السيد ابن طاووس : روي عن جماعة يسندون الحديث إلى الحسين بن علي قال : كنت مع على بن أبي طالب في الطواف في ليلة ديجوجية قليلة النور ، وقد خلا الطواف ، ونام الزوار ، وهدأت العيون ، إذ سمع مستغيثا مستجيرا مترحما بصوت حزين محزون من قلب موجع وهو يقول :
يا من يجيب دعاء المضطر في الظلم * يا كاشف الضر والبلوى مع السقم قد نام وفدك حول البيت وانتبهوا * يدعوا وعينك يا قيوم لم تنم هب لي بجودك فضل العفو عن جرمي * يا من أشار إليه الخلق في الحرم إن كان عفوك لا يلقاه ذو سرف * فمن يجود على العاصين بالنعم قال الحسين بن علي صلوات الله عليهما : فقال لي : يا أبا عبد الله ! أسمعت المنادي ذنبه ، المستغيث ربه ؟ فقلت : نعم ، قد سمعته .
فقال : اعتبره عسى تراه ، فما زلت أخبط في طخياء الظلام وأتخلل بين النيام .
فلما صرت بين الركن والمقام ، بدا لي شخص منتصب ، فتأملته فإذا هو قائم ، فقلت : السلام عليك أيها العبد المقر المستقيل المستغفر المستجير ، أجب بالله ابن عم رسول الله .
فأسرع في سجوده وقعوده وسلم ، فلم يتكلم حتى أشار بيده بأن تقدمني ، فتقدمته فأتيت به أمير المؤمنين فقلت : دونك ها هو ! فنظر إليه ، فإذا هو شاب حسن الوجه ، نقي الثياب . فقال له : ممن الرجل ؟ فقال له : من بعض العرب .
فقال له : ما حالك ، ومم بكاؤك واستغاثتك ؟ فقال : حال من أوخذ بالعقوق فهو في ضيق ، ارتهنه المصاب ، وغمره الإكتياب ، فارتاب فدعاؤه لا يستجاب .
فقال له علي : ولم ذلك ؟ فقال : لأني كنت ملتهيا في العرب باللعب والطرب ، أديم العصيان في رجب وشعبان ، وما أراقب الرحمن ، وكان لي والد شفيق رفيق ، يحذرني مصارع الحدثان ، ويخوفني العقاب بالنيران ويقول : كم ضج منك النهار والظلام ، والليالي والأيام ، والشهور والأعوام ، والملائكة الكرام ، وكان إذا ألح علي بالوعظ زجرته وانتهرته ، ووثبت عليه وضربته ، فعمدت يوما إلى شيء من الورق فكانت في الخباء فذهبت لآخذها وأصرفها فيما كنت عليه ، فما نعني عن أخذها ، فأوجعته ضربا ولويت يده وأخذتها ومضيت ، فأومأ بيده إلى ركبتيه يروم النهوض من مكانه ذلك ، فلم يطق يحركها من شدة الوجع والألم ، فأنشأ يقول : جرت رحم بيني وبين منازل * سواء كما يستنزل القطر طالبه وربيت حتى صار جلدا شمردلا * إذا قام ساوى غارب الفحل غاربه وقد كنت أوتيه من الزاد في الصبي * إذا جاع منه صفوه وأطايبه فلما استوى في عنفوان شبابه * وأصبح كالرمح الردينى خاطبه تهضمني مالي كذا ولوى يدي * لوى يده الله الذي هو غالبه ثم حلف بالله ليقدمن إلى بيت الله الحرام ، فيستعدي الله علي ، قال : فصام أسابيع ، وصلى ركعات ، ودعا وخرج متوجها على عيرانة يقطع بالسير عرض الفلاة ، ويطوي الأودية ويعلو الجبال ، حتى قدم مكة يوم الحج الأكبر ، فنزل عن راحلته ، وأقبل إلى بيت الله الحرام ، فسعى وطاف به ، وتعلق بأستاره ، وابتهل بدعائه ، وأنشأ يقول : يا من إليه أتى الحجاج بالجهد * فوق المهاد من أقصى غاية البعد إني أتيتك يا من لا يخيب من * يدعوه مبتهلا بالواحد الصمد هذا منازل من يرتاع من عققي * فخذ بحقي يا جبار من ولدي حتى تشل بعون منك جانبه * يا من تقدس لم يولد ولم يلد قال : فو الذي سمك السماء ، وأنبع الماء ، ما استتم دعاءه حتى نزل بي ما ترى ، ثم كشف عن يمينه ، فإذا بجانبه قد شل .
