* ( الحسن بن علي عليه السلام ) *
والحسن بن علي بن أبي طالب - عليهما السلام - ويكنى أبا محمد وأمه فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله ، وكانت فاطمة تكنى أم أبيها ، ذكر ذلك قعنب ابن محرز الباهلي ، حدثني بن محمد بن زكريا الصحاف ، عن أبي نعيم الفضل بن دكين عن الحسين بن زيد بن علي ، عن جعفر بن محمد عن أبيه .
وأمها خديجة ، تكنى أم هند بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي. وأمها فاطمة بنت زائدة بن الاصم بن هرم بن رواحة بن حجر بن عبد بن معيص بن عامر بن لؤى . وأمها هالة بنت عبد مناف بن الحارث بن منقذ بن عمرو بن معيص بن عامر
ابن لؤي . وأمها العرقة وهي قلابة بنت سعيد بن سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب ابن لؤي . وإنما سميت العرقة لطيب عرقها وعطرها ، وكانت مبدنة وكانت إذا عرقت فاحت رائحة الطيب منها فسميت العرقة . وأمها عاتكة بنت عبد العزى بن
قصي . وأمها الحظيا وهي ريطة الصغرى بنت كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب ابن لؤي . وأمها مارية ويقال قيلة بنت حذافة بن جمح . وأمها ليلى بنت عامر الخيار بن غيسان واسمه الحرث بن عبد عمرو بن عمر ابن قوي بن ملكان بن أفصى من خزاعة . وأمها سلمى بنت سعد بن كعب بن عمرو من خزاعة .
- ص 30 -
وأمها ليلى بنت عابس بن الظرب بن الحرث بن فهر بن مالك بن النضر ابن كنانة . وأمها سلمى بنت لؤي بن غالب . وأمها ليلى بنت محارب بن فهر . وأمها عاتكة بنت مخلد بن النضر بن كنانة . وأمها الوارثة بنت الحرث بن مالك بن كنانة . وأمها
مارية بنت سعد بن زيد مناة بن تميم واسمها أسماء بنت جشم بن بكر ابن حبيب بن عمرو بن غنم بن ثعلب بن وائل بن قاسط بن هنب بن أفصى بن دغمي ابن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار .
وتزوجت خديجة - صلوات الله عليها - قبل رسول الله صلى الله عليه وآله رجلين يقال لاحدهما عتيق بن عائذ بن عبد الله بن عمر بن مخزوم ، وولدت له بنتا يقال لها هند . ثم توفي عنها . فخلف عليها أبو هالة بن النباش بن زرارة بن وقدان بن حبيب
بن سلامة بن عدي بن حرزة بن أسيد بن عمرو بن تميم ، فولدت له ؟ ؟ يقال له هند ، وروى عن النبي صلى الله عليه وآله ، روى عنه الحسن بن علي بن ابي طالب حديث صفة رسول الله صلى الله عليه وآله المشهور ، وقال فيه : سألت خالي هند بن أبي هالة عن صفة رسول الله صلى الله عليه وآله وكان له وصافا .
وتوفيت خديجة - رضي الله عنها - قبل الهجرة بثلاث سنين ، ولها يومئذ خمس وستون سنة .
حدثني بذلك الحسن بن علي ، قال : حدثنا الحرث بن محمد قال : حدثنا أبو سعد عن الواقدي . ودفنت بالحجون . وكان مولد فاطمة - عليها السلام - قبل النبوة وقريش حينئذ تبني الكعبة وكان تزويج علي بن ابي طالب - إياها في صفر بعد مقدم رسول الله صلى الله عليه وآله المدينة ، وبنى بها بعد رجوعه من غزوة بدر ، ولها يومئذ ثماني عشرة سنة .
حدثني بذلك الحسن بن علي قال : حدثنا الحرث قال : حدثنا ابن سعد عن
- ص 31 -
الواقدي ، عن ابي بكر بن عبد الله بن ابي سبرة عن إسحاق بن عبد الله بن ابي فروة عن ابي جعفر بن محمد بن علي . وكان مولد الحسن في سنة ثلاث من الهجرة . وكانت وفاته - عليه السلام - بعد عشر سنين خلت من إمارة معاويه ، وذلك في سنة
خمسين من الهجرة . وكانت وفاة فاطمة - عليها السلام - بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وآله - بمدة يختلف في مبلغها ، فالمكثر يقول : بستة اشهر . والمقلل يقول : اربعين يوما إلا ان الثابت في ذلك ما روى عن ابي جعفر محمد بن علي انها توفيت بعده بثلاثة اشهر .
حدثني بذلك الحسن بن عبد الله ، قال : حدثنا الحرث عن ابن سعد عن الواقدي عن عمرو بن دينار عن ابي جعفر محمد بن علي . وكان في لسان الحسن بن علي ثقل كالفأفأة .
حدثني به محمد بن الحسين الاشناني قال : حدثنا محمد بن اسماعيل الاحمسي قال : حدثنا مفضل بن صالح عن جابر قال . كانت في لسان الحسن رتة ، فقال سلمان الفارسي . اتته من قبل عمه موسى بن عمران - عليه السلام - . ودس معاوية إليه
حين اراد ان يعهد إلى يزيد بعده وإلى سعد بن ابي وقاص سما فماتا منه في ايام متقاربة . وكان الذي تولى ذلك من الحسن زوجته جعدة بنت الاشعث بن قيس لمال بذله لها معاوية . وسنذكر الخبر في ذلك . وقيل . اسمها سكينة ، وقيل . شعثاء ، وقيل . عائشة . والصحيح في ذلك جعدة .
- ص 32 -
* ( ذكر الخبر في بيعته بعد وفاة أمير المؤمنين عليه السلام ) *
( وتسليمه الامر إلى معاوية والسبب في وفاته ) حدثني احمد بن عيسى العجلي ، قال . حدثنا حسين بن نصر ، قال . حدثنا زيد بن المعذل ، عن يحيى بن شعيب ، عن ابي مخنف ، قال . حدثني اشعث بن سوار عن ابي إسحاق السبيعي عن سعيد بن
رويم، وحدثني علي بن إسحاق المخرمي واحمد بن الجعد قالا . حدثنا عبد الله بن عمر مشكدانة قال: حدثنا وكيع عن اسرائيل عن ابي إسحاق عن عمرو بن حبشي وحدثني علي بن إسحاق ، قال حدثنا عبد الله بن عمر ، قال . حدثنا عمران بن عيينة عن
الاشعث ، عن ابي إسحاق موقوفا ، وحدثني محمد بن الحسين الخثعمي ، قال . حدثنا عباد بن يعقوب قال . حدثنا عمرو بن ثابت عن ابي إسحاق عن هبيرة بن بريم ، قال. قال عمرو بن ثابت كنت اختلف إلى ابي إسحاق السبيعي سنة اسأله عن خطبة
الحسن بن علي " ع " فلا يحدثني بها ، فدخلت إليه في يوم شات وهو في الشمس وعليه برنسه كأنه غول فقال لي . من أنت ؟ فأخبرته ، فبكى وقال . كيف ابوك ؟ كيف اهلك ؟ قلت . صالحون قال . في اي شئ تردد منذ سنة ؟ قلت . في خطبة الحسن بن علي " ع " بعد وفاة ابيه .
قال : حدثني هبيرة بن بريم وحدثني محمد بن محمد الباغندي ، ومحمد بن حمدان الصيدلاني ، قالا . حدثنا إسماعيل بن محمد العلوي ، قال . حدثني عمي علي ابن جعفر بن محمد ، عن الحسن بن زيد بن علي بن الحسين بن زيد بن الحسن عن ابيه ،
دخل حديث بعضهم في حديث بعض والمعنى قريب ، قالوا . خطب الحسن بن علي بعد وفاة امير المؤمنين علي عليه السلام ، فقال . لقد قبض في هذه الليلة رجل لم يسبقه الاولون بعمل ، ولا يدركه الآخرون بعمل ، ولقد كان يجاهد مع رسول الله صلى الله عليه وآله فيقيه بنفسه ، ولقد
- ص 33 -
كان يوجهه برايته فيكتنفه جبرئيل عن يمينه ، وميكائيل عن يساره ، فلا يرجع حتى يفتح الله عليه ، ولقد توفي في هذه الليلة التي عرج فيها بعيسى بن مريم ولقد توفي فيها يوشع بن نون وصي موسى ، وما خلف صفراء ولا بيضاء إلا سبعمائة درهم
بقيت من عطائه أراد أن يبتاع بها خادما لاهله ثم خنقته العبرة فبكى وبكى الناس معه . ثم قال : أيها الناس ، من عرفني فقد عرفني ، ومن لم يعرفني فأنا الحسن بن محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، أنا ابن البشير ، أنا ابن النذير ، أنا ابن الداعي إلى
الله عزوجل بإذنه ، وأنا ابن السراج المنير ، وأنا من أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ، والذين افترض الله مودتهم في كتابه إذ يقول : ( ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا ) . فاقتراف الحسنة مودتنا أهل البيت .
قال أبو مخنف عن رجاله : ثم قام ابن عباس بين يديه ، فدعا الناس إلى بيعته فاستجابوا له وقالوا : ما أحبه إلينا وأحقه بالخلافة فبايعوه ثم نزل عن المنبر . قال : ودس معاوية رجلا من بني حمير إلى الكوفة ، ورجلا من بني القين إلى البصرة
يكتبان إليه بالاخبار ، فدل على الحميري عند لحام جرير ودل على القيني بالبصرة في بني سليم فأخذا وقتلا . وكتب الحسن إلى معاوية : أما بعد ، فإنك دسست إلى الرجال كأنك تحب اللقاء ، وما أشك في ذلك فتوقعه إن شاء الله ، وقد بلغني أنك
شمت بمالا يشمت به ذوو الحجى ، وإنما مثلك في ذلك كما قال الاول : وقل اللذي يبغي خلاف الذي مضى * تجهز لاخرى مثلها فكأن قد وإنا ومن قد مات منا لكالذي * يروح ويمسي في المبيت ليغتدي
فأجابه معاوية : أما بعد ، فقد وصل كتابك ، وفهمت ما ذكرت فيه ولقد علمت بما حدث
- ص 34 -
فلم أفرح ولم أحزن ولم أشمت ولم آس ، وإن علي بن أبي طالب كما قال أعشى بني قيس بن ثعلبة :
وانت الجواد وانت الذي * إذاما القلوب ملان الصدورا
جدير بطعنة يوم اللقا * ء تضرب منها النساء النحورا
وما مزبد من خليج البحا * ر يعلو الاكام ويعلو الجسورا
بأجود منه بما عنده * فيعطي الالوف ويعطي البدورا
قال : وكتب عبد الله بن العباس من البصرة إلى معاوية : اما بعد ، فإنك ودسك اخا بني قين إلى البصرة تلتمس من غفلات قريش مثل الذي ، ظفرت به من يمانيتك لكما قال بن الاسكر .
لعمرك إنى والخزاعي طارقا * كنعجة عاد حتفها تتحفر
اثارت عليها شفرة بكراعها * فظلت بها من آخر الليل تنحر
شمت بقوم من صديقك اهلكوا اصابهم يوم من الدهر اعسر
فأجابه معاوية : اما بعد ، فإن الحسن بن علي قد كتب إلى بنحو مما كتبت به ، وانبأني بما لم اجز ظنا وسوء راى وإنك لم تصب مثلكم ومثلى ولكن مثلنا ما قاله طارق الخزاعي يجيب امية عن هذا الشعر :
فوالله ما ادري وإني لصادق * إلى اي من يظنني اتعذر
اعنف ان كانت زبينة اهلكت * ونال بني لحيان شر فأنفروا
قال أبو الفرج : وكان اول شئ احدث الحسن انه زاد المقاتلة مائة مائة وقد كان على فعل ذلك يوم الجمل ، والحسن فعله على حال الاستخلاف ، فتبعه الخلفاء من بعد ذلك .
