أسرار أبي الحسن علي بن موسى عليهما السلام
فمن ذلك أن الرضا عليه السلام لما قدم من خراسان توجهت إليه الشيعة من الأطراف، وكان علي بن أبي أسباط قد توجه إليه بهدايا وتحف فأخذت القافلة وأخذ ماله وهداياه وضرب على فيه، فانتثرت نواجذه فرجع إلى قرية هناك ونام، فرأى الرضا عليه السلام في منامه، وهو يقول: لا تحزن إن هداياك وصلت إلينا، وأما فمك وثناياك فخذ من السعد المسحوق واحشي به فاك، فانتبه مسروا وأخذ من السعد وحشي به فاه فرد الله عليه نواجذه، قال: فلما وصل إلى الرضا عليه السلام ودخل عليه قال له: قد وجدت ما قلناه لك في السعد حقا فادخل هذه الخزانة فانظر، فدخل فإذا ماله وهداياه كلا على حدته (1).
ومن ذلك أن رجلا من الواقفة جمع مسايل مشكلة في طومار، وقال في نفسه: إن عرف معناه فهو ولي الأمر، فلما أتى الباب، وقف ليخف الناس من المجلس، فخرج إليه خادم وبيده رقعة فيها جواب مسألة بخط الإمام عليه السلام فقال له الخادم: أين الطومار؟ فأخرجه، فقال له: يقول لك ولي الله هذا جواب ما فيه.
فأخذه ومضى (2).
ومن ذلك أن الرضا عليه السلام قال يوما في مجلسه: لا إله إلا الله مات فلان، ثم صبر هنيهة، وقال: لا إله إلا الله غل وكفر، وحمل إلى حفرته، ثم صبر هنيهة، وقال: لا إله إلا الله وضع في قبره، وسئل عن ربه فأجاب، ثم سئل عن نبيه فأقر، ثم سئل عن إمامه فأخبر، وعن العترة، فعدهم، ثم وقف عندي فما باله وقف، وكان الرجل واقفيا (3).
ومن ذلك ما رواه الراوندي في كتابه عن إسماعيل قال: كنت عند الرضا عليه السلام فمسح يده على الأرض فظهرت سبايك من فضة، ثم مسح يده فغابت، فقلت: أعطني واحدة منها، فقال: إن هذا الأمر ما آن وقته (4).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( 1) بحار الأنوار: 49 / 71 ح 95.
( 2) بحار الأنوار: 49 / 71 ح 95.
( 3) المصدر نفسه.
( 4) بحار الأنوار عن الخرايج: 49 / 50 ح 50.
أقول: الفرق بين الشعبذة والسحر والسيمياء، والكرامات والمعجزات، الأول منها قلب العين حتى يرى الإنسان شيئا فيتخيله ولا حقيقة له ولا يبقى، وأما المعجزات والكرامات فقلب أعيان الأشياء وتحويلها إلى حقيقة أخرى باقية لا تزول إلا إذا أراد المظهر لها زوالها.
ومن كراماته عليه السلام أن أبا نواس مدحه بأبيات فأخرج له رقعة فيها تلك الأبيات فتحير أبو نواس، وقال: والله يا ولي الله ما قالها أحد غيري، ولا سمعها أحد سواك، فقال: صدقت، ولكن عندي في الجفر والجامعة أنك تمدحني بها.
(1) ومن ذلك ما رواه أبو الصلت الهروي قال: بينما أنا واقف بين يدي أبي الحسن الرضا عليه السلام إذ قال لي: سيحفر لي هاهنا قبر فتظهر صخرة لو اجتمع عليها كل معول بخراسان لم يقدروا على قلعها، فمرهم أن يحفروا لي سبع مرات إلى أسفل، وأن يشق لي ضريح فإن الماء سينبع حتى يمتلئ اللحد وترى فيه حيتانا صغارا، ثم يخرج حوت كبير يلتقط الحيتان الصغار ثم يغيب، فدع يديك على الماء وتكلم بهذا الكلام فإنه ينضب لك ولا يبقى منه شئ، ولا تفعل ذلك إلا بحضرة المأمون، ثم قال لي: يا أبا الصلت غدا أدخل إلى هذا الفاجر، فإن خرجت مكشوف الرأس فتكلم أكلمك، وإن خرجت مغطى الرأس فلا تكلمني.
