك رضيَ عنك.
فقال: واللهِ كذلك ؟! فقام عليٌّ كرّم الله وجهه وصلّى ركعات، ودعا بدَعَوات، أسَرّها إلى الله عزّوجلّ، ثمّ قال: يا مبارك، قُمْ. فقام ومشى ( بعد أن كان مشلولاً نصفُه الأيمن )، وعاد إلى الصحّة كما كان، ثمّ قال عليّ رضي الله عنه: لولا أنّك حلفتَ أنّ أباك رضيَ عنك ما دعوتُ لك.
• والكرامة الثالثة هكذا ذكرها النبهانيّ:
وقال الفخرالرازيّ ـ وقد ذكر قليلاً من كرامات الصحابة: وأمّا عليّ كرّم الله وجهه، فيُروى أنّ واحداً مِن محبّيه سرق، وكان عبداً أسود، فأُتي به إلى عليّ فقال له: أسرَقْت ؟ قال: نعم. فقطع يده، فانصرف مِن عنده، فلَقِيه سلمان الفارسيّ وابن الكوّاء، فقال له ابن الكوّاء: مَن قطع يدَك ؟ فقال الرجل: أميرُ المؤمنين، ويعسوب المسلمين، وخِتن الرسول، وزوج البتول. فقال ابن الكوّاء: قطَعَ يدَك وتمدحُه ؟! فقال الرجل: ولِمَ لا أمدحه ؟ وقد قطع يدي بحقّ وخلّصني من النار.
فسمع سلمانُ ذلك، فأخبر به عليّاً، فدعا الأسودَ ووضع يده ( المقطوعة ) على ساعده وغطّاه بمنديل، ودعا بدعوات. قال الراوي: فسَمِعنا صوتاً من السماء: ارفعِ الرداءَ عن اليد. فرفعناه فإذا اليدُ قد بَرِئت بإذن الله تعالى وجميل صُنعه!
• والكرامة الرابعة يبدأها هكذا: وقال أُسامة بن منقذ في كتاب ( الاعتبار ):
حدّثني شهاب الدين أبو الفتح المظفّر بن سعد بن مسعود بن بختكين بن سبكتكين مولى معز الدولة بن بُوَيه بالموصل في 18 / شهر رمضان / سنة 565 هـ قال: زار المقتفي بأمر الله مسجد صندوريا بظاهر الأنبار على الفرات الغربيّ ومعه الوزير، وأنا حاضر، فدخل المسجد وهو يُعرَف بمسجد أمير المؤمنين عليٍّ رضوان الله عليه، وعليه ثوب دمياطيّ وهو متقلّد سيفاً حِلْيتُه حديد لا يُدرى أنه أمير إلاّ مَن يعرفه، فجعل قيّمُ المسجد يدعو للوزير، فقال الوزير: وَيْحك! ادعُ للأمير، فقال له المقتفي: سَلْه عمّا ينفع، قُلْ له ما كان من المرض الذي كان في وجهه ؟ فإنّي رأيته في أيّام مولانا المستظهر وبه مرض في وجهه، وكان في وجهه سَلْعةٌ ( ورمٌ غليظ ) قد غطّت أكثر وجهه، فإذا أراد الأكل شدّها بمنديل حتّى يصل الطعام إلى فمه!
فقال القيّم على المسجد: كنتُ ـ كما تعلم ـ وأنا أتردّد إلى هذا المسجد من الأنبار، فلقيَني إنسان فقال: لو كنتَ تتردّد إلى فلان ـ يعني مقدَّم الأنبار ـ كما تتردّد إلى هذا المسجد، لاستدعى لك طبيباً يُزيل هذا المرضَ من وجهك. فخامر قلبي مِن قوله شيءٌ ضاق له صدري، فنمتُ تلك الليلة فرأيت أمير المؤمنين عليَّ بن أبي طالب رضي الله عنه وهو في المسجد يقول: ما هذه الحفرة ؟ يعني حفرةً في الأرض، فشكوتُ إليه ما بي فأعرض عنّي، ثمّ راجعتُه وشكوتُ إليه ما قاله لي ذلك الرجل، فقال لي: أنت ممّن يُريد العاجلة! ثمّ استيقظتُ والسَّلْعة مطروحةٌ إلى جانبي، وقد زال ما كان بي.
فقال المقتفي: صدق. ثمّ قال لي: تحدّث معه وأبصر ما يلتمسه، واكتبْ به توقيعاً وأحضِرْه لأُعلم عليه. فتحدّث معه فقال: أنا صاحب غائلة وبنات، وأريد في كلّ شهر ثلاثةَ دنانير. فكتبتُ عنه مطالعةً وعنوانها: الخادم قيّم مسجد عليّ. فوقّع عليها المقتفي بما طلب وقال لي: امضِ ثبّتْها في الديوان. فمضيتُ ولم أقرأ منها سوى: يوقع له بذلك. وكان الرسم أن يُكتَبَ لصاحب المطالعة توقيع، ويُؤخَذَ منه ما فيه خطّ الأمير، فلمّا فتحها الكاتب لينقلها وجد تحت ( قيّم مسجد عليّ ) بخطّ المقتفي ( أمير المؤمنين صلوات الله عليه )، ولو كان طلبَ أكثر من ذلك لوقّع له به.