وكتب الحسن إلى معاوية مع جندب بن عبد الله الازدي :
- ص 35 -
بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله الحسن امير المؤمنين إلى معاوية بن ابي سفيان ، سلام عليك فإني احمد الله الذي لا إله إلا هو ، اما بعد : فإن الله تعالى عزوجل بعث محمدا صلى الله عليه وآله رحمة للعالمين ، ومنة على المؤمنين وكافة إلى
الناس اجمعين " لينذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين " فبلغ رسالات الله وقام على امر الله حتى توفاه الله غير مقصر ولا وان ، حتى اظهر الله به الحق ، ومحق به الشرك ونصر به المؤمنين واعز به العرب وشرف به قريشا خاصة ، فقال
تعالى : " وإنه لذكر لك ولقومك " فلما توفي صلى الله عليه وآله تنازعت سلطانه العرب فقالت قريش : نحن قبيلته واسرته واوليائه ولا يحل لكم ان تنازعونا سلطان محمد في الناس وحقه ، فرأت العرب ان القول كما قالت قريش وان الحجة لهم
في ذلك على من نازعهم امر محمد - صلى الله عليه وآله - فأنعمت لهم العرب وسلمت ذلك ، ثم حاججنا نحن قريشا بمثل ما حاجت به العرب فلم تنصفنا قريش إنصاف العرب لها إنهم اخذوا هذا الامر دون العرب بالانتصاف والاحتجاج فلما صرنا
اهل بيت محمد واوليائه إلى محاجتهم وطلب النصف منهم باعدونا واستولوا بالاجتماع على ظلمنا ومراغمتنا والعنت منهم لنا فالموعد الله وهو الولي النصير . وقد تعجبنا لتوثب المتوثبين علينا في حقنا وسلطان نبينا صلى الله عليه وآله وإن كانوا ذوي
فضيلة وسابقة في الاسلام فأمسكنا عن منازعتهم مخافة على الدين ان يجد المنافقون والاحزاب بذلك مغمزا يثلمونه به أو يكون لهم بذلك سبب لما ارادوا به من فساده ، فاليوم فليعجب المتعجب من توثبك يا معاوية على امر لست من اهله لا بفضل
في الدين معروف ولا اثر في الاءسلام محمود وانت ابن حزب من الاحزاب وابن اعدى قريش لرسول الله صلى الله عليه وآله ولكن الله خيبك ، سترد فتعلم لمن عقبى الدار ، تالله لتلقين عن قليل ربك ثم ليجزينك بما قدمت يداك وما الله بظلام للعبيد . إن عليا - رضوان الله عليه - لما مضى لسبيله - رحمة الله عليه - يوم قبض
- ص 36 -
ويوم من الله عليه بالاسلام ، ويوم يبعث حيا - ولاني المسلمون الامر بعده فأسأل الله ان لا يزيدنا في الدنيا الزائلة شيئا ينقصنا به في الآخرة مما عنده من كرامته وإنما حملني على الكتاب اليك الاءعذار فيما بيني وبين الله سبحانه وتعالى في امرك ولك
في ذلك إن فعلت الحظ الجسيم وللمسلمين فيه صلاح فدع التعادي في الباطل وادخل فيما دخل فيه الناس من بيعتي فانك تعلم انى احق بهذا الامر منك عند الله وعند كل اواب حفيظ ومن له قلب منيب واتق الله ودع البغي واحقن دماء المسلمين فوالله
مالك من خير في ان تلقى الله من دمائهم بأكثر مما انت لاقيه به فادخل في السلم والطاعة ولا تنازع الامر اهله ومن هو احق به منك ليطفئ الله النائرة بذلك وتجمع الكلمة وتصلح ذات البين وإن انت ابيت إلا التمادي في غيك نهدت اليك بالمسلمين فحاكمتك حتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين .
فكتب إليه معاوية : بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله امير المؤمنين إلى الحسن بن علي ، سلام عليك فاني احمد اليك الله الذي لا إله إلا هواما بعد فقد بلغني كتابك وفهمت ما ذكرت به رسول الله صلى الله عليه وآله من الفضل وهو احق الاولين
والآخرين بالفضل كله قديمه وحديثه وصغيره وكبيره فقد والله بلغ فأدى ونصح وهدى حتى انقذ الله به من التهلكة وانار به من العمى وهدى به من الضلالة فجزاه الله افضل ما جزى نبيا عن امته وصلوات الله عليه يوم ولد ويوم قبض ويوم يبعث حيا .
وذكرت وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتنازع المسلمين من بعده فرايتك صرحت بتهمة ابي بكر الصديق وعمر الفاروق وابي عبيدة الامين وحواري الرسول صلى الله عليه وآله وصلحاء المهاجرين والانصار ، فكرهت ذلك لك فانك امرؤ عندنا
وعند الناس غير ظنين ولا المسئ ولا اللئيم وانا احب لك القول السديد والذكر الجميل إن هذه الامة لما اختلفت بعد نبيها لم تجهل فضلكم ولا سابقتكم ولا
- ص 37 -
قرابتكم من النبي ولا مكانتكم في الاسلام واهله فرات الامة ان تخرج من هذا الامر لقريش لمكانها من نبيها وراى صلحاء الناس من قريش والانصار وغيرهم من سائر الناس وعامتهم ان يولوا هذا الامر من قريش اقدمها إسلاما واعلمها بالله واحبها
له واقواها على امر الله واختاروا ابا بكر وكان ذلك راي ذوي الحجى والدين والفضيلة والناظرين للامة فأوقع ذلك في صدوركم لهم التهمة ولم يكونوا بمتهمين ولا فيما اتوا بمخطئين ، ولو راى المسلمون فيكم من يغنى غناءه أو يقوم مقامه أو
يذب عن حريم المسلمين ذبه ما عدلوا بذلك الامر إلى غيره رغبة عنه ولكنهم عملوا في ذلك بما رأوه صلاحا للاسلام واهله فالله يجزيهم عن الاسلام وأهله خيرا وقد فهمت الذي دعوتني إليه من الصلح ، والحال فيما بيني وبينك اليوم مثل الحال التي
كنتم عليها أنتم وابو بكر بعد النبي صلى الله عليه وآله ولو علمت أنك أضبط مني للرعية واحوط على هذه الامة واحسن سياسة واقوى على جمع الاموال واكيد للعدو لاجبتك إلى ما دعوتني إليه ورأيتك لذلك اهلا ولكني قد علمت أنى أطول منك
ولاية واقدم منك لهذه الامة تجربة واكثر منك سياسة واكبر منك سنا ، فأنت احق ان تجيبني إلى هذه المنزلة التي سألتني ، فادخل في طاعتي ولك الامر من بعدي ، ولك ما في بيت مال العراق من مال بالغا ما بلغ تحمله إلى حيث احببت ولك خراج
اي كور العراق شئت معونة لك على نفقتك يجيبها لك امينك ويحملها اليك في كل سنة ولك الا يستولي عليك بالاساءة ولا تقضى دونك الامور ولا تعصى في أمر اردت به طاعة الله عزوجل . اعاننا الله وإياك على طاعته إنه سميع مجيب الدعاء والسلام .
قال جندب : فلما أتيت الحسن بن علي بكتاب معاوية قلت له : إن الرجل سائر اليك فابدأ أنت بالمسير حتى تقاتله في ارضه وبلاده وعمله ، فاما ان تقدر أنه يتناولك فلا والله حتى يرى يوما اعظم من يوم صفين ، فقال : أفعل ثم قعد عن مشورتي وتناسي قولي .
- ص 38 -
قال : وكتب معاوية إلى الحسن بن علي : بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد ، فان الله عزوجل يفعل في عباده ما يشاء ( لا معقب لحكمه وهو سريع الحساب ) فاحذر ان تكون منيتك على يد رعاع من الناس وايئس من أن تجد فينا غميزة ، وإن أنت أعرضت عما أنت فيه وبايعتني وفيت لك بما وعدت ، واجزت لك ما شرطت واكون في ذلك كما قال اعشى بني قيس بن ثعلبة :
وإن احد اسدي اليك امانة * فأوف بها تدعى إذا مت وافيا
ولا تحسد المولى إذا كان ذا غنى * ولا تجفه إن كان في المال فانيا
ثم الخلافة لك من بعدي فأنت اولى الناس بها والسلام .
فأجابه الحسن بن علي : بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد : وصل إلي كتابك تذكر فيه ما ذكرت ، فتركت جوابك خشية البغي عليك وبالله اعوذ من ذلك ، فاتبع الحق تعلم أنى من أهله ، وعلي اثم ان اقول فأكذب ، والسلام .
فلما وصل كتاب الحسن الى معاوية قرأه ثم كتب إلى عماله على النواحي نسخة واحدة : بسم الله الرحمن الرحيم من معاوية أمير المؤمنين إلى فلان بن فلان ومن قبله من المسلمين ، سلام عليكم فاني احمد اليكم الله الذي لا إله إلا هو أما بعد فالحمد
لله الذي كفاكم مؤنة عدوكم وقتلة خليفتكم إن الله بلطفه وحسن صنعه اتاح لعلي بن أبي طالب رجلا من عباده فاغتاله فقتله فترك اصحابه متفرقين مختلفين وقد جاءتنا كتب اشرافهم وقادتهم يلتمسون الامان لانفسهم وعشائرهم فاقبلوا إلي حين يأتيكم كتابي هذا بجندكم وجهدكم وحسن عدتكم فقد اصبتم بحمد الله الثأر وبلغتم الامل واهلك
- ص 39 -
الله اهل البغي والعدوان ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
قال : فاجتمعت العساكر إلى معاوية بن ابي سفيان وسار قاصدا إلى العراق وبلغ الحسن خبر مسيره وانه بلغ جسر منبج فتحرك لذلك وبعث حجر بن عدي يأمر العمال والناس بالتهيؤ للمسير ونادى المنادي : الصلاة جامعة فأقبل الناس يثوبون
ويجتمعون فقال الحسن : إذا رضيت جماعة الناس فأعلمني وجاء سعيد بن قيس الهمداني فقال : اخرج فخرج الحسن - عليه السلام - فصعد المنبر فحمد الله واثنى عليه ثم قال : اما بعد :
فان الله كتب الجهاد على خلقه وسماه كرها . ثم قال لاهل الجهاد من المؤمنين ( واصبروا إن الله مع الصابرين ) فلستم ايها الناس نائلين ما تحبون إلا بالصبر على ما تكرهون إنه بلغني ان معاوية بلغه انا كنا ازمعنا على المسير إليه فتحرك لذلك
فاخرجوا - رحمكم الله - إلى معسكركم بالنخيلة حتى ننظر وتنظروا ونرى وتروا . قال : وإنه في كلامه ليتخوف خذلان الناس إياه . قال : فسكتوا فما تكلم منهم أحد ولا اجاب بحرف .
فلما راى ذلك عدي بن حاتم قال : انا ابن حاتم سبحان الله ، ما اقبح هذا المقام ؟ الا تجيبون إمامكم وابن بنت نبيكم اين خطباء مضر ؟ اين المسلمون ؟ اين الخواضون من اهل المصر الذين السنتهم كالمخاريق في الدعة فإذا جد الجد فرو اغون كالثعالب اما تخافون مقت الله ولا عيبها وعارها .
ثم استقبل الحسن بوجهه فقال : اصاب الله بك المراشد ، وجنبك المكاره ووفقك لما يحمد ورده وصدره فقد سمعنا مقالتك وانتهينا إلى امرك وسمعنا منك واطعناك فيما قلت وما رايت وهذا وجهي إلى معسكري فمن احب ان يوافيني فليوافي .
ثم مضى لوجهه فخرج من المسجد ودابته بالباب فركبها ومضى إلى النخيلة وامر غلامه ان يلحقه بما يصلحه ، وكان عدي اول الناس عسكرا . ثم قام قيس بن سعد بن عبادة الانصاري ومعقل بن قيس الرياحي ، وزياد
- ص 40 -
ابن صعصعة التيمي فأنبوا الناس ولاموهم وحرضوهم وكلموا الحسن بمثل كلام عدي ابن حاتم في الاجابة والقبول . فقال لهم الحسن : صدقتم - رحمكم الله - ما زلت اعرفكم بصدق النية والوفاء بالقول والمودة الصحيحة فجزاكم الله خيرا ثم نزل .
وخرج الناس ، فعسكروا ونشطوا للخروج وخرج الحسن إلى معسكره واستخلف على الكوفة المغيرة بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب وامره باستحثاث الناس وإشخاصهم إليه فجعل يستحثهم ويخرجهم حتى التأم العسكر .