فأنا منذ ثلاث سنين أطلب إليه أن يدعو لي في الموضع الذي دعا به علي ، فلم يجبني ، حتى إذا كان العام أنعم علي فخرجت على ناقة عشراء أجد السير حثيثا رجاء العافية ، حتى إذا كنا على الأراك وحطمة وادي السياك ، نفر طائر في الليل ، فنفرت منها الناقة التي كان عليها ، فألقته إلى قرار الوادي ، وارفض بين الحجرين فقبرته هناك ، وأعظم من ذلك أني لا أعرف إلا ( المأخوذ بدعوة أبيه ) .
فقال له أمير المؤمنين : أتاك الغوث ، ألا أعلمك دعاء علمنيه رسول الله ، وفيه اسم الله الأكبر الأعظم ، العزيز الأكرم ، الذي يجيب به من دعاه ويعطى به من سأله ، ويفرج الهم ، ويكشف به الكرب ويذهب به الغم ، ويبرئ به السقم ، ويجبر به الكسير ، ويغني به الفقير ، ويقضي به الدين ، ويرد به العين ، ويغفر به الذنوب ، ويستر به العيوب ، ويؤمن به كل خائف من شيطان مريد ، وجبار عنيد .
ولو دعا به طائع الله على جبل لزال من مكانه ، أو على ميت لأحياه الله بعد موته ، ولو دعا به على الماء لمشى عليه بعد أن لا يدخله العجب ، فاتق الله أيها الرجل ! فقد أدركتني الرحمة لك ، وليعلم الله منك صدق النية إنك لا تدعو به في معصيته ولا تفيده إلا الثقة في دينك ! فإن أخلصت النية استجاب الله لك ، ورأيت نبيك محمدا في منامك ، يبشرك بالجنة والإجابة .
قال الحسين بن علي : فكان سروري بفائدة الدعاء أشد من سرور الرجل بعافيته وما نزل به ، لأنني لم أكن سمعته منه ، ولا عرفت هذا الدعاء قبل ذلك ، ثم [ قال ] : آتني بدواة وبياض ، واكتب ما أمليه عليك ، ففعلت ، وهو :
أللهم إني أسألك باسمك بسم الله الرحمن الرحيم ، يا ذا الجلال والإكرام ، يا حي يا قيوم ، يا حي لا إله إلا أنت ، يا من لا يعلم ما هو ولا أين هو ولا حيث هو ولا كيف هو إلا هو ؟ يا ذا الملك والملكوت ، يا ذا العزة والجبروت ، يا ملك يا قدوس ، يا سلام ، يا مؤمن ، يا مهيمن ، يا عزيز ، يا جبار ، يا متكبر ، يا خالق ، يا بارئ ، يا مصور ، يا مفيد ، يا ودود ، يا محمود ، يا معبود ، يا بعيد ، يا قريب ، يا مجيب ، يا رقيب ، يا حسيب ، يا بديع ، يا رفيع ، يا منيع ، يا سميع ، يا عليم ، يا حكيم ، يا كريم ، يا مدبر ، يا شديد ، يا مبدئ ، يا معيد ، يا مبيد ، يا قديم ، يا قديم .
يا علي ، يا عظيم ، يا حنان ، يا منان ، يا ديان ، يا مستعان ، يا جليل ، يا جميل ، يا وكيل ، يا كفيل ، يا مقيل ، يا منيل ، يا نبيل ، يا دليل ، يا هادي ، يا بادي ، يا أول ، يا آخر ، يا ظاهر ، يا باطن ، يا قائم ، يا دائم ، يا عالم ، يا حاكم ، يا قاضى ، يا عادل ، يا فاضل ، يا واصل ، يا طاهر ، يا مطهر ، يا قادر ، يا مقتدر ، يا كبير ، يا متكبر .
يا أحد ، يا صمد ، يا من لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد ، ولم يكن له صاحبة ، ولا كان معه وزير ، ولا اتخذ معه مشيرا ، ولا احتاج إلى ظهير ، ولا كان معه إله ، لا إله إلا أنت ، فتعاليت عما يقول الجاحدون الظالمون علوا كبيرا . يا علي ، يا عالم ، يا شامخ ، يا باذخ ، يا نفاح ، يا مفرج ، يا ناصر ، يا منتصر ، يا مهلك ، يا منتقم ، يا باعث ، يا وارث ، يا أول [ يا آخر ] ، يا طالب ، يا غالب .