قال أبو الصلت: فما أصبحنا من الغد لبس ثيابه، وجلس في محرابه، فجاء غلام المأمون وقال: أجب أمير المؤمنين، فلبس نعله ورداءه، وقام يمشي وأنا أتبعه، ثم دخل على المأمون وبين يديه أطباق وفاكهة، وبيده عنقود من عنب قد أكل بعضه وبقي بعضه، فلما رآه مقبلا وثب قايما وعانقه وأجلسه، ثم ناوله العنقود، وقال: يا ابن رسول الله هل رأيت أحسن من هذا العنب؟ فقال: قد يكون في بعض الجنان أحسن منه، ثم قال له: كل منه، فقال له الرضا عليه السلام: أعفني، فقال: لا بد من ذلك، ثم قال: وما يمنعك أتتهمني؟ ثم تناول العنقود منه وأكل منه، وناوله الرضا عليه السلام فأكل منه ثلاث حبات، ثم رمى به، وقال له المأمون: إلى أين؟ فقال له الرضا عليه السلام: إلى حيث وجهتني، ثم خرج عليه السلام مغطى الرأس حتى دخل الدار ثم أمر أن تغلق الأبواب، ثم نام على فراشه.
فكنت: واقفا في صحن الدار باكيا حزينا إذ دخل إلي شاب حسن الوجه أشبه الناس بالرضا فبادرت إليه وقلت: من أين دخلت والباب مغلوق؟ فقال: الذي جاء بي من المدينة في هذا الوقت هو الذي أدخلني الدار والباب مغلق، فقلت: من أنت؟ فقال: أنا حجة الله يا أبا الصلت، أما محمد بن علي، ثم مضى نحو أبيه الرضا عليه السلام فدخل، فأمرني بالدخول، فلما نظر إليه الرضا عليه السلام نهض إليه ليعتنقه، ثم سجه سجى إلى فراشه وأكب عليه محمد بن علي عليه السلام فسر إليه سرا لا أفهمه، ورأيت على شفة الرضا بياضا أشد بياضا من الثلج، ورأيت أبا جعفر عليه السلام يلحسه بلسانه ثم أدخل يده بين صدره وثوبه فاستخرج منه شيئا شبه العصفور فابتلعه، ثم مضى الرضا عليه السلام فقال لي: يا أبا الصلت أيتني المغسل والماء من الخزانة، فقلت: ما في الخزانة مغسل ولا ماء، فقال: ائتمر بما آمرك به.
قال: فدخلت الخزانة وإذا فيها مغسل وماء فأتيته بها، ثم شمرت ثيابي لأعاونه، فقال: تنح فإن لي من يساعدني، ثم قال لي: أدخل الخزانة وأخرج السفط الذي فيه كفنه وحنوطه، فدخلت وإذا أنا بسفط لم أره من قبل ذلك فأخرجته إليه وصلى عليه، ثم قال: إئتني بالتابوت، فقلت: أأمضي إلى النجار؟ فقال: إن في الخزانة تابوتا، فدخلت وإذا تابوت لم أر مثله قط، فأخرجته إليه فوضعته فيه بعد أن صلى عليه، تباعد عنه وصلى ركعتين، وإذا بالتابوت قد ارتفع فانشق السقف وغاب التابوت.
فقلت: يا ابن رسول الله الساعة يأتي المأمون ويسألنا عن الرضا فماذا نقول؟ فقال: اسكت يا أبا الصلت، سيعود، إنه ما من نبي في شرق الأرض يموت ووصيه في غربها إلا جمع الله بين روحيهما.
فما تم الحديث حتى عاد التابوت، فقال: فاستخرج الرضا عليه السلام من التابوت ووضعه على فراشه كأنه لم يكفن ولم يغسل، ثم قال: افتح الباب للمأمون، ففتحت الباب، وإذا أنا بالمأمون والغلمان على الباب، فدخل باكيا حزينا قد شق جيبه ولطم رأسه، وهو يقول: واسيداه، ثم جلس عند رأسه، وقال: خذوا في تجهيزه، وأمر بحفر القبر، فظهر جميع ما ذكر الرضا عليه السلام.
فقلت: أمرني أن أحفر له سبع مرات، وأن أشق ضريحه، قال: فافعل، ثم ظهر الماء والحيتان، فقال المأمون: لم يزل الرضا عليه السلام يرينا عجائبه في حياته حتى أرانا بعد وفاته، فقال له وزيره الذي كان معه: أتدري ما أخبرك به؟ قال: لا.
قال: أخبرك أن ملككم يا بني العباس مع كثرتكم وطول مدتكم مثل هذه الحيتان، حتى إذا انقضت دولتكم وولت أيامكم سلط عليكم رجلا فأفناكم عن آخركم.