ثم إن الحسن بن علي سار في عسكر عظيم وعدة حسنة حتى أتى دير عبد الرحمن فأقام به ثلاثا حتى اجتمع الناس ثم دعا عبيدالله بن العباس بن عبد المطلب فقال له : يابن عم إني باعث معك اثنا عشر الفا من فرسان العرب وقراء المصر ، الرجل
منهم يزن الكتيبة فسر بهم والن لهم جانبك وابسط وجهك وافرش لهم جناحك وادنهم من مجلسك فأنهم بقية ثقة امير المؤمنين صلوات الله عليه وسر بهم على شط الفرات حتى تقطع بهم الفرات ثم تصير إلى مسكن ثم امض حتى تستقبل معاوية فان
انت لقيته فاحبسه حتى آتيك فانى في إثرك وشيكا وليكن خبرك عندي كل يوم وشاور هذين ، يعني قيس بن سعد وسعيد بن قيس فإذا لقيت معاوية فلا تقاتله حتى يقاتلك فان فعل فقاتل فان اصبت فقيس بن سعد على الناس وإن اصيب قيس فسعيد بن
قيس على الناس ثم امره بما اراد . وسار عبيدالله حتى انتهى إلى شينور حتى خرج إلى شاهى ثم لزم الفرات والفالوجة حتى اتى مسكن . واخذ الحسن على حمام عمر حتى اتى دير كعب ثم بكر فنزل ساباط دون القنطرة فلما اصبح نادى في الناس : الصلاة جامعة فاجتمعوا وصعد المنبر فخطبهم فحمد الله فقال :
- ص 41 -
الحمد لله كلما حمده حامد ، وأشهد أن لا إله إلا الله كلما شهد له شاهد ، وأشهد أن محمدا رسول الله أرسله بالحق وائتمنه على الوحي ، صلى الله عليه وآله .
أما بعد ، فوالله إنى لارجو أن أكون قد أصبحت بحمد الله ومنه وأنا انصح خلق الله لخلقه ، وما أصبحت محتملا على مسلم ضغينة ولا مريدا له سوءا ولا غائلة ، ألا وإن ما تكرهون في الجماعة خير لكم مما تحبون في الفرقة ، الا وانى ناظر لكم خيرا من نظركم لانفسكم ، فلا تخالفوا امري ولا تردوا علي رأيي غفر الله لي ولكم وارشدني وإياكم لما فيه المحبة والرضا.
قال : فنظر الناس بعضهم إلى بعض ، وقالوا : ما ترونه ، يريد بما قال ؟ قالوا : نظنه والله يريد ان يصالح معاوية ويسلم الامر إليه فقالوا : كفر والله الرجل ثم شدوا على فسطاطه فانتهبوه حتى اخذوا مصلاه من تحته ، ثم شد عليه عبد الرحمان ابن
عبد الله بن جعال الازدي فنزع مطرفه عن عاتقه ، فبقي جالسا متقلدا السيف بغير رداء ، ثم دعا بفرسه فركبه ، واحدق به طوائف من خاصته وشيعته ، ومنعوا منه من اراده ولاموه وضعفوه لما تكلم به فقال : ادعوا لي ربيعة وهمدان فدعوا له
فأطافوا به ، ودفعوا الناس عنه ومعهم شوب من غيرهم ، فقام إليه رجل من بني اسد من بني نصر بن قعين يقال له الجراح بن سنان فلما مر في مظلم ساباط قام إليه فأخذ بلجام بغلته وبيده معول فقال : الله اكبر يا حسن اشركت كما اشرك ابوك من
قبل ثم طعنه فوقعت الطعنة في فخذه فشقته حتى بلغت اربيته فسقط الحسن إلى الارض بعد ان ضرب الذي طعنه بسيف كان بيده واعتنقه وخرا جميعا إلى الارض فوثب عبد الله بن الخطل فنزع المعول من يد الجراح بن سنان فخضخضه به واكب ظبيان ابن عمارة عليه فقطع انفه ثم اخذوا الآجر فشدخوا وجهه ورأسه حتى قتلوه .
وحمل الحسن على سرير إلى المدائن وبها سعد بن مسعود الثقفي واليا عليها من قبله ، وكان علي ولاه فأقره الحسن بن علي ، فأقام عنده يعالج نفسه . قال : ثم إن معاوية وافى حتى نزل قرية يقال لها الحيوضية بمسكن ، فأقبل
- ص 42 -
عبد الله بن العباس حتى نزل بإزائه ، فلما كان من غد وجه معاوية بخيله إليه فخرج إليهم عبيدالله بن العباس فيمن معة ، فضربهم حتى ردهم إلى معسكرهم ، فلما كان الليل ارسل معاوية إلى عبيدالله بن العباس ان الحسن قد راسلني في الصلح
وهو مسلم الامر إلي فان دخلت في طاعتي الآن كنت متبوعا وإلا دخلت وأنت تابع ولك إن جئتني الآن ان أعطيك الف الف درهم ، يعجل لك في هذا الوقت النصف وإذا دخلت الكوفة النصف الآخر ، فانسل عبيدالله ليلا فدخل عسكر معاوية فوفى له
بما وعده فأصبح الناس ينتظرون ان يخرج فيصلي بهم فلم يخرج حتى اصبحوا فطلبوه فلم يجدوه فصلى بهم قيس بن سعد بن عبادة ثم خطبهم فقال : أيها الناس : لا يهولنكم ولا يعظمن عليكم ما صنع هذا الرجل الوله الورع أي الجبان إن هذا واباه
واخاه لم يأتوا بيوم خير قط ، إن أباه عم رسول الله صلى الله عليه وآله خرج يقاتله ببدر فأسره أبو اليسر كعب بن عمرو الانصاري فأتى به رسول الله صلى الله عليه وآله ، فأخذ فداءه فقسمه بين المسلمين ، وإن اخاه ولاه علي امير المؤمنين على
البصرة فسرق مال الله ومال المسلمين فاشترى به الجواري وزعم ان ذلك له حلال وإن هذا ولاه على اليمن فهرب من بسر بن ارطاة وترك ولده حتى قتلوا وصنع الآن هذا الذي صنع . قال فتنادى الناس : الحمد لله الذي اخرجه من بيننا فانهض بنا
إلى عدونا فنهض بهم . وخرج إليهم بسر بن أرطاة في عشرين الفا فصاحوا بهم : هذا أميركم قد بايع وهذا الحسن قد صالح فعلام تقتلون انفسكم . فقال لهم قيس بن سعد بن عبادة اختاروا إحدى اثنتين : إما القتال مع غير إمام ، أو تبايعون بيعة ضلال، فقالوا : بل نقاتل بلا إمام ، فخرجوا فضربوا أهل الشام حتى ردوهم إلى مصافهم .
وكتب معاوية إلى قيس يدعوه ويمنيه فكتب إليه قيس : لا والله لا تلقاني ابدا إلا وبيني وبينك الرمح .
- ص 43 -
فكتب إليه معاوية : أما بعد : فإنما أنت يهودي ابن يهودي تشقى نفسك وتقتلها فيما ليس لك فان ظهر احب الفريقين اليك نبذك وعزلك ، وإن ظهر ابغضهما اليك نكل بك وقتلك وقد كان أبوك اوتر غير قوسه ، ورمى غير غرضه ، فأكثر الحز واخطأ المفصل فخذله قومه ، وادركه يومه فمات بحوران طريدا غريبا ، والسلام .
فكتب إليه قيس بن سعد * رحمه الله * : أما بعد : : فإنما أنت وثن بن وثن من هذه الاوثان ، دخلت في الإسلام كرها وأقمت عليه فرقا ، وخرجت منه طوعا ولم يجعل الله لك فيه نصيبا لم يقدم إسلامك ، ولم يحدث نفاقك ولم تزل حربا لله ورسوله
وحزبا من احزاب المشركين فأنت عدو الله ورسوله والمؤمنين من عباده . وذكرت ( ان ) ، ولعمري ما اوتر إلا قوسه ولا رمى إلا غرضه فشغب عليه من لا تشق غباره ولا تبلغ كعبه ، وكان امرا مرغوبا عنه مزهودا فيه . وزعمت اني يهودي
ابن يهودي ولقد علمت وعلم الناس أني وأبي من انصار الدين الذي خرجت منه ، وأعداء الدين الذي دخلت فيه وصرت إليه والسلام .
فلما قرأ كتابه معاوية غاظه واراد إجابته فقال له عمرو : مهلا إن كاتبته اجابك بأشد من هذا ، وإن تركته دخل فيما دخل فيه الناس فأمسك عنه . قال : وبعث معاوية عبد الله بن عامر وعبد الرحمن بن سمرة إلى الحسن للصلح فدعواه إليه ، وزهداه
في الامر واعطياه ما شرط له معاوية وإلا يتبع احد بما مضى ولا ينال احد من شيعة علي بمكروه ولا يذكر علي إلا بخير ، واشياء اشترطها الحسن عليه السلام فأجابه الحسن إلى ذلك ، وانصرف قيس فيمن معه إلى الكوفة وانصرف الحسن إليها
ايضا واقبل معاوية قاصدا الى الكوفة واجتمع الى الحسن وجوه الشيعة واكابر اصحاب امير المؤمنين علي يلومونه ويبكون إليه جزعا مما فعله .
فحدثني محمد بن الحسين الاشناني وعلي بن العباس المقانعي قالا : حدثنا
- ص 44 -
عباد بن يعقوب قال : اخبرنا عمرو بن ثابت عن الحسن بن حكم عن عدي بن ثابت عن سفيان بن ابي ليلى . وحدثني محمد بن احمد أبو عبيد قال : حدثنا الفضل بن الحسن المصري قال : حدثنا محمد بن عمرويه قال : حدثنا مكي بن ابراهيم ، قال :
حدثنا السري بن اسماعيل عن الشعبي عن سفيان بن أبي ليلى دخل حديث بعضهم في حديث بعض واكثر اللفظ لابي عبيدة قال : اتيت الحسن بن علي حين بايع معاوية فوجدته بفناء داره عنده رهط فقلت : السلام عليك يا مذل المؤمنين فقال عليك السلام
يا سفيان إنزل فنزلت فعقلت راحلتي ثم اتيته فجلست إليه فقال : كيف قلت يا سفيان : فقلت : السلام عليك يا مذل رقاب المؤمنين . فقال : ما جر هذا منك الينا ؟ فقلت : انت والله - بأبي انت وامي - اذللت رقابنا حين اعطيت هذا الطاغية البيعة
وسلمت الامر إلى اللعين بن اللعين بن آكلة الاكباد ومعك مائة الف كلهم يموت دونك . وقد جمع الله لك امر الناس . فقال : يا سفيان ، إنا أهل بيت إذا علمنا الحق تمسكنا به ، وإني سمعت عليا يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : لا
تذهب الليالي والايام حتى يجتمع امر هذه الامة على رجل واسع السرم ضخم البلعوم يأكل ولا يشبع لا ينظر الله إليه ولا يموت حتى لا يكون له في السماء عاذر ولا في الارض ناصر وإنه لمعاوية وإني عرفت ان الله بالغ امره . ثم اذن المؤذن
فقمنا على حالب يحلب ناقة فتناول الإناء فشرب قائما ثم سقاني فخرجنا نمشي إلى المسجد فقال لي : ما جاءنا بك يا سفيان ؟ قلت : حبكم والذي بعث محمدا بالهدى ودين الحق . قال : فأبشر يا سفيان فاني سمعت عليا يقول : سمعت رسول الله صلى
الله عليه وآله يقول : يرد علي الحوض اهل بيتي ومن احبهم من امتي كهاتين ، يعني السبابتين . ولو شئت لقت هاتين يعني السبابة والوسطى ، إحداهما تفضل على الاخرى ، ابشر يا سفيان فان الدنيا تسع البر والفاجر حتى يبعث الله إمام الحق من آل محمد صلى الله عليه وآله . هذا لفظ أبي عبيد .
- ص 45 -
وفي حديث محمد بن الحسين ، وعلي بن العباس بعض هذا الكلام موقوفا عن الحسن غير مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وآله إلا في ذكر معاوية فقط .
* ( رجع الحديث إلى خبر الحسن عليه السلام ) *
قال : وسار معاوية حتى نزل النخيلة وجمع الناس بها فخطبهم قبل أن يدخل الكوفة خطبة طويلة لم ينقلها احد من الرواة تامة ، وجاءت مقطعة في الحديث وسنذكر ما انتهى الينا من ذلك . فحدثني احمد بن عبيدالله بن عمار قال : حدثني احمد بن بشر
عن الفضل ابن الحسن وعيسى بن مهران ، قالوا : حدثنا علي بن الجعد قال : حدثنا قيس بن الربيع عن عطاء بن السائب . عن الشعبي قال : خطب معاوية حين بويع له فقال : ما اختلفت أمة بعد نبيها إلا ظهر أهل باطلها على أهل حقها ، ثم إنه انتبه فندم فقال : إلا هذه الامة فإنها وإنها .