يا من لا يفوته هارب ، يا تواب ، يا أواب ، يا وهاب ، يا مسبب الأسباب ، يا مفتح الأبواب ، يا من حيث ما دعي أجاب ، يا طهور ، يا شكور ، يا عفو ، يا غفور ، يا نور النور ، يا مدبر الأمور ، يا لطيف ، يا خبير ، يا متجبر ، يا منير ، يا بصير ، يا ظهير ، يا كبير ، يا وتر ، يا فرد ، يا صمد ، يا أبد ، يا سند ، يا كافي ، يا شافي ، يا وافي ، يا معافي ، يا محسن ، يا مجمل ، يا معافي ، يا منعم ، يا متفضل ، يا متكرم ، يا متفرد .
يا من علا فقهر ، ويا من ملك فقدر ، ويا من بطن فخبر ، ويا من عبد فشكر ، ويا من عصى فغفر وستر ، يا من لا تحويه الفكر ، ولا يدركه بصر ، ولا يخفى عليه أثر ، يا رازق البشر ، ويا مقدر كل قدر ، يا عالي المكان ، يا شديد الأركان ، ويا مبدل الزمان ، يا قابل القربان ، يا ذا المن والإحسان ، يا ذا العز والسلطان ، يا رحيم ، يا رحمان ، يا عظيم الشأن ، يا من هو كل يوم في شأن ، يا من لا يشغله شأن عن شأن . يا سامع الأصوات ، يا مجيب الدعوات ، يا منجح الطلبات ، يا قاضي الحاجات ، يا منزل البركات ، يا راحم العبرات ، يا مقيل العثرات ، يا كاشف الكربات ، يا ولي الحسنات ، يا رفيع الدرجات ، يا معطي المسألات ، يا محيي الأموات ، يا جامع الشتات ، يا مطلع على النيات ، يا راد ما قد فات ، يا من لا تشتبه عليه الأصوات ، يا من لا تضجره المسألات ، ولا تغشاه الظلمات ، يا نور الأرض والسماوات .
يا سابغ النعم ، يا دافع النقم ، يا بارئ النسم ، يا جامع الأمم ، يا شافي السقم ، يا خالق النور والظلم ، يا ذا الجود والكرم ، يا من لا يطأ عرشه قدم . يا أجود الأجودين ، يا أكرم الأكرمين ، يا أسمع السامعين ، يا أبصر الناظرين ، يا جار المستجيرين ، يا أمان الخائفين ، يا ظهر اللاجين ، يا ولي المؤمنين ، يا غياث المستغيثين ، يا غاية الطالبين .
يا صاحب كل قريب ، يا مؤنس كل وحيد ، يا ملجأ كل طريد ، يا مأوى كل شريد ، يا حافظ كل ضالة ، يا راحم الشيخ الكبير ، يا رازق الطفل الصغير ، يا جابر العظم الكسير ، يا فكاك كل أسير ، يا مغنى البائس الفقير ، يا عصمة الخائف المستجير ، يا من له التدبير والتقدير ، يا من العسير عليه سهل يسير ، يا من لا يحتاج إلى تفسير ، يا من هو على كل شيء قدير ، يا من هو بكل شيء خبير ، يا من هو بكل شيء بصير . يا مرسل الرياح ، يا فالق الإصباح ، يا باعث الأرواح ، يا ذا الجود والسماح ، يا من بيده كل مفتاح ، يا سامع كل صوت ، يا سابق كل فوت ، يا محيي كل نفس بعد الموت . يا عدتي في شدتي ، يا حافظي في غربتي ، يا مؤنسي في وحدتي ، يا وليي في نعمتي ، يا كنفي حين تعييني المذاهب ، وتسلمني الأقارب ، ويخذلني كل صاحب ، يا عماد من لا عماد له ، يا سند من لا سند له ، يا ذخر من لا ذخر له ، يا كهف من لا كهف له ، يا ركن من لا ركن له ، يا غياث من لا غياث له ، يا جار من لا جار له . يا جاري اللصيق ، يا ركني الوثيق ، يا إلهي بالتحقيق ، يا رب البيت العتيق ، يا شفيق ، يا رفيق ، فكني من حلق المضيق ، واصرف عني كل هم وغم وضيق ، واكفني شر ما لا أطيق ، وأعني على ما أطيق .
يا راد يوسف على يعقوب ، يا كاشف ضر أيوب ، يا غافر ذنب داود ، يا رافع عيسى بن مريم من أيدي اليهود ، يا مجيب نداء يونس في الظلمات ، يا مصطفي موسى بالكلمات ، يا من غفر لآدم خطيئته ، ورفع إدريس برحمته ، يا من نجا نوحا من الغرق ، يا من أهلك عادا الأولى وثمود فما أبقى وقوم نوح من قبل إنهم كانوا هم أظلم وأطغى ، والمؤتفكة أهوى ، يا من دمر على قوم لوط ، ودمدم على قوم شعيب .
