الاحتجاج ج : 1 ص : 56
الطيالسي قال حدثنا سيف بن عميرة و صالح بن عقبة جميعا عن قيس بن سمعان عن علقمة بن محمد الحضرمي عن
أبي جعفر محمد بن علي عليه السلام أنه قال:
حج رسول الله صلى الله عليه واله من المدينة و قد بلغ جميع الشرائع قومه غير
الحج و الولاية
فأتاه جبرئيل عليه السلام فقال له :
يا محمد إن الله جل اسمه يقرؤك السلام و يقول لك :
إني لم أقبض نبيا من أنبيائي و لا رسولا من رسلي إلا بعد إكمال ديني و تأكيد حجتي و قد بقي عليك من ذاك فريضتان مما تحتاج أن تبلغهما قومك
فريضة الحج و فريضة الولاية
و الخلافة من بعدك فإني لم أخل أرضي من حجة و لن أخليها أبدا فإن الله جل ثناؤه يأمرك أن تبلغ قومك الحج و تحج و يحج معك من استطاع إليه سبيلا من أهل الحضر و الأطراف و الأعراب و تعلمهم من معالم حجهم مثل ما علمتهم من صلاتهم و زكاتهم و صيامهم و توقفهم من ذلك على مثال الذي أوقفتهم عليه من جميع ما بلغتهم من الشرائع فنادى منادي
رسول الله صلى الله عليه واله في الناس:
ألا إن رسول الله يريد الحج و أن يعلمكم من ذلك مثل الذي علمكم من شرائع دينكم و يوقفكم من ذاك على ما أوقفكم عليه من غيره فخرج
صلى الله عليه واله
و خرج معه الناس و أصغوا إليه لينظروا ما يصنع فيصنعوا مثله فحج بهم و بلغ من حج مع رسول الله من أهل المدينة و أهل الأطراف و الأعراب سبعين ألف إنسان أو يزيدون على نحو عدد أصحاب موسى السبعين ألف الذين أخذ عليهم بيعة هارون
فنكثوا و اتبعوا العجل و السامري
و كذلك أخذ رسول الله صلى الله عليه واله البيعة
لعلي
بالخلافة على عدد أصحاب موسى
فنكثوا البيعة و اتبعوا العجل و السامري سنة بسنة
و مثلا بمثل
و اتصلت التلبية ما بين مكة و المدينة فلما وقف بالموقف أتاه جبرئيل عليه السلام
عن الله عز و جل فقال:
يا محمد إن الله عز و جل يقرؤك السلام و يقول لك:
إنه قد دنا أجلك و مدتك و أنا مستقدمك على ما لا بد منه و لا عنه محيص فاعهد عهدك و قدم وصيتك و اعمد إلى ما عندك من العلم و ميراث علوم الأنبياء من قبلك و السلاح و التابوت و جميع ما عندك من آيات الأنبياء فسلمه إلى
وصيك و خليفتك من بعدك حجتي البالغة على خلقي
علي بن أبي طالب عليه السلام
فأقمه للناس علما و جدد عهده و ميثاقه و بيعته و ذكرهم ما أخذت عليهم من بيعتي و ميثاقي الذي واثقتهم و عهدي الذي عهدت إليهم من ولاية وليي و مولاهم و مولى كل مؤمن و مؤمنة
علي بن أبي طالب عليه السلام
فإني لم أقبض نبيا من الأنبياء إلا من بعد إكمال ديني و حجتي و إتمام نعمتي بولاية أوليائي و معاداة أعدائي و ذلك كمال توحيدي و ديني و إتمام نعمتي على خلقي باتباع وليي و طاعته و ذلك أني لا أترك أرضي بغير ولي...