فقال له المأمون: صدقت، ثم دفن الرضا عليه السلام ومض
فمن ذلك أن الرضا عليه السلام لما قدم من خراسان توجهت إليه الشيعة من الأطراف، وكان علي بن أبي أسباط قد توجه إليه بهدايا وتحف فأخذت القافلة وأخذ ماله وهداياه وضرب على فيه، فانتثرت نواجذه فرجع إلى قرية هناك ونام، فرأى الرضا عليه السلام في منامه، وهو يقول: لا تحزن إن هداياك وصلت إلينا، وأما فمك وثناياك فخذ من السعد المسحوق واحشي به فاك، فانتبه مسروا وأخذ من السعد وحشي به فاه فرد الله عليه نواجذه، قال: فلما وصل إلى الرضا عليه السلام ودخل عليه قال له: قد وجدت ما قلناه لك في السعد حقا فادخل هذه الخزانة فانظر، فدخل فإذا ماله وهداياه كلا على حدته (1).
ومن ذلك أن رجلا من الواقفة جمع مسايل مشكلة في طومار، وقال في نفسه: إن عرف معناه فهو ولي الأمر، فلما أتى الباب، وقف ليخف الناس من المجلس، فخرج إليه خادم وبيده رقعة فيها جواب مسألة بخط الإمام عليه السلام فقال له الخادم: أين الطومار؟ فأخرجه، فقال له: يقول لك ولي الله هذا جواب ما فيه.
فأخذه ومضى (2).
ومن ذلك أن الرضا عليه السلام قال يوما في مجلسه: لا إله إلا الله مات فلان، ثم صبر هنيهة، وقال: لا إله إلا الله غل وكفر، وحمل إلى حفرته، ثم صبر هنيهة، وقال: لا إله إلا الله وضع في قبره، وسئل عن ربه فأجاب، ثم سئل عن نبيه فأقر، ثم سئل عن إمامه فأخبر، وعن العترة، فعدهم، ثم وقف عندي فما باله وقف، وكان الرجل واقفيا (3).
ومن ذلك ما رواه الراوندي في كتابه عن إسماعيل قال: كنت عند الرضا عليه السلام فمسح يده على الأرض فظهرت سبايك من فضة، ثم مسح يده فغابت، فقلت: أعطني واحدة منها، فقال: إن هذا الأمر ما آن وقته (4).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( 1) بحار الأنوار: 49 / 71 ح 95.
( 2) بحار الأنوار: 49 / 71 ح 95.
( 3) المصدر نفسه.
( 4) بحار الأنوار عن الخرايج: 49 / 50 ح 50.
أقول: الفرق بين الشعبذة والسحر والسيمياء، والكرامات والمعجزات، الأول منها قلب العين حتى يرى الإنسان شيئا فيتخيله ولا حقيقة له ولا يبقى، وأما المعجزات والكرامات فقلب أعيان الأشياء وتحويلها إلى حقيقة أخرى باقية لا تزول إلا إذا أراد المظهر لها زوالها.
ومن كراماته عليه السلام أن أبا نواس مدحه بأبيات فأخرج له رقعة فيها تلك الأبيات فتحير أبو نواس، وقال: والله يا ولي الله ما قالها أحد غيري، ولا سمعها أحد سواك، فقال: صدقت، ولكن عندي في الجفر والجامعة أنك تمدحني بها.
(1) ومن ذلك ما رواه أبو الصلت الهروي قال: بينما أنا واقف بين يدي أبي الحسن الرضا عليه السلام إذ قال لي: سيحفر لي هاهنا قبر فتظهر صخرة لو اجتمع عليها كل معول بخراسان لم يقدروا على قلعها، فمرهم أن يحفروا لي سبع مرات إلى أسفل، وأن يشق لي ضريح فإن الماء سينبع حتى يمتلئ اللحد وترى فيه حيتانا صغارا، ثم يخرج حوت كبير يلتقط الحيتان الصغار ثم يغيب، فدع يديك على الماء وتكلم بهذا الكلام فإنه ينضب لك ولا يبقى منه شئ، ولا تفعل ذلك إلا بحضرة المأمون، ثم قال لي: يا أبا الصلت غدا أدخل إلى هذا الفاجر، فإن خرجت مكشوف الرأس فتكلم أكلمك، وإن خرجت مغطى الرأس فلا تكلمني.