يا من اتخذ إبراهيم خليلا ، يا من اتخذ موسى كليما ، واتخذ محمدا صلى الله عليهم أجمعين حبيبا . يا مؤتي لقمان الحكمة ، والواهب لسليمان ملكا لا ينبغي لأحد من بعده ، يا من نصر ذا القرنين على الملوك الجبابرة ، يا من أعطى الخضر الحياة ، ورد ليوشع بن نون الشمس بعد غروبها ، يا من ربط على قلب أم موسى ، وأحصن فرج مريم بنت عمران ، يا من حصن يحيى بن زكريا من الذنب ، وسكن عن موسى الغضب ، يا من بشر زكريا بيحيى ، يا من فدى إسماعيل من الذبح ، يا من قبل قربان هابيل وجعل اللعنة على قابيل ، يا هازم الأحزاب ، صل على محمد وآل محمد ، وعلى جميع المرسلين ، وملائكتك المقربين ، وأهل طاعتك .
وأسألك بكل مسألة سألك بها أحد ممن رضيت عنه ، فحتمت له على الإجابة ، يا الله يا الله يا الله ، يا رحمن يا رحيم ، يا رحمن يا رحيم ، يا رحمن يا رحيم ، يا ذا الجلال والإكرام ، يا ذا الجلال والاكرام ، يا ذا الجلال والاكرام ، به به به به به به به أسئلك بكل اسم سميت به نفسك ، أو أنزلته في شيء من كتبك ، أو استأثرت به في علم الغيب عندك ، وبمعاقد العز من عرشك ومنتهى الرحمة من كتابك ، وبما لو أن ما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله ان الله عزيز حكيم .
وأسألك بأسمائك الحسنى التي بينتها في كتابك ، فقلت : ( ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها ) ، وقلت : ( أدعوني أستجب لكم ) .
وقلت : ( وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان ) .
وقلت : ( يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله ) .
وأنا أسألك يا إلهي ! وأطمع في إجابتي يا مولاي ! كما وعدتني ، وقد دعوتك كما أمرتني ، فافعل بي كذا وكذا . . .
وتسأل الله تعالى ما أحببت ، وتسمي حاجتك ، ولا تدع به إلا وأنت طاهر .
ثم قال للفتى : إذا كانت الليلة فادع به عشرة مرة وأتني من غد بالخبر . قال الحسين بن على : وأخذ الفتى الكتاب ومضى ، فلما كان من غد ما أصبحنا حسنا حتى أتى الفتى إلينا سليما معافى ، والكتاب بيده ، وهو يقول : هذا والله ! الاسم الأعظم أستجيب لي ورب الكعبة . قال له علي صلوات الله عليه : حدثني ، قال : [ لما ] هدأت العيون بالرقاد ، واستحلك جلباب الليل ، رفعت يدي بالكتاب ودعوت الله بحقه مرارا ، فأجبت في الثانية : حسبك ، فقد دعوت الله باسمه الأعظم ، ثم اضطجعت فرأيت رسول الله في منامي ، وقد مسح يده الشريفة علي وهو يقول : احتفظ باسم الله العظيم ، فإنك على خير ، فانتبهت معافى كما ترى ، فجزاك الله خيرا .
يا من يجيب دعاء المضطر في الظلم * يا كاشف الضر والبلوى مع السقم قد نام وفدك حول البيت وانتبهوا * يدعوا وعينك يا قيوم لم تنم هب لي بجودك فضل العفو عن جرمي * يا من أشار إليه الخلق في الحرم إن كان عفوك لا يلقاه ذو سرف * فمن يجود على العاصين بالنعم قال الحسين بن علي صلوات الله عليهما : فقال لي : يا أبا عبد الله ! أسمعت المنادي ذنبه ، المستغيث ربه ؟ فقلت : نعم ، قد سمعته .
فقال : اعتبره عسى تراه ، فما زلت أخبط في طخياء الظلام وأتخلل بين النيام .
فلما صرت بين الركن والمقام ، بدا لي شخص منتصب ، فتأملته فإذا هو قائم ، فقلت : السلام عليك أيها العبد المقر المستقيل المستغفر المستجير ، أجب بالله ابن عم رسول الله .