و لا قيم ليكون حجة لي على خلقي
فاليوم أكملت لكم دينكم و أتممت عليكم نعمتي و رضيت لكم الإسلام دينا
بولاية وليي و مولى كل مؤمن و مؤمنة
علي
عبدي و وصي نبيي و الخليفة من بعده و حجتي البالغة على خلقي مقرون طاعته بطاعة
محمد
نبيي و مقرون طاعته مع طاعة
محمد
بطاعتي من أطاعه فقد أطاعني و من عصاه فقد عصاني جعلته علما بيني و بين خلقي من عرفه كان مؤمنا و من أنكره كان كافرا و من أشرك بيعته كان مشركا و من لقيني بولايته دخل الجنة و من لقيني بعداوته دخل النار فأقم
يا محمد عليا
علما و خذ عليهم البيعة و جدد عهدي و ميثاقي لهم الذي واثقتهم عليه فإني قابضك إلي و مستقدمك علي فخشي
رسول الله صلى الله عليه واله
من قومه و أهل النفاق و الشقاق أن يتفرقوا و يرجعوا إلى الجاهلية لما عرف من عداوتهم و لما ينطوي عليه أنفسهم لعلي
من العداوة و البغضاء و سأل جبرئيل أن يسأل ربه العصمة من الناس و انتظر أن يأتيه جبرئيل بالعصمة من الناس عن الله جل اسمه فأخر ذلك إلى أن بلغ مسجد الخيف فأتاه
جبرئيل عليه السلام
في مسجد الخيف فأمره بأن يعهد عهده و يقيم عليا علما للناس يهتدون به و لم يأته بالعصمة من الله جل جلاله بالذي أراد حتى بلغ كراع الغميم بين مكة و المدينة فأتاه جبرئيل و أمره بالذي أتاه فيه من قبل الله و لم يأته بالعصمة فقال:
يا جبرئيل إني أخشى قومي أن يكذبوني و لا يقبلوا قولي في علي عليه السلام فرحل فلما بلغ
غدير خم
قبل الجحفة بثلاثة أميال أتاه جبرئيل عليه السيلام على خمس ساعات مضت من النهار بالزجر و الانتهار و العصمة من الناس فقال:
يا محمد إن الله عز و جل يقرؤك السلام و يقول لك: يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ
في علي
وَ إِنْ لَمْ تَفعَلْ فَما بَلغْتَ رِسالَتَهُ وَ اللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ الناسِ
و كان أوائلهم قريب من الجحفة فأمر بأن يرد من تقدم منهم و يحبس من تأخر عنهم في ذلك المكان ليقيم عليا علما للناس و يبلغهم ما أنزل الله تعالى في علي و أخبره بأن الله عز و جل قد عصمه من الناس فأمر رسول الله عند ما جاءته العصمة مناديا ينادي في الناس بالصلاة جامعة و يرد من تقدم منهم و يحبس من تأخر و تنحى عن يمين الطريق إلى جنب
مسجد الغدير
أمره بذلك جبرئيل عن الله عز و جل و كان في الموضع سلمات فأمر رسول
فأمر رسول الله صلى الله عليه واله أن يقم ما تحتهن و ينصب له حجارة كهيئة المنبر ليشرف على الناس فتراجع الناس و احتبس أواخرهم في ذلك المكان لا يزالون فقام
رسول الله صلى الله عليه واله
فوق تلك الأحجار ثم حمد الله تعالى و أثنى عليه فقال:
الحمد لله الذي علا في توحده و دنا في تفرده و جل في سلطانه و عظم في أركانه و أحاط بكل شيء علما و هو في مكانه و قهر جميع الخلق بقدرته و برهانه مجيدا لم يزل محمودا لا يزال بارئ المسموكات و داحي المدحوات و جبار الأرضين و السماوات قدوس سبوح رب الملائكة و الروح متفضل على جميع من برأه متطول على جميع من أنشأه يلحظ كل عين و العيون لا تراه كريم حليم ذو أناة قد وسع كل شيء رحمته و من عليهم بنعمته لا يعجل بانتقامه و لا يبادر إليهم بما استحقوا من عذابه قد فهم السرائر و علم الضمائر و لم تخف عليه المكنونات و لا اشتبهت عليه الخفيات له الإحاطة بكل شيء و الغلبة على كل شيء و القوة في كل شيء و القدرة على كل شيء و ليس مثله شيء و هو منشئ الشيء حين لا شيء دائم قائم بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم جل عن أن تدركه الأبصار