رثاء الشعراء:
كلا . إن رثاء رواد الحقائق لا كرثاء الميت العادي الذي يعني رثاؤه ختم حياته ودوره وإعطاءه اعتباره وكفى ثم إهالة التراب وغلق قبره..
إن رثاء رواد الحقائق هو إثراء للقيم والمفاهيم ذلك لأنهم شهداء بكل ما للكلمة من معنى.. فعلي الأكبر إذ يترنح أرضاً وأضحى طريح رمال ربى الطف يظلله فسطاط الشهداء إلى جانب الذين صرعوا ممن قد سبقوا عليّاً إذ هو في مرقده المقدس، كغيره كأبيه لم يزل فكراً نيراً ومثلاً شامخاً سامياً، ومن شأن الفكر والقضية المبدئية أن لا تنالها يد السوء والردى إن نالت الجسم والجسد.
ومحا الـردى يا قاتل الله الردى منه هلال دجـى وغـرّة فرقـدِ
يا نجعة الحيين هاشـم والنـدى وحمى الذمـارين العلا والسؤددِ
فلتذهب الدنيـا على الدنيا العفا ما بعد يومك من زمـان أرغـد
كيف ارتقت همم الردى لك صعدة مطـروده الكـعبيـن لـم تتأوّد
أفـديه مـن ريحـانة ريـانـة جفّت بحر ظـمى وحـرّ مهـنّد
بكر الذبول علـى نضارة غصنه إنّ الذبول لآفة الغصـن النـدي
لله بـدر مـن مـراق نـجيعـه مزج الحسـام لجينه بالعسـجد
ماء الصبا ودم الوريـد تجاريـاً فيه ولا هـب قلبـه لـم يخمد
لم أنسـه متعمّماً بشـبا الضبى بين الكماة وبالأسـنّة مرتـدي
خضبت ولكن مـن دم وفراتـه فاخضرّ ريحان العـذار الأسـود
هكذا يرثيه الشيخ العاملي - كما رثاه شيخ آخر بقوله:
يا نفس ذوبي أسىً يا قلب مـت كمـداً يا عيـن سحي دمـاً يا أدمع انسكبي
هذي المصائب لا مـا كـان في قـدمٍ لآل يعقوب من حـزن ومـن كـرب
أنى يضـاهـي ابـن طـه أو يمـاثله في الحزن يعقوب في بدء وفي عقب
إن أحـدبت ظـهره الأحـزان أو ذهب عيناه من مدمـع والرأس إن يشـب
فان يوسـف في الأحيـاء كان سـوى ان الفـراق دهـى أحشـاه بالعـطب
هـذا ويحضـره مــن ولـده فئـة وإنـه لنبــي كـان وابــن نبـي
فكيف حال ابن بنـت الوحي حين رأى شـبيه أحمد في خلق وفـي خطـب
موزعـاً جسـمـه بالبيـض منـفلقاً بضربهٍ رأسـه ملـقى على الكثـب
هنـاك نادى على الدنيـا العفا وغـدا يكفكف الدمـع إذ ينهـل كالسـحب
وللسيد ابراهيم الطباطبائي قصيدة منها:
فاسـتقبلوه وقطّـعوا جثـمانه إربـاً فإربـاً بالســيوف البتــّرِ
يلقى السيوف بطلق وجه أزهر كالبدر يشرق في العجاج الأكـدرِ(1)
تركت سـيوف أميّـة جثمـانه متوزّعـاً بيـن القنـا المتكسّــرِ
تعدو الجياد عليه وهي ضوابح عقـر الهاتيـك الجيـاد الضـمّـرِ
اننا ننتقي مقاطع أدبية شعرية قصيرة دون أن نطيل . ولم يكن هؤلاء شعراء محترفون للشعر، بل إنّ هذا ما جادت به قرائح علماء وأدباء شغفوا بحب أهل البيت، واستغرقوا في تصور أنشطتهم، والوقوف على أحداثهم وبطولاتهم، وروائع مواقف ثباتهم المبدئي.
ولنتمثل بأبيات أبي تمام حول علي الأكبر (عليه السلام):
ألا في سـبيل الله من عطـلت لـه فجـاج سـبيل الله وانثغـر الثـغر
فتـى كلما فاضـت عيـون قبيـلة دماً ضـحكت عنه الأحـاديث والذكر
فتى دهره شـطران فيمـا ينـوبه ففي بأسه شـطر وفي جوده شـطر
فتى مات بين الطعن والضرب ميتة تقـوم مقـام النصـر إن فاته النصر
وما مات حتى مـات مضرب سيفه من الضرب واعتلت عليه القنا السمر
غداة غدا والحمـد نسـج ردائـه فلـم ينصـرف إلا وأكفـانه الأجـر
تردى ثياب الموت حمراً فما دجـا له الليل إلا وهي من سـندس خضـر
____________
1-لأبي الحسن التهامي أبيات يرثي بها ولده وهكذا يقول:
يا كوكباً ما كان أقصـر عمره وكذاك عمر الكواكب الاسحار
وهلال أيام مضى لـم يستـدر بدراً ولم يمهل لوقت سـرار
عجل الخسوف عليه قبل أوانه فمحـاه قبل مظـنه الإبـدار
فكـأن قلبـي قـره وكــأنه في طيه سـر من الأسـرار
فإذا كان يصف ولده بالكوكب والهلال فماذا عساه يصف علياً لو رآه وماذا عسى الشعراء أن يقولوا بعلي أو ما عسى أن يقول أبوه أبياتاً فيه.