حدثني أبو عبيد قال : حدثني الفضل المصري قال : حدثنا يحيى بن معين قال حدثنا أبو أسامة عن مجالد عن الشعبي بهذا . حدثني علي بن العباس المقانعي قال : أخبرنا جعفر بن محمد بن الحسين الزهري قال : حدثنا حسن بن الحسين عن عمرو بن
ثابت عن أبي إسحاق قال . سمعت معاوية بالنخيلة يقول . ألا إن كل شئ اعطيته الحسن بن علي تحت قدمي هاتين لا افي به قال أبو إسحاق . وكان والله غدارا .
حدثني أبو عبيد قال . حدثنا الفضل المصري قال . حدثني عثمان بن أبي شيبة قال . حدثني أبو معاوية عن الاعمش وحدثني أبو عبيد قال . حدثنا فضل قال حدثنا عبد الرحمن بن شريك . قال حدثنا ابي عن الاعمش عن عمرو بن مرة عن سعيد بن سويد
قال . صلى بنا معاوية بالنخيلة الجمعة في الصحن ثم خطبنا فقال . إني والله ما قاتلتكم لتصلوا ولا لتصوموا ولا لتحجوا ولا لتزكوا إنكم لتفعلون ذلك . وانما قاتلتكم لاتأمر عليكم وقد اعطاني الله ذلك وانتم كارهون .
- ص 46 -
قال شريك في حديثه : هذا هو التهتك .
حدثني أبو عبيد قال : حدثنا فضل قال . حدثني يحيى بن معين قال . حدثنا أبو حفص الابار عن إسماعيل بن عبد الرحمن وشريك بن ابي خالد وقد روى عنه إسماعيل بن ابي خالد عن حبيب بن ابي ثابت قال : لما بويع معاوية خطب فذكر عليا
فنال منه ونال من الحسن ، فقام الحسين ليرد عليه فأخذ الحسن بيده فأجلسه ثم قام فقال : ايها الذاكر عليا ، انا الحسن وابي علي وانت معاوية وابوك صخر وامي فاطمة وامك هند وجدي رسول الله صلى الله عليه وآله وجدك حرب وجدتي خديجة
وجدتك قتيلة ، فلعن الله اخملنا ذكرا ، وألامنا حسبا وشرنا قدما . واقدمنا كفرا ونفاقا . فقال طوائف من اهل المسجد : آمين . قال فضل : فقال يحيى بن معين : ونحن نقول : آمين . قال أبو عبيد : ونحن ايضا نقول . آمين . قال أبو الفرج . وانا اقول .
آمين . قال . ودخل معاوية الكوفة بعد فراغه من خطبته بالنخيلة ، وبين يديه خالد ابن عرفطة ومعه رجل يقال له حبيب بن عمار يحمل رايته حتى دخل الكوفة فصار إلى المسجد فدخل من باب الفيل فاجتمع الناس إليه .
فحدثني أبو عبيد الصيرفي واحمد بن عبيدالله بن عمار ، قالا : حدثنا محمد ابن علي بن خلف قال : حدثني محمد بن عمرو الرازي قال : حدثنا مالك بن شعير عن محمد بن عبد الله الليثي عن عطاء بن السائب عن ابيه قال : بينما علي - عليه السلام -
على المنبر إذ دخل رجل فقال . يا امير المؤمنين مات خالد بن عرفطة فقال . لا والله ما مات . إذ دخل رجل آخر فقال . يا أمير المؤمنين مات خالد بن عرفطة فقال . لا والله ما مات إذ دخل رجل آخر فقال . يا امير المؤمنين مات خالد بن عرفطة ؟
فقال . لا والله ما مات ولا يموت حتى يدخل من باب هذا المسجد " يعني باب الفيل " براية ضلالة يحملها له حبيب بن عمار قال فوثب رجل فقال يا امير المؤمنين انا حبيب ابن عمار وانا لك شيعة قال . فانه كما اقول . فقدم خالد بن عرفطة على مقدمة معاوية
- ص 47 -
يحمل رايته حبيب بن عمار . قال مالك .
حدثنا الاعمش بهذا الحديث فقال . حدثني صاحب هذا الدار - واشار بيده إلى دار السائب ابي عطاء - انه سمع عليا يقول هذه المقالة . قالوا . ولما تم الصلح بين الحسن ومعاوية ارسل إلى قيس بن سعد بن عبادة يدعوه إلى البيعة فأتى به وكان رجلا
طويلا يركب الفرس المسرف ورجلاه تخطان في الارض وما في وجهه طاقة شعر ، وكان يسمى خصي الانصار ، فلما ارادوا ان يدخلوه إليه قال . أنى قد حلفت ان لا القاه إلا بيني وبينه الرمح أو السيف ، فأمر معاوية برمح أو سيف فوضع بينه وبينه ليبر يمينه .
فحدثني احمد بن عيسى قال . حدثني أبو هاشم الرفاعي قال . حدثنا وهب ابن جرير قال . حدثنا ابي عن ابن سيرين عن عبيدة ، وقد ذكر بعض ذلك في رواية ابي مخنف التي قدمنا إسنادها قال . لما صالح الحسن معاوية اعتزل قيس بن سعد في اربعة آلاف وابى ان يبايع فلما بايع الحسن ادخل قيس بن سعد ليبايع .
قال أبو مخنف في حديثه . فأقبل على الحسن فقال . انا في حل من بيعتك قال . نعم قال . فألقى لقيس كرسي وجلس معاوية على سريره فقال له معاوية . اتبايع يا قيس ؟ قال نعم فوضع يده على فخذه ولم يمدها إلى معاوية فجثا معاوية على سريره واكب على قيس حتى مسح يده على يده فما رفع قيس إليه يده .
حدثني أبو عبيد قال . حدثنا فضل المصري قال . حدثنا شريح بن يونس قال . حدثنا أبو حفص الابار عن إسماعيل بن عبد الرحمن : ان معاوية أمر الحسن ان يخطب لما سلم الامر إليه وظن ان سحيصر فقال في خطبته : إنما الخليفة من سار بكتاب
الله وسنة نبيه صلى الله عليه وآله وليس الخليفة من سار بالجور ذلك ملك ملك ملكا يمتع به قليلا ثم تنقطع لذته وتبقى تبعته : ( وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين ) . قال : وانصرف الحسن رضى الله عنه إلى المدينة فأقام بها واراد معاوية البيعة
- ص 48 -
لابنه يزيد فلم يكن شئ اثقل من أمر الحسن بن علي وسعد بن ابي وقاص فدس اليهما سما فماتا منه .
حدثني احمد بن عبيدالله بن عمار قال : حدثنا عيسى بن مهران قال : حدثنا عبيد بن الصباح الخراز قال : حدثني جرير عن مغيرة قال . ارسل معاوية إلى ابنة الاشعث إني مزوجك بيزيد ابني على ان تسمي الحسن بن علي وبعث إليها بمائة الف
درهم فقبلت وسمت الحسن فسوغها المال ولم يزوجها منه فخلف عليها رجل من آل طلحة فأولدها فكان إذا وقع بينهم وبين بطون قريش كلام عيروهم وقالوا : يا بني مسمة الازواج .
حدثني احمد بن عبيدالله قال . حدثني عيسى بن مهران قال : حدثنا يحيى ابن ابي بكير قال : حدثنا شعبة عن ابي بكر بن حفص قال : توفى الحسن بن علي وسعد بن ابي وقاص في ايام بعد ما مضى من إمارة معاوية عشر سنين وكانوا يرون انه سقاهما سما .
أخبرنا احمد بن محمد الهمداني قال : حدثنا يحيى بن الحسن العلوي قال : حدثنا سلمة بن شبيب قال : حدثنا عبد الرزاق قال اخبرنا معمر قال . حدثني من سمع ابن سيرين يحدث مولى للحسن بن علي وحدثني احمد بن عبيدالله بن عمار قال . حدثنا
عيسى بن مهران، قال . حدثنا عثمان بن عمرو قال. حدثنا أبو عون عن عمير بن إسحاق - واللفظ له - قال . كنت مع الحسن والحسين في الدار فدخل الحسن المخرج ثم خرج فقال . لقد سقيت السم مرارا ما سقيته مثل هذه المرة ولقد لفظت قطعة من
كبدي فجعلت أقلبها بعود معي فقال له الحسين . من سقاكه ؟ فقال وما تريد منه ؟ اتريد ان تقتله إن يكن هو هو فالله اشد نقمة منك وإن لم يكن هو فما احب ان يؤخذ بي بريئ .
ودفن الحسن في جنب قبر فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله في البقيع في ظلة بني نبيه ، وقد كان اوصى ان يدفن مع رسول الله صلى الله عليه وآله فمنع
- ص 49 -
مروان بن الحكم من ذلك وركبت بنو أمية في السلاح وجعل مروان يقول . يا رب هيجا هي خير من دعة ، ايدفن عثمان في اقصى البقيع ويدفن الحسن في بيت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ؟ والله لا يكون ذلك ابدا وانا احمل السيف فكادت
الفتنة تقع . وابي الحسين ان يدفنه إلا مع النبي صلى الله عليه وآله فقال له عبد الله بن جعفر . عزمت عليك بحقي الا تكلم بكلمة فمضى به إلى البقيع وانصرف مروان بن الحكم .
اخبرني احمد بن سعيد قال . حدثنا يحيى بن الحسن بن بكار عن محمد بن اسماعيل عن قائد مولى عباد وحدثنا جرمي عن زبير فقال . عبادك وهو الصواب وقال احمد بن سعيد هو عبادك ولكن هكذا قال يحيى بن عبيدالله بن علي اخبره وغيره اخبره
ان الحسن بن علي ارسل إلى عائشة ان تأذن له ان يدفن مع النبي صلى الله عليه وآله فقالت . نعم ما كان بقي إلا موضع قبر واحد فلما سمعت بذلك بنو امية اشتملوا بالسلاح هم وبنو هاشم للقتال وقالت بنو امية . والله لا يدفن مع النبي ( صلى الله
عليه وآله ) ابدا فبلغ ذلك الحسن فأرسل إلى اهله اما إذا كان هذا فلا حاجة لي فيه ادفنوني إلى جانب امي فاطمة فدفن إلى جنب امه فاطمة عليها السلام .
قال يحيى بن الحسن . وسمعت علي بن طاهر بن زيد يقول . لما ارادوا دفنه ركبت عائشة بغلا واستنفرت بني امية مروان بن الحكم ومن كان هناك منهم ومن حشمهم وهو القائل : فيوما على بغل ويوما على جمل .
وقال علي بن الحسن بن علي بن حمزة العلوي عن عمه محمد عن المدايني عن جويرية بن اسماء قال : لما مات الحسن بن علي " ع " واخرجوا جنازته حمل مروان سريره فقال له الحسين " ع " أتحمل سريره ؟ اما والله لقد كنت تجرعه الغيظ فقال مروان : إني كنت افعل ذلك بمن يوازن حلمه الجبال .
حدثني محمد بن الحسين الاشناني قال : حدثنا عبد الله بن الوضاح قال :
- ص 50 -
حدثني ابن يمان عن الثوري عن سالم بن أبي حفصة عن ابي حازم : ان الحسين بن علي قدم سعيد بن العاص للصلاة على الحسن بن علي وقال تقدم فلولا انها سنة ما قدمتك .
حدثني أبو عبيد قال حدثنا فضل المصري قال حدثنا عبد الرحمن بن صالح قال حدثنا عمرو بن هشام عن عمر بن بشير الهمداني قال : قلت لابي إسحاق : متى ذل الناس ؟ قال حين مات الحسن " ع " وادعى زياد وقتل حجر بن عدي .
واختلف في مبلغ سن الحسن " ع " وقت وفاته . فحدثني احمد بن سعيد عن يحيى بن الحسن عن علي بن إبراهيم بن الحسن عن ابن أبي عمير عن هشام بن سالم وجميل بن دراج عن جعفر بن محمد انه توفي وهو ابن ثماني واربعين سنة .
حدثني احمد بن سعيد قال : حدثنا يحيى بن الحسن عن ابن حسين اللؤلؤي عن محمد بن سنان عن عبد الله بن مسكان عن ابي بصير عن جعفر بن محمد ان الحسن توفي وهو ابن ست واربعين .