و هو يدرك الأبصار و هو اللطيف الخبير لا يلحق أحد وصفه من معاينة و لا يجد أحد كيف هو من سر و علانية إلا بما دل عز و جل على نفسه و أشهد أنه الله الذي ملأ الدهر قدسه و الذي يغشي الأبد نوره و الذي ينفذ أمره بلا مشاورة مشير و لا معه شريك في تقدير و لا تفاوت في تدبير صور ما أبدع على غير مثال و خلق ما خلق بلا معونة من أحد و لا تكلف و لا احتيال أنشأها فكانت و برأها فبانت فهو الله الذي لا إله إلا هو المتقن الصنعة الحسن الصنيعة العدل الذي لا يجور و الأكرم الذي ترجع إليه الأمور و أشهد أنه الذي تواضع كل شيء لقدرته و خضع كل شيء لهيبته ملك الأملاك و مفلك الأفلاك و مسخر الشمس و القمر كل يجري لأجل مسمى يكور الليل على النهار و يكور النهار على الليل يطلبه حثيثا قاصم كل جبار عنيد و مهلك كل شيطان مريد لم يكن معه ضد و لا ند أحد صمد لم يلد و لم يولد و لم يكن له كفوا أحد إله واحد و رب ماجد يشاء فيمضي و يريد فيقضي و يعلم فيحصي و يميت و يحيي و يفقر و يغني و يضحك و يبكي و يمنع و يعطي له الملك و له الحمد بيده الخير و هو على كل شيء قدير يولج الليل في النهار و يولج النهار في الليل لا إله إلا هو العزيز الغفار مجيب الدعاء و مجزل العطاء محصي الأنفاس و رب الجنة و الناس لا يشكل عليه شيء و لا يضجره صراخ المستصرخين و لا يبرمه إلحاح الملحين العاصم للصالحين و الموفق للمفلحين و مولى العالمين الذي استحق من كل من خلق أن يشكره و يحمده أحمده على السراء و الضراء و الشدة و الرخاء و أومن به و بملائكته و كتبه و رسله أسمع أمره و أطيع و أبادر إلى كل ما يرضاه و أستسلم لقضائه رغبة في طاعته و خوفا من عقوبته لأنه الله الذي لا يؤمن مكره و لا يخاف
جوره و أقر له على نفسي بالعبودية
و أشهد له بالربوبية و أؤدي ما أوحى إلي حذرا من أن لا أفعل فتحل بي منه قارعة لا يدفعها عني أحد و إن عظمت حيلته لا إله إلا هو لأنه قد أعلمني
أني إن لم أبلغ ما أنزل إلي فما بلغت رسالته
و قد ضمن لي تبارك و تعالى العصمة و هو الله الكافي الكريم فأوحى إلي
بسم الله الرحمن الرحيم يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ
في علي يعني في الخلافة لعلي بن أبي طالب عليه السلام
وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَ اللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ
معاشر الناس ما قصرت في تبليغ ما أنزل الله تعالى إلي و أنا مبين لكم سبب نزول هذه الآية
إن جبرئيل عليه السلام هبط إلي مرارا ثلاثا يأمرني عن السلام ربي و هو السلام أن أقوم في هذا المشهد فأعلم كل أبيض و أسود أن
علي بن أبي طالب عليه السلام
أخي و وصيي و خليفتي و الإمام من بعدي الذي محله مني محل هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي
و هو وليكم من بعد الله و رسوله
و قد أنزل الله تبارك و تعالى علي بذلك آية من كتابه :
إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَ هُمْ راكِعُونَ
و علي بن أبي طالب عليه السلام
أقام الصلاة و آتى الزكاة و هو راكع يريد الله عز و جل في كل حال و سألت جبرئيل أن يستعفي لي عن تبليغ ذلك إليكم
أيها الناس لعلمي بقلة المتقين و كثرة المنافقين و إدغال الآثمين و ختل المستهزءين بالإسلام الذين وصفهم الله في كتابه بأنهم يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم و يحسبونه هينا و هو عند الله عظيم و كثرة أذاهم لي في غير مرة حتى سموني أذنا و زعموا أني كذلك لكثرة ملازمته إياي و إقبالي عليه حتى أنزل الله عز و جل في ذلك قرآنا