كلا . إن رثاء رواد الحقائق لا كرثاء الميت العادي الذي يعني رثاؤه ختم حياته ودوره وإعطاءه اعتباره وكفى ثم إهالة التراب وغلق قبره..
إن رثاء رواد الحقائق هو إثراء للقيم والمفاهيم ذلك لأنهم شهداء بكل ما للكلمة من معنى.. فعلي الأكبر إذ يترنح أرضاً وأضحى طريح رمال ربى الطف يظلله فسطاط الشهداء إلى جانب الذين صرعوا ممن قد سبقوا عليّاً إذ هو في مرقده المقدس، كغيره كأبيه لم يزل فكراً نيراً ومثلاً شامخاً سامياً، ومن شأن الفكر والقضية المبدئية أن لا تنالها يد السوء والردى إن نالت الجسم والجسد.
ومحا الـردى يا قاتل الله الردى منه هلال دجـى وغـرّة فرقـدِ
يا نجعة الحيين هاشـم والنـدى وحمى الذمـارين العلا والسؤددِ
فلتذهب الدنيـا على الدنيا العفا ما بعد يومك من زمـان أرغـد
كيف ارتقت همم الردى لك صعدة مطـروده الكـعبيـن لـم تتأوّد
أفـديه مـن ريحـانة ريـانـة جفّت بحر ظـمى وحـرّ مهـنّد
بكر الذبول علـى نضارة غصنه إنّ الذبول لآفة الغصـن النـدي
لله بـدر مـن مـراق نـجيعـه مزج الحسـام لجينه بالعسـجد
ماء الصبا ودم الوريـد تجاريـاً فيه ولا هـب قلبـه لـم يخمد
لم أنسـه متعمّماً بشـبا الضبى بين الكماة وبالأسـنّة مرتـدي
خضبت ولكن مـن دم وفراتـه فاخضرّ ريحان العـذار الأسـود
هكذا يرثيه الشيخ العاملي - كما رثاه شيخ آخر بقوله:
يا نفس ذوبي أسىً يا قلب مـت كمـداً يا عيـن سحي دمـاً يا أدمع انسكبي
هذي المصائب لا مـا كـان في قـدمٍ لآل يعقوب من حـزن ومـن كـرب
أنى يضـاهـي ابـن طـه أو يمـاثله في الحزن يعقوب في بدء وفي عقب
إن أحـدبت ظـهره الأحـزان أو ذهب عيناه من مدمـع والرأس إن يشـب
فان يوسـف في الأحيـاء كان سـوى ان الفـراق دهـى أحشـاه بالعـطب
هـذا ويحضـره مــن ولـده فئـة وإنـه لنبــي كـان وابــن نبـي
فكيف حال ابن بنـت الوحي حين رأى شـبيه أحمد في خلق وفـي خطـب
موزعـاً جسـمـه بالبيـض منـفلقاً بضربهٍ رأسـه ملـقى على الكثـب
هنـاك نادى على الدنيـا العفا وغـدا يكفكف الدمـع إذ ينهـل كالسـحب
وللسيد ابراهيم الطباطبائي قصيدة منها:
فاسـتقبلوه وقطّـعوا جثـمانه إربـاً فإربـاً بالســيوف البتــّرِ
يلقى السيوف بطلق وجه أزهر كالبدر يشرق في العجاج الأكـدرِ(1)
تركت سـيوف أميّـة جثمـانه متوزّعـاً بيـن القنـا المتكسّــرِ
تعدو الجياد عليه وهي ضوابح عقـر الهاتيـك الجيـاد الضـمّـرِ
اننا ننتقي مقاطع أدبية شعرية قصيرة دون أن نطيل . ولم يكن هؤلاء شعراء محترفون للشعر، بل إنّ هذا ما جادت به قرائح علماء وأدباء شغفوا بحب أهل البيت، واستغرقوا في تصور أنشطتهم، والوقوف على أحداثهم وبطولاتهم، وروائع مواقف ثباتهم المبدئي.
ولنتمثل بأبيات أبي تمام حول علي الأكبر (عليه السلام):
ألا في سـبيل الله من عطـلت لـه فجـاج سـبيل الله وانثغـر الثـغر
فتـى كلما فاضـت عيـون قبيـلة دماً ضـحكت عنه الأحـاديث والذكر
فتى دهره شـطران فيمـا ينـوبه ففي بأسه شـطر وفي جوده شـطر
فتى مات بين الطعن والضرب ميتة تقـوم مقـام النصـر إن فاته النصر
وما مات حتى مـات مضرب سيفه من الضرب واعتلت عليه القنا السمر
غداة غدا والحمـد نسـج ردائـه فلـم ينصـرف إلا وأكفـانه الأجـر
تردى ثياب الموت حمراً فما دجـا له الليل إلا وهي من سـندس خضـر
____________
1-لأبي الحسن التهامي أبيات يرثي بها ولده وهكذا يقول:
يا كوكباً ما كان أقصـر عمره وكذاك عمر الكواكب الاسحار
وهلال أيام مضى لـم يستـدر بدراً ولم يمهل لوقت سـرار
عجل الخسوف عليه قبل أوانه فمحـاه قبل مظـنه الإبـدار
فكـأن قلبـي قـره وكــأنه في طيه سـر من الأسـرار
فإذا كان يصف ولده بالكوكب والهلال فماذا عساه يصف علياً لو رآه وماذا عسى الشعراء أن يقولوا بعلي أو ما عسى أن يقول أبوه أبياتاً فيه.