الحسن بن عليّ رضي الله عنهما
تحت هذا العنوان كتب النبهاني: قال المناويّ في ( الطبقات ): أخرج أبو نعيم الإصبهانيّ ( صاحب كتاب حِلْية الأولياء ) وابن عساكر ( صاحب تاريخ دمشق ) عن الأعمش:
أنّ رجلاً أهان قبرَ الحسن، فجُنّ، فجعل ينبح كما تنبح الكلاب، ثمّ مات فسُمع من قبره يَعوي!
الحسين بن عليّ رضي الله عنهما
هنا نقل النبهانيّ عن الشلّيّ باعلوي في ( المشرَّع ) المرويّ عن كرامات الحسين رضي الله عنه، ما رُويَ عن ابن شهاب الزهريّ قال: لم يبقَ مِن قَتَلة الحسين أحدٌ إلاّ عُوقبَ في الدنيا، إمّا بالقتل أو بالعمى أو سوادِ الوجه أو زوال المُلْك في مدّةٍ يسيرة. ومنها:
أنّ عبدالله بن حُصَين ناداه وقت محاربتهم له ومنعِهمُ الماءَ عنه: يا حسين، ألا تنظر إلى الماء كأنّه كبِدُ السماء، واللهِ لا تذوق منه قطرةً حتّى تموت عطشاً.
فقال الحسين: اللّهمّ اقتلْه عطشاً. فكان ذلك الخبيث يشرب الماء ولا يروى حتّى مات عطشاً!
• ودعا الحسين بماءٍ يشربه، فرماه رجلٌ يقال له « وزغة » بسهمٍ فأصاب حنكَه، فحال بينه وبين الماء، فقال الحسين رضي الله عنه: اللّهمّ أظْمِئه. فكان ذلك الخبيثُ يصيح من الحَرّ في بطنه ومِن البَرْد في ظهره، وبين يدَيه الثلج والمراوح وخلفه الكانون ( المَوقِد ) ويقول: اسقوني! فيُؤتى بالإناء العظيم فيه السَّويقُ والماء واللّبن، لو شربه خمسة لكفاهم، فيشربه ويقول: اسقوني أهلكني العطش! فيُسقى كذلك.. إلى أن انقدّ بطنُه كانقداد البعير.
قال النبهانيّ: وذكر هاتينِ الكرامتَينِ أيضاً ابنُ حجر في ( الصواعق المحرقة ).
• وقال الشليّ أيضاً: وسُمع شيخ كبيرٌ ممّن أعان على قتل الحسين رضي الله عنه أنّ كلّ مَن أعان على قتله لم يَمُت حتّى يُصيبَه بلاء. فقال: أنا ممّن شَهِده وما أصابني أمرٌ أكرهه! فقام إلى السراج ( الفانوس ) ليُصلحه ( ليزيد ضوءه )، فثارت النار فأصابته، فجعل ينادي: النار النار! حتّى مات.
• وقال: وحُكيَ أنّ شخصاً حضر قتْلَ الحسين فقط، فعمي، فسُئل عن سبب عماه، فقال أنّه رأى النبيَّ صلّى الله عليه وآله وسلّم حاسراً عن ذراعيه وبيده الكريمة سيف، وبين يدَيه نطع.. ورأى عشرةً من قاتلي الحسين مذبوحين بين يديه صلّى الله عليه وآله وسلّم، ثمّ لعنه بتكثيره سَوادَهم، ثمّ أكحله بمِرْوَدٍ من دم الحسين ( المِرْوَد: المِيل من الزجاج أو المعدن )، فأصبح أعمى.
• قال: وعلّق شخصٌ رأسَ الحسين في لبب فرسه ( أي عنقه )، فرُئيَ ذلك الشخص بعد أيّام وجهُه أشدَّ سواداً من القار! فقيل له: كنتَ أنضرَ العربِ وجهاً! فقال: ما مرّت علَيّ ليلةٌ مِن حين حملتُ ذلك الرأس إلاّ واثنانِ يأخذانِ بضَبْعَيّ ثمّ ينتهيانِ بي إلى نارٍ تَأجّج، فيدفعاني فيها وأنا أُنكَس فتسفعني ( أي تسوّدني )، فصرتُ كما ترى. ثمّ مات على أقبح حالة!