وَ مِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذونَ النَّبِيَّ وَ يَقُولُونَ هُوَ أُذنٌ قُلْ أُذنُ
على الذين يزعمون أنه أذن
خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَ يُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ الآية
و لو شئت أن أسمي بأسمائهم لسميت و أن أومي إليهم بأعيانهم لأومأت و أن أدل عليهم لدللت و لكني و الله في أمورهم قد تكرمت و كل ذلك لا يرضى الله مني إلا أن أبلغ ما أنزل إلي ثم تلا صلى الله عليه واله :
يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ في علي وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغتَ رِسالَتَهُ وَ اللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ :
فاعلموا
معاشر الناس إن الله قد نصبه لكم وليا و إماما مفترضا طاعته على المهاجرين و الأنصار و على التابعين لهم بإحسان و على البادي و الحاضر و على الأعجمي و العربي و الحر و المملوك و الصغير و الكبير و على الأبيض و الأسود و على كل موحد ماض حكمه جائز قوله نافذ أمره ملعون من خالفه مرحوم من تبعه مؤمن من صدقه فقد غفر الله له و لمن سمع منه و أطاع له معاشر الناس إنه آخر مقام أقومه في هذا المشهد فاسمعوا و أطيعوا و انقادوا لأمر ربكم فإن الله عز و جل هو مولاكم و إلهكم ثم من دونه محمد صلى الله عليه واله وليكم القائم المخاطب لكم ثم من بعدي
علي
وليكم و إمامكم بأمر ربكم ثم الإمامة في ذريتي من ولده إلى يوم تلقون الله و رسوله لا حلال إلا ما أحله الله و لا حرام إلا ما حرمه الله عرفني الحلال و الحرام و أنا أفضيت لما علمني ربي من كتابه و حلاله و حرامه إليه
معاشر الناس ما من علم إلا و قد أحصاه الله في و كل علم علمت فقد أحصيته في
إمام المتقين
و ما من علم إلا علمته عليا و هو الإمام المبين
معاشر الناس لا تضلوا عنه و لا تنفروا منه و لا تستكبروا
[و لا تستنكفوا] من ولايته فهو الذي يهدي إلى الحق و يعمل به و يزهق الباطل و ينهى عنه و لا تأخذه في الله لومة لائم ثم إنه أول من آمن بالله و رسوله و هو الذي فدى رسوله بنفسه و هو الذي كان مع رسول الله و لا أحد يعبد الله مع رسوله من الرجال غيره
معاشر الناس فضلوه فقد فضله الله و اقبلوه فقد نصبه الله
معاشر الناس إنه إمام من الله و لن يتوب الله على أحد أنكر ولايته و لن يغفر الله له حتما على الله أن يفعل ذلك بمن خالف أمره فيه و أن يعذبه عذابا شديدا نكرا أبد الآباد و دهر الدهور فاحذروا أن تخالفوه فتصلوا نارا وقودها الناس و الحجارة أعدت للكافرين
أيها الناس بي و الله بشر الأولون من النبيين و المرسلين و أنا خاتم الأنبياء و المرسلين و الحجة على جميع المخلوقين من أهل السماوات و الأرضين فمن شك في ذلك فهو كافر كفر الجاهلية الأولى و من شك في شيء من قولي هذا فقد شك في الكل منه و الشاك في ذلك فله النار
معاشر الناس حباني الله بهذه الفضيلة منا منه علي و إحسانا منه إلي و لا إله إلا هو له الحمد مني أبد الآبدين و دهر الداهرين على كل حال
معاشر الناس فضلوا عليا فإنه أفضل الناس بعدي من ذكر و أنثى بنا أنزل الله الرزق و بقي الخلق ملعون ملعون مغضوب مغضوب من رد علي قولي هذا و لم يوافقه ألا إن جبرئيل خبرني عن الله تعالى بذلك و يقول من عادى
عليا
و لم يتوله فعليه لعنتي و غضبي فلتنظر نفس ما قدمت لغد و اتقوا الله أن تخالفوه فتزل قدم بعد ثبوتها إن الله خبير بما تعملون
معاشر الناس إنه جنب الله الذي ذكر في كتابه فقال تعالى :
أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ
معاشر الناس تدبروا القرآن و افهموا آياته و انظروا إلى محكماته و لا تتبعوا متشابهه فو الله لن يبين لكم زواجره و لا يوضح لكم تفسيره إلا الذي أنا آخذ بيده و مصعده إلي و شائل بعضده و معلمكم أن
من كنت مولاه فهذا علي مولاه و هو
علي بن أبي طالب عليه السلام
أخي و وصيي و موالاته من الله عز و جل أنزلها علي
معاشر الناس إن عليا و الطيبين من ولدي هم الثقل الأصغر و القرآن الثقل الأكبر فكل واحد منبئ عن صاحبه و موافق له لن يفترقا حتى يردا علي الحوض هم أمناء الله في خلقه و حكماؤه في أرضه ألا و قد أديت ألا و قد بلغت ألا و قد أسمعت ألا و قد أوضحت ألا و إن الله عز و جل قال:
و أنا قلت عن الله عز و جل
ألا إنه ليس أمير المؤمنين غير أخي هذا
الطيالسي قال حدثنا سيف بن عميرة و صالح بن عقبة جميعا عن قيس بن سمعان عن علقمة بن محمد الحضرمي عن
أبي جعفر محمد بن علي عليه السلام أنه قال:
حج رسول الله صلى الله عليه واله من المدينة و قد بلغ جميع الشرائع قومه غير
الحج و الولاية
فأتاه جبرئيل عليه السلام فقال له :
يا محمد إن الله جل اسمه يقرؤك السلام و يقول لك :
إني لم أقبض نبيا من أنبيائي و لا رسولا من رسلي إلا بعد إكمال ديني و تأكيد حجتي و قد بقي عليك من ذاك فريضتان مما تحتاج أن تبلغهما قومك
فريضة الحج و فريضة الولاية
و الخلافة من بعدك فإني لم أخل أرضي من حجة و لن أخليها أبدا فإن الله جل ثناؤه يأمرك أن تبلغ قومك الحج و تحج و يحج معك من استطاع إليه سبيلا من أهل الحضر و الأطراف و الأعراب و تعلمهم من معالم حجهم مثل ما علمتهم من صلاتهم و زكاتهم و صيامهم و توقفهم من ذلك على مثال الذي أوقفتهم عليه من جميع ما بلغتهم من الشرائع فنادى منادي
رسول الله صلى الله عليه واله في الناس:
ألا إن رسول الله يريد الحج و أن يعلمكم من ذلك مثل الذي علمكم من شرائع دينكم و يوقفكم من ذاك على ما أوقفكم عليه من غيره فخرج
صلى الله عليه واله
و خرج معه الناس و أصغوا إليه لينظروا ما يصنع فيصنعوا مثله فحج بهم و بلغ من حج مع رسول الله من أهل المدينة و أهل الأطراف و الأعراب سبعين ألف إنسان أو يزيدون على نحو عدد أصحاب موسى السبعين ألف الذين أخذ عليهم بيعة هارون
فنكثوا و اتبعوا العجل و السامري
و كذلك أخذ رسول الله صلى الله عليه واله البيعة
لعلي
بالخلافة على عدد أصحاب موسى
فنكثوا البيعة و اتبعوا العجل و السامري سنة بسنة
و مثلا بمثل
و اتصلت التلبية ما بين مكة و المدينة فلما وقف بالموقف أتاه جبرئيل عليه السلام
عن الله عز و جل فقال:
يا محمد إن الله عز و جل يقرؤك السلام و يقول لك:
إنه قد دنا أجلك و مدتك و أنا مستقدمك على ما لا بد منه و لا عنه محيص فاعهد عهدك و قدم وصيتك و اعمد إلى ما عندك من العلم و ميراث علوم الأنبياء من قبلك و السلاح و التابوت و جميع ما عندك من آيات الأنبياء فسلمه إلى
وصيك و خليفتك من بعدك حجتي البالغة على خلقي
علي بن أبي طالب عليه السلام
فأقمه للناس علما و جدد عهده و ميثاقه و بيعته و ذكرهم ما أخذت عليهم من بيعتي و ميثاقي الذي واثقتهم و عهدي الذي عهدت إليهم من ولاية وليي و مولاهم و مولى كل مؤمن و مؤمنة
علي بن أبي طالب عليه السلام
فإني لم أقبض نبيا من الأنبياء إلا من بعد إكمال ديني و حجتي و إتمام نعمتي بولاية أوليائي و معاداة أعدائي و ذلك كمال توحيدي و ديني و إتمام نعمتي على خلقي باتباع وليي و طاعته و ذلك أني لا أترك أرضي بغير ولي...