وقال محمد بن علي بن حمزة . وفي الحسن بن علي يقول سليمان بن قتة :
ياكذب الله من نعى حسنا * ليس لتكذيب نعيه ثمن
كنت خليلي وكنت خالصتي * لكل حي من أهله سكن
اجول في الدار لا اراك وفي * الدار اناسي جوارهم غبن
بدلتهم منك ليت انهم * اضحوا وبيني وبينهم عدن
والحسن بن علي بن أبي طالب - عليهما السلام - ويكنى أبا محمد وأمه فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله ، وكانت فاطمة تكنى أم أبيها ، ذكر ذلك قعنب ابن محرز الباهلي ، حدثني بن محمد بن زكريا الصحاف ، عن أبي نعيم الفضل بن دكين عن الحسين بن زيد بن علي ، عن جعفر بن محمد عن أبيه .
وأمها خديجة ، تكنى أم هند بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي. وأمها فاطمة بنت زائدة بن الاصم بن هرم بن رواحة بن حجر بن عبد بن معيص بن عامر بن لؤى . وأمها هالة بنت عبد مناف بن الحارث بن منقذ بن عمرو بن معيص بن عامر
ابن لؤي . وأمها العرقة وهي قلابة بنت سعيد بن سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب ابن لؤي . وإنما سميت العرقة لطيب عرقها وعطرها ، وكانت مبدنة وكانت إذا عرقت فاحت رائحة الطيب منها فسميت العرقة . وأمها عاتكة بنت عبد العزى بن
قصي . وأمها الحظيا وهي ريطة الصغرى بنت كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب ابن لؤي . وأمها مارية ويقال قيلة بنت حذافة بن جمح . وأمها ليلى بنت عامر الخيار بن غيسان واسمه الحرث بن عبد عمرو بن عمر ابن قوي بن ملكان بن أفصى من خزاعة . وأمها سلمى بنت سعد بن كعب بن عمرو من خزاعة .
- ص 30 -
وأمها ليلى بنت عابس بن الظرب بن الحرث بن فهر بن مالك بن النضر ابن كنانة . وأمها سلمى بنت لؤي بن غالب . وأمها ليلى بنت محارب بن فهر . وأمها عاتكة بنت مخلد بن النضر بن كنانة . وأمها الوارثة بنت الحرث بن مالك بن كنانة . وأمها
مارية بنت سعد بن زيد مناة بن تميم واسمها أسماء بنت جشم بن بكر ابن حبيب بن عمرو بن غنم بن ثعلب بن وائل بن قاسط بن هنب بن أفصى بن دغمي ابن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار .
وتزوجت خديجة - صلوات الله عليها - قبل رسول الله صلى الله عليه وآله رجلين يقال لاحدهما عتيق بن عائذ بن عبد الله بن عمر بن مخزوم ، وولدت له بنتا يقال لها هند . ثم توفي عنها . فخلف عليها أبو هالة بن النباش بن زرارة بن وقدان بن حبيب
بن سلامة بن عدي بن حرزة بن أسيد بن عمرو بن تميم ، فولدت له ؟ ؟ يقال له هند ، وروى عن النبي صلى الله عليه وآله ، روى عنه الحسن بن علي بن ابي طالب حديث صفة رسول الله صلى الله عليه وآله المشهور ، وقال فيه : سألت خالي هند بن أبي هالة عن صفة رسول الله صلى الله عليه وآله وكان له وصافا .
وتوفيت خديجة - رضي الله عنها - قبل الهجرة بثلاث سنين ، ولها يومئذ خمس وستون سنة .
حدثني بذلك الحسن بن علي ، قال : حدثنا الحرث بن محمد قال : حدثنا أبو سعد عن الواقدي . ودفنت بالحجون . وكان مولد فاطمة - عليها السلام - قبل النبوة وقريش حينئذ تبني الكعبة وكان تزويج علي بن ابي طالب - إياها في صفر بعد مقدم رسول الله صلى الله عليه وآله المدينة ، وبنى بها بعد رجوعه من غزوة بدر ، ولها يومئذ ثماني عشرة سنة .
حدثني بذلك الحسن بن علي قال : حدثنا الحرث قال : حدثنا ابن سعد عن
- ص 31 -
الواقدي ، عن ابي بكر بن عبد الله بن ابي سبرة عن إسحاق بن عبد الله بن ابي فروة عن ابي جعفر بن محمد بن علي . وكان مولد الحسن في سنة ثلاث من الهجرة . وكانت وفاته - عليه السلام - بعد عشر سنين خلت من إمارة معاويه ، وذلك في سنة
خمسين من الهجرة . وكانت وفاة فاطمة - عليها السلام - بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وآله - بمدة يختلف في مبلغها ، فالمكثر يقول : بستة اشهر . والمقلل يقول : اربعين يوما إلا ان الثابت في ذلك ما روى عن ابي جعفر محمد بن علي انها توفيت بعده بثلاثة اشهر .
حدثني بذلك الحسن بن عبد الله ، قال : حدثنا الحرث عن ابن سعد عن الواقدي عن عمرو بن دينار عن ابي جعفر محمد بن علي . وكان في لسان الحسن بن علي ثقل كالفأفأة .
حدثني به محمد بن الحسين الاشناني قال : حدثنا محمد بن اسماعيل الاحمسي قال : حدثنا مفضل بن صالح عن جابر قال . كانت في لسان الحسن رتة ، فقال سلمان الفارسي . اتته من قبل عمه موسى بن عمران - عليه السلام - . ودس معاوية إليه
حين اراد ان يعهد إلى يزيد بعده وإلى سعد بن ابي وقاص سما فماتا منه في ايام متقاربة . وكان الذي تولى ذلك من الحسن زوجته جعدة بنت الاشعث بن قيس لمال بذله لها معاوية . وسنذكر الخبر في ذلك . وقيل . اسمها سكينة ، وقيل . شعثاء ، وقيل . عائشة . والصحيح في ذلك جعدة .
- ص 32 -
* ( ذكر الخبر في بيعته بعد وفاة أمير المؤمنين عليه السلام ) *
( وتسليمه الامر إلى معاوية والسبب في وفاته ) حدثني احمد بن عيسى العجلي ، قال . حدثنا حسين بن نصر ، قال . حدثنا زيد بن المعذل ، عن يحيى بن شعيب ، عن ابي مخنف ، قال . حدثني اشعث بن سوار عن ابي إسحاق السبيعي عن سعيد بن
رويم، وحدثني علي بن إسحاق المخرمي واحمد بن الجعد قالا . حدثنا عبد الله بن عمر مشكدانة قال: حدثنا وكيع عن اسرائيل عن ابي إسحاق عن عمرو بن حبشي وحدثني علي بن إسحاق ، قال حدثنا عبد الله بن عمر ، قال . حدثنا عمران بن عيينة عن
الاشعث ، عن ابي إسحاق موقوفا ، وحدثني محمد بن الحسين الخثعمي ، قال . حدثنا عباد بن يعقوب قال . حدثنا عمرو بن ثابت عن ابي إسحاق عن هبيرة بن بريم ، قال. قال عمرو بن ثابت كنت اختلف إلى ابي إسحاق السبيعي سنة اسأله عن خطبة
الحسن بن علي " ع " فلا يحدثني بها ، فدخلت إليه في يوم شات وهو في الشمس وعليه برنسه كأنه غول فقال لي . من أنت ؟ فأخبرته ، فبكى وقال . كيف ابوك ؟ كيف اهلك ؟ قلت . صالحون قال . في اي شئ تردد منذ سنة ؟ قلت . في خطبة الحسن بن علي " ع " بعد وفاة ابيه .
قال : حدثني هبيرة بن بريم وحدثني محمد بن محمد الباغندي ، ومحمد بن حمدان الصيدلاني ، قالا . حدثنا إسماعيل بن محمد العلوي ، قال . حدثني عمي علي ابن جعفر بن محمد ، عن الحسن بن زيد بن علي بن الحسين بن زيد بن الحسن عن ابيه ،
دخل حديث بعضهم في حديث بعض والمعنى قريب ، قالوا . خطب الحسن بن علي بعد وفاة امير المؤمنين علي عليه السلام ، فقال . لقد قبض في هذه الليلة رجل لم يسبقه الاولون بعمل ، ولا يدركه الآخرون بعمل ، ولقد كان يجاهد مع رسول الله صلى الله عليه وآله فيقيه بنفسه ، ولقد
- ص 33 -
كان يوجهه برايته فيكتنفه جبرئيل عن يمينه ، وميكائيل عن يساره ، فلا يرجع حتى يفتح الله عليه ، ولقد توفي في هذه الليلة التي عرج فيها بعيسى بن مريم ولقد توفي فيها يوشع بن نون وصي موسى ، وما خلف صفراء ولا بيضاء إلا سبعمائة درهم
بقيت من عطائه أراد أن يبتاع بها خادما لاهله ثم خنقته العبرة فبكى وبكى الناس معه . ثم قال : أيها الناس ، من عرفني فقد عرفني ، ومن لم يعرفني فأنا الحسن بن محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، أنا ابن البشير ، أنا ابن النذير ، أنا ابن الداعي إلى
الله عزوجل بإذنه ، وأنا ابن السراج المنير ، وأنا من أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ، والذين افترض الله مودتهم في كتابه إذ يقول : ( ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا ) . فاقتراف الحسنة مودتنا أهل البيت .
قال أبو مخنف عن رجاله : ثم قام ابن عباس بين يديه ، فدعا الناس إلى بيعته فاستجابوا له وقالوا : ما أحبه إلينا وأحقه بالخلافة فبايعوه ثم نزل عن المنبر . قال : ودس معاوية رجلا من بني حمير إلى الكوفة ، ورجلا من بني القين إلى البصرة
يكتبان إليه بالاخبار ، فدل على الحميري عند لحام جرير ودل على القيني بالبصرة في بني سليم فأخذا وقتلا . وكتب الحسن إلى معاوية : أما بعد ، فإنك دسست إلى الرجال كأنك تحب اللقاء ، وما أشك في ذلك فتوقعه إن شاء الله ، وقد بلغني أنك
شمت بمالا يشمت به ذوو الحجى ، وإنما مثلك في ذلك كما قال الاول : وقل اللذي يبغي خلاف الذي مضى * تجهز لاخرى مثلها فكأن قد وإنا ومن قد مات منا لكالذي * يروح ويمسي في المبيت ليغتدي
فأجابه معاوية : أما بعد ، فقد وصل كتابك ، وفهمت ما ذكرت فيه ولقد علمت بما حدث
- ص 34 -
فلم أفرح ولم أحزن ولم أشمت ولم آس ، وإن علي بن أبي طالب كما قال أعشى بني قيس بن ثعلبة :
وانت الجواد وانت الذي * إذاما القلوب ملان الصدورا
جدير بطعنة يوم اللقا * ء تضرب منها النساء النحورا
وما مزبد من خليج البحا * ر يعلو الاكام ويعلو الجسورا
بأجود منه بما عنده * فيعطي الالوف ويعطي البدورا
قال : وكتب عبد الله بن العباس من البصرة إلى معاوية : اما بعد ، فإنك ودسك اخا بني قين إلى البصرة تلتمس من غفلات قريش مثل الذي ، ظفرت به من يمانيتك لكما قال بن الاسكر .
لعمرك إنى والخزاعي طارقا * كنعجة عاد حتفها تتحفر
اثارت عليها شفرة بكراعها * فظلت بها من آخر الليل تنحر
شمت بقوم من صديقك اهلكوا اصابهم يوم من الدهر اعسر
فأجابه معاوية : اما بعد ، فإن الحسن بن علي قد كتب إلى بنحو مما كتبت به ، وانبأني بما لم اجز ظنا وسوء راى وإنك لم تصب مثلكم ومثلى ولكن مثلنا ما قاله طارق الخزاعي يجيب امية عن هذا الشعر :
فوالله ما ادري وإني لصادق * إلى اي من يظنني اتعذر
اعنف ان كانت زبينة اهلكت * ونال بني لحيان شر فأنفروا
قال أبو الفرج : وكان اول شئ احدث الحسن انه زاد المقاتلة مائة مائة وقد كان على فعل ذلك يوم الجمل ، والحسن فعله على حال الاستخلاف ، فتبعه الخلفاء من بعد ذلك .