عليٌّ زين العابدين
عرّفه النبهانيّ في كتابه هذا ( جامع كرامات الأولياء ) بقوله:
أحدُ أفراد ساداتنا آل البيت، وأعاظمِ أئمّتهمُ الكبار رضي الله عنه وعنهم أجمعين. حمله عبدُ الملك بن مروان مقيّداً من المدينة ووكّل به مَن يَحفَظه، فدخل عليه الزُّهْريّ لوداعه، فبكى وقال: وددتُ أنّي مكانك! فقال زين العابدين: أتظنّ أنّ ذلك يكربني ؟ لو شئتُ لَما كان، وإنّه لَيُذكّرني عذابَ الله تعالى. قال: ثمّ أخرج رِجلَيهِ مِن القيد ويدَيه مِن الغلّ ثمّ قال:
ـ لا زلتُ معهم على هذا يومينِ من المدينة.
قال: فما مضت أربعُ ليالٍ إلاّ وقد قَدِم الموكَّلون به المدينةَ يطلبونه، فما وجدوه، فسألت بعضهم فقال: إنّا نراه متبوعاً، إنّه لنازلٌ ونحن حوله نرصده، إذ طلع الفجر فلم نجده، ووجَدْنا حديدَه!
قال الزهريّ: فقدمتُ بعد ذلك على عبدالملك، فسألني فأخبرته، فقال: قد جاءني يومَ فقَدَه الأعوانُ فقال لي: ما أنا وأنت ؟! فقلت: أقِمْ عندي، فقال: لا أُحبّ. ثمّ خرج.. فواللهِ لقد امتلأ قلبي منه خِيفة!
• وكتب عبدُالملك بن مروان إلى الحجّاج بن يوسف الثقفيّ: أمّا بعد، فانظرْ دماءَ بني عبدالمطّلب فاجتنِبْها؛ فإنّي رأيتُ آلَ بني سفيان لمّا وَلِغوا بها لم يلبثوا إلاّ قليلا. وبعثه إلى الحجّاج سِرّاً، وقال له: اكتمْ ذلك. فكُوشف به الإمام ( زين العابدين ) على حين كتابته، فكتب إلى عبدالملك:
أمّا بعد؛ فإنّك كتبتَ في يومِ كذا من شهر كذا، إلى الحجّاج سِرّاً في حقّنا عبدِالمطّلب بكذا وكذا، وقد شكر الله لك ذلك.
وبعث بالكتاب مع غلامه في يومه، فلمّا وقف عبدالملك عليه وجد تاريخه موافقاً لتاريخ كتابه للحجّاج، ومَخرج الغلام موافقاً لخروج رسوله للحجّاج، فسُرّ لذلك وأرسل إليه مع غلامه بوقر راحلته دراهمَ وكسوة، وسأله الدعاء.
• ومنها: أنّه عليه السّلام تلكّأت ناقته، فأناخها وأراها القضيب ( الغصن الذي يُضرَب به الدابّة لتمضي )، وقال لها: لتنطلقَنّ،أو لأفعلَنّ! فانطلقت وما تلكّأت بعدها.
وتحت عنوان ( ذِكْر كرامات مَن اسمُه « محمّد » من الأولياء ) كتب النبهانيّ:
محمّد الباقر
ابن عليٍّ زين العابدين بن الحسين رضي الله عنهم.. أحد أئمّة ساداتنا آل البيت الكرام، وأوحد أعيان العلماء الأعلام.
• ومن كراماته: ما رُويَ عن أبي بصير، قال: كنتُ مع محمّد بن علي ( الباقر ) في مسجد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، إذ دخل المنصور وداود بن سليمان قبل أن يُفضى المُلْك لبني العبّاس. فجاء داود إلى الباقر فقال له: ما منعَ الدوانيقيَّ ( أي المنصور ) أن يأتي ؟
قال: فيه جَفاء! ثمّ قال ( الباقر ): لا تذهب الأيّامُ حتّى يَليَ هذا الرجل أمرَ الخَلْق فيطأَ أعناقَ الرجال، ويملك شرقها وغربها، ويطول عمره فيها.. حتّى يجمع من كنوز المال ما لا يجمعه غيره.
فأخبر داودُ المنصورَ بذلك فأتى إلى الباقر وقال: ما منعني من الجلوس إليك إلاّ إجلالك. وسأل المنصور عمّا أخبر به داود، فقال الباقر: هو كائن. فسأل المنصور: ومُلْكُنا قبلَ مُلكِكُم ؟ قال: نعم. قال: ويملك بعدي أحدٌ مِن وُلْدي ؟ قال رضي الله عنه: نعم. قال: فمُدّةُ بني أُميّة أطول أم مدّتنا؟ قال الباقر: مدّتُكم أطول، ولَيلعبنّ بهذا المُلك صبيانُكم كما يلعبون بالكرة! بهذا عَهِد إليّ أبي ( أي زين العابدين ).
فلمّا أفضتِ الخلافة إلى المنصور، تعجّب من قول الباقر رضي الله عنه!