و لا قيم ليكون حجة لي على خلقي
فاليوم أكملت لكم دينكم و أتممت عليكم نعمتي و رضيت لكم الإسلام دينا
بولاية وليي و مولى كل مؤمن و مؤمنة
علي
عبدي و وصي نبيي و الخليفة من بعده و حجتي البالغة على خلقي مقرون طاعته بطاعة
محمد
نبيي و مقرون طاعته مع طاعة
محمد
بطاعتي من أطاعه فقد أطاعني و من عصاه فقد عصاني جعلته علما بيني و بين خلقي من عرفه كان مؤمنا و من أنكره كان كافرا و من أشرك بيعته كان مشركا و من لقيني بولايته دخل الجنة و من لقيني بعداوته دخل النار فأقم
يا محمد عليا
علما و خذ عليهم البيعة و جدد عهدي و ميثاقي لهم الذي واثقتهم عليه فإني قابضك إلي و مستقدمك علي فخشي
رسول الله صلى الله عليه واله
من قومه و أهل النفاق و الشقاق أن يتفرقوا و يرجعوا إلى الجاهلية لما عرف من عداوتهم و لما ينطوي عليه أنفسهم لعلي
من العداوة و البغضاء و سأل جبرئيل أن يسأل ربه العصمة من الناس و انتظر أن يأتيه جبرئيل بالعصمة من الناس عن الله جل اسمه فأخر ذلك إلى أن بلغ مسجد الخيف فأتاه
جبرئيل عليه السلام
في مسجد الخيف فأمره بأن يعهد عهده و يقيم عليا علما للناس يهتدون به و لم يأته بالعصمة من الله جل جلاله بالذي أراد حتى بلغ كراع الغميم بين مكة و المدينة فأتاه جبرئيل و أمره بالذي أتاه فيه من قبل الله و لم يأته بالعصمة فقال:
يا جبرئيل إني أخشى قومي أن يكذبوني و لا يقبلوا قولي في علي عليه السلام فرحل فلما بلغ
غدير خم
قبل الجحفة بثلاثة أميال أتاه جبرئيل عليه السيلام على خمس ساعات مضت من النهار بالزجر و الانتهار و العصمة من الناس فقال:
يا محمد إن الله عز و جل يقرؤك السلام و يقول لك: يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ
في علي
وَ إِنْ لَمْ تَفعَلْ فَما بَلغْتَ رِسالَتَهُ وَ اللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ الناسِ
و كان أوائلهم قريب من الجحفة فأمر بأن يرد من تقدم منهم و يحبس من تأخر عنهم في ذلك المكان ليقيم عليا علما للناس و يبلغهم ما أنزل الله تعالى في علي و أخبره بأن الله عز و جل قد عصمه من الناس فأمر رسول الله عند ما جاءته العصمة مناديا ينادي في الناس بالصلاة جامعة و يرد من تقدم منهم و يحبس من تأخر و تنحى عن يمين الطريق إلى جنب
مسجد الغدير
أمره بذلك جبرئيل عن الله عز و جل و كان في الموضع سلمات فأمر رسول
فأمر رسول الله صلى الله عليه واله أن يقم ما تحتهن و ينصب له حجارة كهيئة المنبر ليشرف على الناس فتراجع الناس و احتبس أواخرهم في ذلك المكان لا يزالون فقام
رسول الله صلى الله عليه واله
فوق تلك الأحجار ثم حمد الله تعالى و أثنى عليه فقال:
الحمد لله الذي علا في توحده و دنا في تفرده و جل في سلطانه و عظم في أركانه و أحاط بكل شيء علما و هو في مكانه و قهر جميع الخلق بقدرته و برهانه مجيدا لم يزل محمودا لا يزال بارئ المسموكات و داحي المدحوات و جبار الأرضين و السماوات قدوس سبوح رب الملائكة و الروح متفضل على جميع من برأه متطول على جميع من أنشأه يلحظ كل عين و العيون لا تراه كريم حليم ذو أناة قد وسع كل شيء رحمته و من عليهم بنعمته لا يعجل بانتقامه و لا يبادر إليهم بما استحقوا من عذابه قد فهم السرائر و علم الضمائر و لم تخف عليه المكنونات و لا اشتبهت عليه الخفيات له الإحاطة بكل شيء و الغلبة على كل شيء و القوة في كل شيء و القدرة على كل شيء و ليس مثله شيء و هو منشئ الشيء حين لا شيء دائم قائم بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم جل عن أن تدركه الأبصار و هو يدرك الأبصار و هو اللطيف الخبير لا يلحق أحد وصفه من معاينة و لا يجد أحد كيف هو من سر و علانية إلا بما دل عز و جل على نفسه و أشهد أنه الله الذي ملأ الدهر قدسه و الذي يغشي الأبد نوره و الذي ينفذ أمره بلا مشاورة مشير و لا معه شريك في تقدير و لا تفاوت