وكتب الحسن إلى معاوية مع جندب بن عبد الله الازدي :
- ص 35 -
بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله الحسن امير المؤمنين إلى معاوية بن ابي سفيان ، سلام عليك فإني احمد الله الذي لا إله إلا هو ، اما بعد : فإن الله تعالى عزوجل بعث محمدا صلى الله عليه وآله رحمة للعالمين ، ومنة على المؤمنين وكافة إلى
الناس اجمعين " لينذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين " فبلغ رسالات الله وقام على امر الله حتى توفاه الله غير مقصر ولا وان ، حتى اظهر الله به الحق ، ومحق به الشرك ونصر به المؤمنين واعز به العرب وشرف به قريشا خاصة ، فقال
تعالى : " وإنه لذكر لك ولقومك " فلما توفي صلى الله عليه وآله تنازعت سلطانه العرب فقالت قريش : نحن قبيلته واسرته واوليائه ولا يحل لكم ان تنازعونا سلطان محمد في الناس وحقه ، فرأت العرب ان القول كما قالت قريش وان الحجة لهم
في ذلك على من نازعهم امر محمد - صلى الله عليه وآله - فأنعمت لهم العرب وسلمت ذلك ، ثم حاججنا نحن قريشا بمثل ما حاجت به العرب فلم تنصفنا قريش إنصاف العرب لها إنهم اخذوا هذا الامر دون العرب بالانتصاف والاحتجاج فلما صرنا
اهل بيت محمد واوليائه إلى محاجتهم وطلب النصف منهم باعدونا واستولوا بالاجتماع على ظلمنا ومراغمتنا والعنت منهم لنا فالموعد الله وهو الولي النصير . وقد تعجبنا لتوثب المتوثبين علينا في حقنا وسلطان نبينا صلى الله عليه وآله وإن كانوا ذوي
فضيلة وسابقة في الاسلام فأمسكنا عن منازعتهم مخافة على الدين ان يجد المنافقون والاحزاب بذلك مغمزا يثلمونه به أو يكون لهم بذلك سبب لما ارادوا به من فساده ، فاليوم فليعجب المتعجب من توثبك يا معاوية على امر لست من اهله لا بفضل
في الدين معروف ولا اثر في الاءسلام محمود وانت ابن حزب من الاحزاب وابن اعدى قريش لرسول الله صلى الله عليه وآله ولكن الله خيبك ، سترد فتعلم لمن عقبى الدار ، تالله لتلقين عن قليل ربك ثم ليجزينك بما قدمت يداك وما الله بظلام للعبيد . إن عليا - رضوان الله عليه - لما مضى لسبيله - رحمة الله عليه - يوم قبض
- ص 36 -
ويوم من الله عليه بالاسلام ، ويوم يبعث حيا - ولاني المسلمون الامر بعده فأسأل الله ان لا يزيدنا في الدنيا الزائلة شيئا ينقصنا به في الآخرة مما عنده من كرامته وإنما حملني على الكتاب اليك الاءعذار فيما بيني وبين الله سبحانه وتعالى في امرك ولك
في ذلك إن فعلت الحظ الجسيم وللمسلمين فيه صلاح فدع التعادي في الباطل وادخل فيما دخل فيه الناس من بيعتي فانك تعلم انى احق بهذا الامر منك عند الله وعند كل اواب حفيظ ومن له قلب منيب واتق الله ودع البغي واحقن دماء المسلمين فوالله
مالك من خير في ان تلقى الله من دمائهم بأكثر مما انت لاقيه به فادخل في السلم والطاعة ولا تنازع الامر اهله ومن هو احق به منك ليطفئ الله النائرة بذلك وتجمع الكلمة وتصلح ذات البين وإن انت ابيت إلا التمادي في غيك نهدت اليك بالمسلمين فحاكمتك حتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين .
فكتب إليه معاوية : بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله امير المؤمنين إلى الحسن بن علي ، سلام عليك فاني احمد اليك الله الذي لا إله إلا هواما بعد فقد بلغني كتابك وفهمت ما ذكرت به رسول الله صلى الله عليه وآله من الفضل وهو احق الاولين
والآخرين بالفضل كله قديمه وحديثه وصغيره وكبيره فقد والله بلغ فأدى ونصح وهدى حتى انقذ الله به من التهلكة وانار به من العمى وهدى به من الضلالة فجزاه الله افضل ما جزى نبيا عن امته وصلوات الله عليه يوم ولد ويوم قبض ويوم يبعث حيا .
وذكرت وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتنازع المسلمين من بعده فرايتك صرحت بتهمة ابي بكر الصديق وعمر الفاروق وابي عبيدة الامين وحواري الرسول صلى الله عليه وآله وصلحاء المهاجرين والانصار ، فكرهت ذلك لك فانك امرؤ عندنا
وعند الناس غير ظنين ولا المسئ ولا اللئيم وانا احب لك القول السديد والذكر الجميل إن هذه الامة لما اختلفت بعد نبيها لم تجهل فضلكم ولا سابقتكم ولا
- ص 37 -
قرابتكم من النبي ولا مكانتكم في الاسلام واهله فرات الامة ان تخرج من هذا الامر لقريش لمكانها من نبيها وراى صلحاء الناس من قريش والانصار وغيرهم من سائر الناس وعامتهم ان يولوا هذا الامر من قريش اقدمها إسلاما واعلمها بالله واحبها
له واقواها على امر الله واختاروا ابا بكر وكان ذلك راي ذوي الحجى والدين والفضيلة والناظرين للامة فأوقع ذلك في صدوركم لهم التهمة ولم يكونوا بمتهمين ولا فيما اتوا بمخطئين ، ولو راى المسلمون فيكم من يغنى غناءه أو يقوم مقامه أو
يذب عن حريم المسلمين ذبه ما عدلوا بذلك الامر إلى غيره رغبة عنه ولكنهم عملوا في ذلك بما رأوه صلاحا للاسلام واهله فالله يجزيهم عن الاسلام وأهله خيرا وقد فهمت الذي دعوتني إليه من الصلح ، والحال فيما بيني وبينك اليوم مثل الحال التي
كنتم عليها أنتم وابو بكر بعد النبي صلى الله عليه وآله ولو علمت أنك أضبط مني للرعية واحوط على هذه الامة واحسن سياسة واقوى على جمع الاموال واكيد للعدو لاجبتك إلى ما دعوتني إليه ورأيتك لذلك اهلا ولكني قد علمت أنى أطول منك
ولاية واقدم منك لهذه الامة تجربة واكثر منك سياسة واكبر منك سنا ، فأنت احق ان تجيبني إلى هذه المنزلة التي سألتني ، فادخل في طاعتي ولك الامر من بعدي ، ولك ما في بيت مال العراق من مال بالغا ما بلغ تحمله إلى حيث احببت ولك خراج
اي كور العراق شئت معونة لك على نفقتك يجيبها لك امينك ويحملها اليك في كل سنة ولك الا يستولي عليك بالاساءة ولا تقضى دونك الامور ولا تعصى في أمر اردت به طاعة الله عزوجل . اعاننا الله وإياك على طاعته إنه سميع مجيب الدعاء والسلام .
قال جندب : فلما أتيت الحسن بن علي بكتاب معاوية قلت له : إن الرجل سائر اليك فابدأ أنت بالمسير حتى تقاتله في ارضه وبلاده وعمله ، فاما ان تقدر أنه يتناولك فلا والله حتى يرى يوما اعظم من يوم صفين ، فقال : أفعل ثم قعد عن مشورتي وتناسي قولي .
- ص 38 -
قال : وكتب معاوية إلى الحسن بن علي : بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد ، فان الله عزوجل يفعل في عباده ما يشاء ( لا معقب لحكمه وهو سريع الحساب ) فاحذر ان تكون منيتك على يد رعاع من الناس وايئس من أن تجد فينا غميزة ، وإن أنت أعرضت عما أنت فيه وبايعتني وفيت لك بما وعدت ، واجزت لك ما شرطت واكون في ذلك كما قال اعشى بني قيس بن ثعلبة :
وإن احد اسدي اليك امانة * فأوف بها تدعى إذا مت وافيا
ولا تحسد المولى إذا كان ذا غنى * ولا تجفه إن كان في المال فانيا
ثم الخلافة لك من بعدي فأنت اولى الناس بها والسلام .
فأجابه الحسن بن علي : بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد : وصل إلي كتابك تذكر فيه ما ذكرت ، فتركت جوابك خشية البغي عليك وبالله اعوذ من ذلك ، فاتبع الحق تعلم أنى من أهله ، وعلي اثم ان اقول فأكذب ، والسلام .
فلما وصل كتاب الحسن الى معاوية قرأه ثم كتب إلى عماله على النواحي نسخة واحدة : بسم الله الرحمن الرحيم من معاوية أمير المؤمنين إلى فلان بن فلان ومن قبله من المسلمين ، سلام عليكم فاني احمد اليكم الله الذي لا إله إلا هو أما بعد فالحمد
لله الذي كفاكم مؤنة عدوكم وقتلة خليفتكم إن الله بلطفه وحسن صنعه اتاح لعلي بن أبي طالب رجلا من عباده فاغتاله فقتله فترك اصحابه متفرقين مختلفين وقد جاءتنا كتب اشرافهم وقادتهم يلتمسون الامان لانفسهم وعشائرهم فاقبلوا إلي حين يأتيكم كتابي هذا بجندكم وجهدكم وحسن عدتكم فقد اصبتم بحمد الله الثأر وبلغتم الامل واهلك
- ص 39 -
الله اهل البغي والعدوان ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
قال : فاجتمعت العساكر إلى معاوية بن ابي سفيان وسار قاصدا إلى العراق وبلغ الحسن خبر مسيره وانه بلغ جسر منبج فتحرك لذلك وبعث حجر بن عدي يأمر العمال والناس بالتهيؤ للمسير ونادى المنادي : الصلاة جامعة فأقبل الناس يثوبون
ويجتمعون فقال الحسن : إذا رضيت جماعة الناس فأعلمني وجاء سعيد بن قيس الهمداني فقال : اخرج فخرج الحسن - عليه السلام - فصعد المنبر فحمد الله واثنى عليه ثم قال : اما بعد :
فان الله كتب الجهاد على خلقه وسماه كرها . ثم قال لاهل الجهاد من المؤمنين ( واصبروا إن الله مع الصابرين ) فلستم ايها الناس نائلين ما تحبون إلا بالصبر على ما تكرهون إنه بلغني ان معاوية بلغه انا كنا ازمعنا على المسير إليه فتحرك لذلك
فاخرجوا - رحمكم الله - إلى معسكركم بالنخيلة حتى ننظر وتنظروا ونرى وتروا . قال : وإنه في كلامه ليتخوف خذلان الناس إياه . قال : فسكتوا فما تكلم منهم أحد ولا اجاب بحرف .
فلما راى ذلك عدي بن حاتم قال : انا ابن حاتم سبحان الله ، ما اقبح هذا المقام ؟ الا تجيبون إمامكم وابن بنت نبيكم اين خطباء مضر ؟ اين المسلمون ؟ اين الخواضون من اهل المصر الذين السنتهم كالمخاريق في الدعة فإذا جد الجد فرو اغون كالثعالب اما تخافون مقت الله ولا عيبها وعارها .
ثم استقبل الحسن بوجهه فقال : اصاب الله بك المراشد ، وجنبك المكاره ووفقك لما يحمد ورده وصدره فقد سمعنا مقالتك وانتهينا إلى امرك وسمعنا منك واطعناك فيما قلت وما رايت وهذا وجهي إلى معسكري فمن احب ان يوافيني فليوافي .
ثم مضى لوجهه فخرج من المسجد ودابته بالباب فركبها ومضى إلى النخيلة وامر غلامه ان يلحقه بما يصلحه ، وكان عدي اول الناس عسكرا . ثم قام قيس بن سعد بن عبادة الانصاري ومعقل بن قيس الرياحي ، وزياد
- ص 40 -
ابن صعصعة التيمي فأنبوا الناس ولاموهم وحرضوهم وكلموا الحسن بمثل كلام عدي ابن حاتم في الاجابة والقبول . فقال لهم الحسن : صدقتم - رحمكم الله - ما زلت اعرفكم بصدق النية والوفاء بالقول والمودة الصحيحة فجزاكم الله خيرا ثم نزل .
وخرج الناس ، فعسكروا ونشطوا للخروج وخرج الحسن إلى معسكره واستخلف على الكوفة المغيرة بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب وامره باستحثاث الناس وإشخاصهم إليه فجعل يستحثهم ويخرجهم حتى التأم العسكر .