قال أبو الصلت: فما أصبحنا من الغد لبس ثيابه، وجلس في محرابه، فجاء غلام المأمون وقال: أجب أمير المؤمنين، فلبس نعله ورداءه، وقام يمشي وأنا أتبعه، ثم دخل على المأمون وبين يديه أطباق وفاكهة، وبيده عنقود من عنب قد أكل بعضه وبقي بعضه، فلما رآه مقبلا وثب قايما وعانقه وأجلسه، ثم ناوله العنقود، وقال: يا ابن رسول الله هل رأيت أحسن من هذا العنب؟ فقال: قد يكون في بعض الجنان أحسن منه، ثم قال له: كل منه، فقال له الرضا عليه السلام: أعفني، فقال: لا بد من ذلك، ثم قال: وما يمنعك أتتهمني؟ ثم تناول العنقود منه وأكل منه، وناوله الرضا عليه السلام فأكل منه ثلاث حبات، ثم رمى به، وقال له المأمون: إلى أين؟ فقال له الرضا عليه السلام: إلى حيث وجهتني، ثم خرج عليه السلام مغطى الرأس حتى دخل الدار ثم أمر أن تغلق الأبواب، ثم نام على فراشه.
فكنت: واقفا في صحن الدار باكيا حزينا إذ دخل إلي شاب حسن الوجه أشبه الناس بالرضا فبادرت إليه وقلت: من أين دخلت والباب مغلوق؟ فقال: الذي جاء بي من المدينة في هذا الوقت هو الذي أدخلني الدار والباب مغلق، فقلت: من أنت؟ فقال: أنا حجة الله يا أبا الصلت، أما محمد بن علي، ثم مضى نحو أبيه الرضا عليه السلام فدخل، فأمرني بالدخول، فلما نظر إليه الرضا عليه السلام نهض إليه ليعتنقه، ثم سجه سجى إلى فراشه وأكب عليه محمد بن علي عليه السلام فسر إليه سرا لا أفهمه، ورأيت على شفة الرضا بياضا أشد بياضا من الثلج، ورأيت أبا جعفر عليه السلام يلحسه بلسانه ثم أدخل يده بين صدره وثوبه فاستخرج منه شيئا شبه العصفور فابتلعه، ثم مضى الرضا عليه السلام فقال لي: يا أبا الصلت أيتني المغسل والماء من الخزانة، فقلت: ما في الخزانة مغسل ولا ماء، فقال: ائتمر بما آمرك به.
قال: فدخلت الخزانة وإذا فيها مغسل وماء فأتيته بها، ثم شمرت ثيابي لأعاونه، فقال: تنح فإن لي من يساعدني، ثم قال لي: أدخل الخزانة وأخرج السفط الذي فيه كفنه وحنوطه، فدخلت وإذا أنا بسفط لم أره من قبل ذلك فأخرجته إليه وصلى عليه، ثم قال: إئتني بالتابوت، فقلت: أأمضي إلى النجار؟ فقال: إن في الخزانة تابوتا، فدخلت وإذا تابوت لم أر مثله قط، فأخرجته إليه فوضعته فيه بعد أن صلى عليه، تباعد عنه وصلى ركعتين، وإذا بالتابوت قد ارتفع فانشق السقف وغاب التابوت.
فقلت: يا ابن رسول الله الساعة يأتي المأمون ويسألنا عن الرضا فماذا نقول؟ فقال: اسكت يا أبا الصلت، سيعود، إنه ما من نبي في شرق الأرض يموت ووصيه في غربها إلا جمع الله بين روحيهما.
فما تم الحديث حتى عاد التابوت، فقال: فاستخرج الرضا عليه السلام من التابوت ووضعه على فراشه كأنه لم يكفن ولم يغسل، ثم قال: افتح الباب للمأمون، ففتحت الباب، وإذا أنا بالمأمون والغلمان على الباب، فدخل باكيا حزينا قد شق جيبه ولطم رأسه، وهو يقول: واسيداه، ثم جلس عند رأسه، وقال: خذوا في تجهيزه، وأمر بحفر القبر، فظهر جميع ما ذكر الرضا عليه السلام.
فقلت: أمرني أن أحفر له سبع مرات، وأن أشق ضريحه، قال: فافعل، ثم ظهر الماء والحيتان، فقال المأمون: لم يزل الرضا عليه السلام يرينا عجائبه في حياته حتى أرانا بعد وفاته، فقال له وزيره الذي كان معه: أتدري ما أخبرك به؟ قال: لا.
قال: أخبرك أن ملككم يا بني العباس مع كثرتكم وطول مدتكم مثل هذه الحيتان، حتى إذا انقضت دولتكم وولت أيامكم سلط عليكم رجلا فأفناكم عن آخركم.
فقال له المأمون: صدقت، ثم دفن الرضا عليه السلام ومض