في تدبير صور ما أبدع على غير مثال و خلق ما خلق بلا معونة من أحد و لا تكلف و لا احتيال أنشأها فكانت و برأها فبانت فهو الله الذي لا إله إلا هو المتقن الصنعة الحسن الصنيعة العدل الذي لا يجور و الأكرم الذي ترجع إليه الأمور و أشهد أنه الذي تواضع كل شيء لقدرته و خضع كل شيء لهيبته ملك الأملاك و مفلك الأفلاك و مسخر الشمس و القمر كل يجري لأجل مسمى يكور الليل على النهار و يكور النهار على الليل يطلبه حثيثا قاصم كل جبار عنيد و مهلك كل شيطان مريد لم يكن معه ضد و لا ند أحد صمد لم يلد و لم يولد و لم يكن له كفوا أحد إله واحد و رب ماجد يشاء فيمضي و يريد فيقضي و يعلم فيحصي و يميت و يحيي و يفقر و يغني و يضحك و يبكي و يمنع و يعطي له الملك و له الحمد بيده الخير و هو على كل شيء قدير يولج الليل في النهار و يولج النهار في الليل لا إله إلا هو العزيز الغفار مجيب الدعاء و مجزل العطاء محصي الأنفاس و رب الجنة و الناس لا يشكل عليه شيء و لا يضجره صراخ المستصرخين و لا يبرمه إلحاح الملحين العاصم للصالحين و الموفق للمفلحين و مولى العالمين الذي استحق من كل من خلق أن يشكره و يحمده أحمده على السراء و الضراء و الشدة و الرخاء و أومن به و بملائكته و كتبه و رسله أسمع أمره و أطيع و أبادر إلى كل ما يرضاه و أستسلم لقضائه رغبة في طاعته و خوفا من عقوبته لأنه الله الذي لا يؤمن مكره و لا يخاف
جوره و أقر له على نفسي بالعبودية
و أشهد له بالربوبية و أؤدي ما أوحى إلي حذرا من أن لا أفعل فتحل بي منه قارعة لا يدفعها عني أحد و إن عظمت حيلته لا إله إلا هو لأنه قد أعلمني
أني إن لم أبلغ ما أنزل إلي فما بلغت رسالته
و قد ضمن لي تبارك و تعالى العصمة و هو الله الكافي الكريم فأوحى إلي
بسم الله الرحمن الرحيم يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ
في علي يعني في الخلافة لعلي بن أبي طالب عليه السلام
وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَ اللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ
معاشر الناس ما قصرت في تبليغ ما أنزل الله تعالى إلي و أنا مبين لكم سبب نزول هذه الآية
إن جبرئيل عليه السلام هبط إلي مرارا ثلاثا يأمرني عن السلام ربي و هو السلام أن أقوم في هذا المشهد فأعلم كل أبيض و أسود أن
علي بن أبي طالب عليه السلام
أخي و وصيي و خليفتي و الإمام من بعدي الذي محله مني محل هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي
و هو وليكم من بعد الله و رسوله
و قد أنزل الله تبارك و تعالى علي بذلك آية من كتابه :
إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَ هُمْ راكِعُونَ
و علي بن أبي طالب عليه السلام
أقام الصلاة و آتى الزكاة و هو راكع يريد الله عز و جل في كل حال و سألت جبرئيل أن يستعفي لي عن تبليغ ذلك إليكم
أيها الناس لعلمي بقلة المتقين و كثرة المنافقين و إدغال الآثمين و ختل المستهزءين بالإسلام الذين وصفهم الله في كتابه بأنهم يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم و يحسبونه هينا و هو عند الله عظيم و كثرة أذاهم لي في غير مرة حتى سموني أذنا و زعموا أني كذلك لكثرة ملازمته إياي و إقبالي عليه حتى أنزل الله عز و جل في ذلك قرآنا
وَ مِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذونَ النَّبِيَّ وَ يَقُولُونَ هُوَ أُذنٌ قُلْ أُذنُ
على الذين يزعمون أنه أذن
خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَ يُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ الآية
و لو شئت أن أسمي بأسمائهم لسميت و أن أومي إليهم بأعيانهم لأومأت و أن أدل عليهم لدللت و لكني و الله في أمورهم قد تكرمت و كل ذلك لا يرضى الله مني إلا أن أبلغ ما أنزل إلي ثم تلا صلى الله عليه واله :
يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ في علي وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغتَ رِسالَتَهُ وَ اللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ :
فاعلموا
معاشر الناس إن الله قد نصبه لكم وليا و إماما مفترضا طاعته على المهاجرين و الأنصار و على التابعين لهم بإحسان و على البادي و الحاضر و على الأعجمي و العربي و الحر و المملوك و الصغير و الكبير و على الأبيض و الأسود و على كل موحد ماض حكمه جائز قوله نافذ أمره ملعون من خالفه مرحوم من تبعه مؤمن من صدقه فقد غفر الله له و لمن سمع منه و أطاع له معاشر الناس إنه آخر مقام أقومه في هذا المشهد فاسمعوا و أطيعوا و انقادوا لأمر ربكم فإن الله عز و جل هو مولاكم و إلهكم ثم من دونه محمد صلى الله عليه واله وليكم القائم المخاطب لكم ثم من بعدي
علي
وليكم و إمامكم بأمر ربكم ثم الإمامة في ذريتي من ولده إلى يوم تلقون الله و رسوله لا حلال إلا ما أحله الله و لا حرام إلا ما حرمه الله عرفني الحلال و الحرام و أنا أفضيت لما علمني ربي من كتابه و حلاله و حرامه إليه
معاشر الناس ما من علم إلا و قد أحصاه الله في و كل علم علمت فقد أحصيته في
إمام المتقين
و ما من علم إلا علمته عليا و هو الإمام المبين
معاشر الناس لا تضلوا عنه و لا تنفروا منه و لا تستكبروا
[و لا تستنكفوا] من ولايته فهو الذي يهدي إلى الحق و يعمل به و يزهق الباطل و ينهى عنه و لا تأخذه في الله لومة لائم ثم إنه أول من آمن بالله و رسوله و هو الذي فدى رسوله بنفسه و هو الذي كان مع رسول الله و لا أحد يعبد الله مع رسوله من الرجال غيره
معاشر الناس فضلوه فقد فضله الله و اقبلوه فقد نصبه الله
معاشر الناس إنه إمام من الله و لن يتوب الله على أحد أنكر ولايته و لن يغفر الله له حتما على الله أن يفعل ذلك بمن خالف أمره فيه و أن يعذبه عذابا شديدا نكرا أبد الآباد و دهر الدهور فاحذروا أن تخالفوه فتصلوا نارا وقودها الناس و الحجارة أعدت للكافرين
أيها الناس بي و الله بشر الأولون من النبيين و المرسلين و أنا خاتم الأنبياء و المرسلين و الحجة على جميع المخلوقين من أهل السماوات و الأرضين فمن شك في ذلك فهو كافر كفر الجاهلية الأولى و من شك في شيء من قولي هذا فقد شك في الكل منه و الشاك في ذلك فله النار
معاشر الناس حباني الله بهذه الفضيلة منا منه علي و إحسانا منه إلي و لا إله إلا هو له الحمد مني أبد الآبدين و دهر الداهرين على كل حال
معاشر الناس فضلوا عليا فإنه أفضل الناس بعدي من ذكر و أنثى بنا أنزل الله الرزق و بقي الخلق ملعون ملعون مغضوب مغضوب من رد علي قولي هذا و لم يوافقه ألا إن جبرئيل خبرني عن الله تعالى بذلك و يقول من عادى
عليا
و لم يتوله فعليه لعنتي و غضبي فلتنظر نفس ما قدمت لغد و اتقوا الله أن تخالفوه فتزل قدم بعد ثبوتها إن الله خبير بما تعملون
معاشر الناس إنه جنب الله الذي ذكر في كتابه فقال تعالى :
أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ
معاشر الناس تدبروا القرآن و افهموا آياته و انظروا إلى محكماته و لا تتبعوا متشابهه فو الله لن يبين لكم زواجره و لا يوضح لكم تفسيره إلا الذي أنا آخذ بيده و مصعده إلي و شائل بعضده و معلمكم أن
من كنت مولاه فهذا علي مولاه و هو
علي بن أبي طالب عليه السلام
أخي و وصيي و موالاته من الله عز و جل أنزلها علي
معاشر الناس إن عليا و الطيبين من ولدي هم الثقل الأصغر و القرآن الثقل الأكبر فكل واحد منبئ عن صاحبه و موافق له لن يفترقا حتى يردا علي الحوض هم أمناء الله في خلقه و حكماؤه في أرضه ألا و قد أديت ألا و قد بلغت ألا و قد أسمعت ألا و قد أوضحت ألا و إن الله عز و جل قال:
و أنا قلت عن الله عز و جل
ألا إنه ليس أمير المؤمنين غير أخي هذا
عدل سابقا من قبل Admin في الأحد 29 نوفمبر 2009 - 19:29 عدل 1 مرات