ثم إن الحسن بن علي سار في عسكر عظيم وعدة حسنة حتى أتى دير عبد الرحمن فأقام به ثلاثا حتى اجتمع الناس ثم دعا عبيدالله بن العباس بن عبد المطلب فقال له : يابن عم إني باعث معك اثنا عشر الفا من فرسان العرب وقراء المصر ، الرجل
منهم يزن الكتيبة فسر بهم والن لهم جانبك وابسط وجهك وافرش لهم جناحك وادنهم من مجلسك فأنهم بقية ثقة امير المؤمنين صلوات الله عليه وسر بهم على شط الفرات حتى تقطع بهم الفرات ثم تصير إلى مسكن ثم امض حتى تستقبل معاوية فان
انت لقيته فاحبسه حتى آتيك فانى في إثرك وشيكا وليكن خبرك عندي كل يوم وشاور هذين ، يعني قيس بن سعد وسعيد بن قيس فإذا لقيت معاوية فلا تقاتله حتى يقاتلك فان فعل فقاتل فان اصبت فقيس بن سعد على الناس وإن اصيب قيس فسعيد بن
قيس على الناس ثم امره بما اراد . وسار عبيدالله حتى انتهى إلى شينور حتى خرج إلى شاهى ثم لزم الفرات والفالوجة حتى اتى مسكن . واخذ الحسن على حمام عمر حتى اتى دير كعب ثم بكر فنزل ساباط دون القنطرة فلما اصبح نادى في الناس : الصلاة جامعة فاجتمعوا وصعد المنبر فخطبهم فحمد الله فقال :
- ص 41 -
الحمد لله كلما حمده حامد ، وأشهد أن لا إله إلا الله كلما شهد له شاهد ، وأشهد أن محمدا رسول الله أرسله بالحق وائتمنه على الوحي ، صلى الله عليه وآله .
أما بعد ، فوالله إنى لارجو أن أكون قد أصبحت بحمد الله ومنه وأنا انصح خلق الله لخلقه ، وما أصبحت محتملا على مسلم ضغينة ولا مريدا له سوءا ولا غائلة ، ألا وإن ما تكرهون في الجماعة خير لكم مما تحبون في الفرقة ، الا وانى ناظر لكم خيرا من نظركم لانفسكم ، فلا تخالفوا امري ولا تردوا علي رأيي غفر الله لي ولكم وارشدني وإياكم لما فيه المحبة والرضا.
قال : فنظر الناس بعضهم إلى بعض ، وقالوا : ما ترونه ، يريد بما قال ؟ قالوا : نظنه والله يريد ان يصالح معاوية ويسلم الامر إليه فقالوا : كفر والله الرجل ثم شدوا على فسطاطه فانتهبوه حتى اخذوا مصلاه من تحته ، ثم شد عليه عبد الرحمان ابن
عبد الله بن جعال الازدي فنزع مطرفه عن عاتقه ، فبقي جالسا متقلدا السيف بغير رداء ، ثم دعا بفرسه فركبه ، واحدق به طوائف من خاصته وشيعته ، ومنعوا منه من اراده ولاموه وضعفوه لما تكلم به فقال : ادعوا لي ربيعة وهمدان فدعوا له
فأطافوا به ، ودفعوا الناس عنه ومعهم شوب من غيرهم ، فقام إليه رجل من بني اسد من بني نصر بن قعين يقال له الجراح بن سنان فلما مر في مظلم ساباط قام إليه فأخذ بلجام بغلته وبيده معول فقال : الله اكبر يا حسن اشركت كما اشرك ابوك من
قبل ثم طعنه فوقعت الطعنة في فخذه فشقته حتى بلغت اربيته فسقط الحسن إلى الارض بعد ان ضرب الذي طعنه بسيف كان بيده واعتنقه وخرا جميعا إلى الارض فوثب عبد الله بن الخطل فنزع المعول من يد الجراح بن سنان فخضخضه به واكب ظبيان ابن عمارة عليه فقطع انفه ثم اخذوا الآجر فشدخوا وجهه ورأسه حتى قتلوه .
وحمل الحسن على سرير إلى المدائن وبها سعد بن مسعود الثقفي واليا عليها من قبله ، وكان علي ولاه فأقره الحسن بن علي ، فأقام عنده يعالج نفسه . قال : ثم إن معاوية وافى حتى نزل قرية يقال لها الحيوضية بمسكن ، فأقبل
- ص 42 -
عبد الله بن العباس حتى نزل بإزائه ، فلما كان من غد وجه معاوية بخيله إليه فخرج إليهم عبيدالله بن العباس فيمن معة ، فضربهم حتى ردهم إلى معسكرهم ، فلما كان الليل ارسل معاوية إلى عبيدالله بن العباس ان الحسن قد راسلني في الصلح
وهو مسلم الامر إلي فان دخلت في طاعتي الآن كنت متبوعا وإلا دخلت وأنت تابع ولك إن جئتني الآن ان أعطيك الف الف درهم ، يعجل لك في هذا الوقت النصف وإذا دخلت الكوفة النصف الآخر ، فانسل عبيدالله ليلا فدخل عسكر معاوية فوفى له
بما وعده فأصبح الناس ينتظرون ان يخرج فيصلي بهم فلم يخرج حتى اصبحوا فطلبوه فلم يجدوه فصلى بهم قيس بن سعد بن عبادة ثم خطبهم فقال : أيها الناس : لا يهولنكم ولا يعظمن عليكم ما صنع هذا الرجل الوله الورع أي الجبان إن هذا واباه
واخاه لم يأتوا بيوم خير قط ، إن أباه عم رسول الله صلى الله عليه وآله خرج يقاتله ببدر فأسره أبو اليسر كعب بن عمرو الانصاري فأتى به رسول الله صلى الله عليه وآله ، فأخذ فداءه فقسمه بين المسلمين ، وإن اخاه ولاه علي امير المؤمنين على
البصرة فسرق مال الله ومال المسلمين فاشترى به الجواري وزعم ان ذلك له حلال وإن هذا ولاه على اليمن فهرب من بسر بن ارطاة وترك ولده حتى قتلوا وصنع الآن هذا الذي صنع . قال فتنادى الناس : الحمد لله الذي اخرجه من بيننا فانهض بنا
إلى عدونا فنهض بهم . وخرج إليهم بسر بن أرطاة في عشرين الفا فصاحوا بهم : هذا أميركم قد بايع وهذا الحسن قد صالح فعلام تقتلون انفسكم . فقال لهم قيس بن سعد بن عبادة اختاروا إحدى اثنتين : إما القتال مع غير إمام ، أو تبايعون بيعة ضلال، فقالوا : بل نقاتل بلا إمام ، فخرجوا فضربوا أهل الشام حتى ردوهم إلى مصافهم .
وكتب معاوية إلى قيس يدعوه ويمنيه فكتب إليه قيس : لا والله لا تلقاني ابدا إلا وبيني وبينك الرمح .
- ص 43 -
فكتب إليه معاوية : أما بعد : فإنما أنت يهودي ابن يهودي تشقى نفسك وتقتلها فيما ليس لك فان ظهر احب الفريقين اليك نبذك وعزلك ، وإن ظهر ابغضهما اليك نكل بك وقتلك وقد كان أبوك اوتر غير قوسه ، ورمى غير غرضه ، فأكثر الحز واخطأ المفصل فخذله قومه ، وادركه يومه فمات بحوران طريدا غريبا ، والسلام .
فكتب إليه قيس بن سعد * رحمه الله * : أما بعد : : فإنما أنت وثن بن وثن من هذه الاوثان ، دخلت في الإسلام كرها وأقمت عليه فرقا ، وخرجت منه طوعا ولم يجعل الله لك فيه نصيبا لم يقدم إسلامك ، ولم يحدث نفاقك ولم تزل حربا لله ورسوله
وحزبا من احزاب المشركين فأنت عدو الله ورسوله والمؤمنين من عباده . وذكرت ( ان ) ، ولعمري ما اوتر إلا قوسه ولا رمى إلا غرضه فشغب عليه من لا تشق غباره ولا تبلغ كعبه ، وكان امرا مرغوبا عنه مزهودا فيه . وزعمت اني يهودي
ابن يهودي ولقد علمت وعلم الناس أني وأبي من انصار الدين الذي خرجت منه ، وأعداء الدين الذي دخلت فيه وصرت إليه والسلام .
فلما قرأ كتابه معاوية غاظه واراد إجابته فقال له عمرو : مهلا إن كاتبته اجابك بأشد من هذا ، وإن تركته دخل فيما دخل فيه الناس فأمسك عنه . قال : وبعث معاوية عبد الله بن عامر وعبد الرحمن بن سمرة إلى الحسن للصلح فدعواه إليه ، وزهداه
في الامر واعطياه ما شرط له معاوية وإلا يتبع احد بما مضى ولا ينال احد من شيعة علي بمكروه ولا يذكر علي إلا بخير ، واشياء اشترطها الحسن عليه السلام فأجابه الحسن إلى ذلك ، وانصرف قيس فيمن معه إلى الكوفة وانصرف الحسن إليها
ايضا واقبل معاوية قاصدا الى الكوفة واجتمع الى الحسن وجوه الشيعة واكابر اصحاب امير المؤمنين علي يلومونه ويبكون إليه جزعا مما فعله .
فحدثني محمد بن الحسين الاشناني وعلي بن العباس المقانعي قالا : حدثنا
- ص 44 -
عباد بن يعقوب قال : اخبرنا عمرو بن ثابت عن الحسن بن حكم عن عدي بن ثابت عن سفيان بن ابي ليلى . وحدثني محمد بن احمد أبو عبيد قال : حدثنا الفضل بن الحسن المصري قال : حدثنا محمد بن عمرويه قال : حدثنا مكي بن ابراهيم ، قال :
حدثنا السري بن اسماعيل عن الشعبي عن سفيان بن أبي ليلى دخل حديث بعضهم في حديث بعض واكثر اللفظ لابي عبيدة قال : اتيت الحسن بن علي حين بايع معاوية فوجدته بفناء داره عنده رهط فقلت : السلام عليك يا مذل المؤمنين فقال عليك السلام
يا سفيان إنزل فنزلت فعقلت راحلتي ثم اتيته فجلست إليه فقال : كيف قلت يا سفيان : فقلت : السلام عليك يا مذل رقاب المؤمنين . فقال : ما جر هذا منك الينا ؟ فقلت : انت والله - بأبي انت وامي - اذللت رقابنا حين اعطيت هذا الطاغية البيعة
وسلمت الامر إلى اللعين بن اللعين بن آكلة الاكباد ومعك مائة الف كلهم يموت دونك . وقد جمع الله لك امر الناس . فقال : يا سفيان ، إنا أهل بيت إذا علمنا الحق تمسكنا به ، وإني سمعت عليا يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : لا
تذهب الليالي والايام حتى يجتمع امر هذه الامة على رجل واسع السرم ضخم البلعوم يأكل ولا يشبع لا ينظر الله إليه ولا يموت حتى لا يكون له في السماء عاذر ولا في الارض ناصر وإنه لمعاوية وإني عرفت ان الله بالغ امره . ثم اذن المؤذن
فقمنا على حالب يحلب ناقة فتناول الإناء فشرب قائما ثم سقاني فخرجنا نمشي إلى المسجد فقال لي : ما جاءنا بك يا سفيان ؟ قلت : حبكم والذي بعث محمدا بالهدى ودين الحق . قال : فأبشر يا سفيان فاني سمعت عليا يقول : سمعت رسول الله صلى
الله عليه وآله يقول : يرد علي الحوض اهل بيتي ومن احبهم من امتي كهاتين ، يعني السبابتين . ولو شئت لقت هاتين يعني السبابة والوسطى ، إحداهما تفضل على الاخرى ، ابشر يا سفيان فان الدنيا تسع البر والفاجر حتى يبعث الله إمام الحق من آل محمد صلى الله عليه وآله . هذا لفظ أبي عبيد .
- ص 45 -
وفي حديث محمد بن الحسين ، وعلي بن العباس بعض هذا الكلام موقوفا عن الحسن غير مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وآله إلا في ذكر معاوية فقط .
* ( رجع الحديث إلى خبر الحسن عليه السلام ) *
قال : وسار معاوية حتى نزل النخيلة وجمع الناس بها فخطبهم قبل أن يدخل الكوفة خطبة طويلة لم ينقلها احد من الرواة تامة ، وجاءت مقطعة في الحديث وسنذكر ما انتهى الينا من ذلك . فحدثني احمد بن عبيدالله بن عمار قال : حدثني احمد بن بشر
عن الفضل ابن الحسن وعيسى بن مهران ، قالوا : حدثنا علي بن الجعد قال : حدثنا قيس بن الربيع عن عطاء بن السائب . عن الشعبي قال : خطب معاوية حين بويع له فقال : ما اختلفت أمة بعد نبيها إلا ظهر أهل باطلها على أهل حقها ، ثم إنه انتبه فندم فقال : إلا هذه الامة فإنها وإنها .
حدثني أبو عبيد قال : حدثني الفضل المصري قال : حدثنا يحيى بن معين قال حدثنا أبو أسامة عن مجالد عن الشعبي بهذا . حدثني علي بن العباس المقانعي قال : أخبرنا جعفر بن محمد بن الحسين الزهري قال : حدثنا حسن بن الحسين عن عمرو بن
ثابت عن أبي إسحاق قال . سمعت معاوية بالنخيلة يقول . ألا إن كل شئ اعطيته الحسن بن علي تحت قدمي هاتين لا افي به قال أبو إسحاق . وكان والله غدارا .
حدثني أبو عبيد قال . حدثنا الفضل المصري قال . حدثني عثمان بن أبي شيبة قال . حدثني أبو معاوية عن الاعمش وحدثني أبو عبيد قال . حدثنا فضل قال حدثنا عبد الرحمن بن شريك . قال حدثنا ابي عن الاعمش عن عمرو بن مرة عن سعيد بن سويد
قال . صلى بنا معاوية بالنخيلة الجمعة في الصحن ثم خطبنا فقال . إني والله ما قاتلتكم لتصلوا ولا لتصوموا ولا لتحجوا ولا لتزكوا إنكم لتفعلون ذلك . وانما قاتلتكم لاتأمر عليكم وقد اعطاني الله ذلك وانتم كارهون .
- ص 46 -
قال شريك في حديثه : هذا هو التهتك .
حدثني أبو عبيد قال : حدثنا فضل قال . حدثني يحيى بن معين قال . حدثنا أبو حفص الابار عن إسماعيل بن عبد الرحمن وشريك بن ابي خالد وقد روى عنه إسماعيل بن ابي خالد عن حبيب بن ابي ثابت قال : لما بويع معاوية خطب فذكر عليا
فنال منه ونال من الحسن ، فقام الحسين ليرد عليه فأخذ الحسن بيده فأجلسه ثم قام فقال : ايها الذاكر عليا ، انا الحسن وابي علي وانت معاوية وابوك صخر وامي فاطمة وامك هند وجدي رسول الله صلى الله عليه وآله وجدك حرب وجدتي خديجة
وجدتك قتيلة ، فلعن الله اخملنا ذكرا ، وألامنا حسبا وشرنا قدما . واقدمنا كفرا ونفاقا . فقال طوائف من اهل المسجد : آمين . قال فضل : فقال يحيى بن معين : ونحن نقول : آمين . قال أبو عبيد : ونحن ايضا نقول . آمين . قال أبو الفرج . وانا اقول .
آمين . قال . ودخل معاوية الكوفة بعد فراغه من خطبته بالنخيلة ، وبين يديه خالد ابن عرفطة ومعه رجل يقال له حبيب بن عمار يحمل رايته حتى دخل الكوفة فصار إلى المسجد فدخل من باب الفيل فاجتمع الناس إليه .
فحدثني أبو عبيد الصيرفي واحمد بن عبيدالله بن عمار ، قالا : حدثنا محمد ابن علي بن خلف قال : حدثني محمد بن عمرو الرازي قال : حدثنا مالك بن شعير عن محمد بن عبد الله الليثي عن عطاء بن السائب عن ابيه قال : بينما علي - عليه السلام -
على المنبر إذ دخل رجل فقال . يا امير المؤمنين مات خالد بن عرفطة فقال . لا والله ما مات . إذ دخل رجل آخر فقال . يا أمير المؤمنين مات خالد بن عرفطة فقال . لا والله ما مات إذ دخل رجل آخر فقال . يا امير المؤمنين مات خالد بن عرفطة ؟
فقال . لا والله ما مات ولا يموت حتى يدخل من باب هذا المسجد " يعني باب الفيل " براية ضلالة يحملها له حبيب بن عمار قال فوثب رجل فقال يا امير المؤمنين انا حبيب ابن عمار وانا لك شيعة قال . فانه كما اقول . فقدم خالد بن عرفطة على مقدمة معاوية
- ص 47 -
يحمل رايته حبيب بن عمار . قال مالك .
حدثنا الاعمش بهذا الحديث فقال . حدثني صاحب هذا الدار - واشار بيده إلى دار السائب ابي عطاء - انه سمع عليا يقول هذه المقالة . قالوا . ولما تم الصلح بين الحسن ومعاوية ارسل إلى قيس بن سعد بن عبادة يدعوه إلى البيعة فأتى به وكان رجلا
طويلا يركب الفرس المسرف ورجلاه تخطان في الارض وما في وجهه طاقة شعر ، وكان يسمى خصي الانصار ، فلما ارادوا ان يدخلوه إليه قال . أنى قد حلفت ان لا القاه إلا بيني وبينه الرمح أو السيف ، فأمر معاوية برمح أو سيف فوضع بينه وبينه ليبر يمينه .
فحدثني احمد بن عيسى قال . حدثني أبو هاشم الرفاعي قال . حدثنا وهب ابن جرير قال . حدثنا ابي عن ابن سيرين عن عبيدة ، وقد ذكر بعض ذلك في رواية ابي مخنف التي قدمنا إسنادها قال . لما صالح الحسن معاوية اعتزل قيس بن سعد في اربعة آلاف وابى ان يبايع فلما بايع الحسن ادخل قيس بن سعد ليبايع .
قال أبو مخنف في حديثه . فأقبل على الحسن فقال . انا في حل من بيعتك قال . نعم قال . فألقى لقيس كرسي وجلس معاوية على سريره فقال له معاوية . اتبايع يا قيس ؟ قال نعم فوضع يده على فخذه ولم يمدها إلى معاوية فجثا معاوية على سريره واكب على قيس حتى مسح يده على يده فما رفع قيس إليه يده .
حدثني أبو عبيد قال . حدثنا فضل المصري قال . حدثنا شريح بن يونس قال . حدثنا أبو حفص الابار عن إسماعيل بن عبد الرحمن : ان معاوية أمر الحسن ان يخطب لما سلم الامر إليه وظن ان سحيصر فقال في خطبته : إنما الخليفة من سار بكتاب
الله وسنة نبيه صلى الله عليه وآله وليس الخليفة من سار بالجور ذلك ملك ملك ملكا يمتع به قليلا ثم تنقطع لذته وتبقى تبعته : ( وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين ) . قال : وانصرف الحسن رضى الله عنه إلى المدينة فأقام بها واراد معاوية البيعة
- ص 48 -
لابنه يزيد فلم يكن شئ اثقل من أمر الحسن بن علي وسعد بن ابي وقاص فدس اليهما سما فماتا منه .
حدثني احمد بن عبيدالله بن عمار قال : حدثنا عيسى بن مهران قال : حدثنا عبيد بن الصباح الخراز قال : حدثني جرير عن مغيرة قال . ارسل معاوية إلى ابنة الاشعث إني مزوجك بيزيد ابني على ان تسمي الحسن بن علي وبعث إليها بمائة الف
درهم فقبلت وسمت الحسن فسوغها المال ولم يزوجها منه فخلف عليها رجل من آل طلحة فأولدها فكان إذا وقع بينهم وبين بطون قريش كلام عيروهم وقالوا : يا بني مسمة الازواج .
حدثني احمد بن عبيدالله قال . حدثني عيسى بن مهران قال : حدثنا يحيى ابن ابي بكير قال : حدثنا شعبة عن ابي بكر بن حفص قال : توفى الحسن بن علي وسعد بن ابي وقاص في ايام بعد ما مضى من إمارة معاوية عشر سنين وكانوا يرون انه سقاهما سما .
أخبرنا احمد بن محمد الهمداني قال : حدثنا يحيى بن الحسن العلوي قال : حدثنا سلمة بن شبيب قال : حدثنا عبد الرزاق قال اخبرنا معمر قال . حدثني من سمع ابن سيرين يحدث مولى للحسن بن علي وحدثني احمد بن عبيدالله بن عمار قال . حدثنا
عيسى بن مهران، قال . حدثنا عثمان بن عمرو قال. حدثنا أبو عون عن عمير بن إسحاق - واللفظ له - قال . كنت مع الحسن والحسين في الدار فدخل الحسن المخرج ثم خرج فقال . لقد سقيت السم مرارا ما سقيته مثل هذه المرة ولقد لفظت قطعة من
كبدي فجعلت أقلبها بعود معي فقال له الحسين . من سقاكه ؟ فقال وما تريد منه ؟ اتريد ان تقتله إن يكن هو هو فالله اشد نقمة منك وإن لم يكن هو فما احب ان يؤخذ بي بريئ .
ودفن الحسن في جنب قبر فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله في البقيع في ظلة بني نبيه ، وقد كان اوصى ان يدفن مع رسول الله صلى الله عليه وآله فمنع
- ص 49 -
مروان بن الحكم من ذلك وركبت بنو أمية في السلاح وجعل مروان يقول . يا رب هيجا هي خير من دعة ، ايدفن عثمان في اقصى البقيع ويدفن الحسن في بيت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ؟ والله لا يكون ذلك ابدا وانا احمل السيف فكادت
الفتنة تقع . وابي الحسين ان يدفنه إلا مع النبي صلى الله عليه وآله فقال له عبد الله بن جعفر . عزمت عليك بحقي الا تكلم بكلمة فمضى به إلى البقيع وانصرف مروان بن الحكم .
اخبرني احمد بن سعيد قال . حدثنا يحيى بن الحسن بن بكار عن محمد بن اسماعيل عن قائد مولى عباد وحدثنا جرمي عن زبير فقال . عبادك وهو الصواب وقال احمد بن سعيد هو عبادك ولكن هكذا قال يحيى بن عبيدالله بن علي اخبره وغيره اخبره
ان الحسن بن علي ارسل إلى عائشة ان تأذن له ان يدفن مع النبي صلى الله عليه وآله فقالت . نعم ما كان بقي إلا موضع قبر واحد فلما سمعت بذلك بنو امية اشتملوا بالسلاح هم وبنو هاشم للقتال وقالت بنو امية . والله لا يدفن مع النبي ( صلى الله
عليه وآله ) ابدا فبلغ ذلك الحسن فأرسل إلى اهله اما إذا كان هذا فلا حاجة لي فيه ادفنوني إلى جانب امي فاطمة فدفن إلى جنب امه فاطمة عليها السلام .
قال يحيى بن الحسن . وسمعت علي بن طاهر بن زيد يقول . لما ارادوا دفنه ركبت عائشة بغلا واستنفرت بني امية مروان بن الحكم ومن كان هناك منهم ومن حشمهم وهو القائل : فيوما على بغل ويوما على جمل .
وقال علي بن الحسن بن علي بن حمزة العلوي عن عمه محمد عن المدايني عن جويرية بن اسماء قال : لما مات الحسن بن علي " ع " واخرجوا جنازته حمل مروان سريره فقال له الحسين " ع " أتحمل سريره ؟ اما والله لقد كنت تجرعه الغيظ فقال مروان : إني كنت افعل ذلك بمن يوازن حلمه الجبال .
حدثني محمد بن الحسين الاشناني قال : حدثنا عبد الله بن الوضاح قال :
- ص 50 -
حدثني ابن يمان عن الثوري عن سالم بن أبي حفصة عن ابي حازم : ان الحسين بن علي قدم سعيد بن العاص للصلاة على الحسن بن علي وقال تقدم فلولا انها سنة ما قدمتك .
حدثني أبو عبيد قال حدثنا فضل المصري قال حدثنا عبد الرحمن بن صالح قال حدثنا عمرو بن هشام عن عمر بن بشير الهمداني قال : قلت لابي إسحاق : متى ذل الناس ؟ قال حين مات الحسن " ع " وادعى زياد وقتل حجر بن عدي .
واختلف في مبلغ سن الحسن " ع " وقت وفاته . فحدثني احمد بن سعيد عن يحيى بن الحسن عن علي بن إبراهيم بن الحسن عن ابن أبي عمير عن هشام بن سالم وجميل بن دراج عن جعفر بن محمد انه توفي وهو ابن ثماني واربعين سنة .
حدثني احمد بن سعيد قال : حدثنا يحيى بن الحسن عن ابن حسين اللؤلؤي عن محمد بن سنان عن عبد الله بن مسكان عن ابي بصير عن جعفر بن محمد ان الحسن توفي وهو ابن ست واربعين .
وقال محمد بن علي بن حمزة . وفي الحسن بن علي يقول سليمان بن قتة :
ياكذب الله من نعى حسنا * ليس لتكذيب نعيه ثمن
كنت خليلي وكنت خالصتي * لكل حي من أهله سكن
اجول في الدار لا اراك وفي * الدار اناسي جوارهم غبن
بدلتهم منك ليت انهم * اضحوا وبيني وبينهم عدن