فأسرع في سجوده وقعوده وسلم ، فلم يتكلم حتى أشار بيده بأن تقدمني ، فتقدمته فأتيت به أمير المؤمنين فقلت : دونك ها هو ! فنظر إليه ، فإذا هو شاب حسن الوجه ، نقي الثياب . فقال له : ممن الرجل ؟ فقال له : من بعض العرب .
فقال له : ما حالك ، ومم بكاؤك واستغاثتك ؟ فقال : حال من أوخذ بالعقوق فهو في ضيق ، ارتهنه المصاب ، وغمره الإكتياب ، فارتاب فدعاؤه لا يستجاب .
فقال له علي : ولم ذلك ؟ فقال : لأني كنت ملتهيا في العرب باللعب والطرب ، أديم العصيان في رجب وشعبان ، وما أراقب الرحمن ، وكان لي والد شفيق رفيق ، يحذرني مصارع الحدثان ، ويخوفني العقاب بالنيران ويقول : كم ضج منك النهار والظلام ، والليالي والأيام ، والشهور والأعوام ، والملائكة الكرام ، وكان إذا ألح علي بالوعظ زجرته وانتهرته ، ووثبت عليه وضربته ، فعمدت يوما إلى شيء من الورق فكانت في الخباء فذهبت لآخذها وأصرفها فيما كنت عليه ، فما نعني عن أخذها ، فأوجعته ضربا ولويت يده وأخذتها ومضيت ، فأومأ بيده إلى ركبتيه يروم النهوض من مكانه ذلك ، فلم يطق يحركها من شدة الوجع والألم ، فأنشأ يقول : جرت رحم بيني وبين منازل * سواء كما يستنزل القطر طالبه وربيت حتى صار جلدا شمردلا * إذا قام ساوى غارب الفحل غاربه وقد كنت أوتيه من الزاد في الصبي * إذا جاع منه صفوه وأطايبه فلما استوى في عنفوان شبابه * وأصبح كالرمح الردينى خاطبه تهضمني مالي كذا ولوى يدي * لوى يده الله الذي هو غالبه ثم حلف بالله ليقدمن إلى بيت الله الحرام ، فيستعدي الله علي ، قال : فصام أسابيع ، وصلى ركعات ، ودعا وخرج متوجها على عيرانة يقطع بالسير عرض الفلاة ، ويطوي الأودية ويعلو الجبال ، حتى قدم مكة يوم الحج الأكبر ، فنزل عن راحلته ، وأقبل إلى بيت الله الحرام ، فسعى وطاف به ، وتعلق بأستاره ، وابتهل بدعائه ، وأنشأ يقول : يا من إليه أتى الحجاج بالجهد * فوق المهاد من أقصى غاية البعد إني أتيتك يا من لا يخيب من * يدعوه مبتهلا بالواحد الصمد هذا منازل من يرتاع من عققي * فخذ بحقي يا جبار من ولدي حتى تشل بعون منك جانبه * يا من تقدس لم يولد ولم يلد قال : فو الذي سمك السماء ، وأنبع الماء ، ما استتم دعاءه حتى نزل بي ما ترى ، ثم كشف عن يمينه ، فإذا بجانبه قد شل .
فأنا منذ ثلاث سنين أطلب إليه أن يدعو لي في الموضع الذي دعا به علي ، فلم يجبني ، حتى إذا كان العام أنعم علي فخرجت على ناقة عشراء أجد السير حثيثا رجاء العافية ، حتى إذا كنا على الأراك وحطمة وادي السياك ، نفر طائر في الليل ، فنفرت منها الناقة التي كان عليها ، فألقته إلى قرار الوادي ، وارفض بين الحجرين فقبرته هناك ، وأعظم من ذلك أني لا أعرف إلا ( المأخوذ بدعوة أبيه ) .
فقال له أمير المؤمنين : أتاك الغوث ، ألا أعلمك دعاء علمنيه رسول الله ، وفيه اسم الله الأكبر الأعظم ، العزيز الأكرم ، الذي يجيب به من دعاه ويعطى به من سأله ، ويفرج الهم ، ويكشف به الكرب ويذهب به الغم ، ويبرئ به السقم ، ويجبر به الكسير ، ويغني به الفقير ، ويقضي به الدين ، ويرد به العين ، ويغفر به الذنوب ، ويستر به العيوب ، ويؤمن به كل خائف من شيطان مريد ، وجبار عنيد .
ولو دعا به طائع الله على جبل لزال من مكانه ، أو على ميت لأحياه الله بعد موته ، ولو دعا به على الماء لمشى عليه بعد أن لا يدخله العجب ، فاتق الله أيها الرجل ! فقد أدركتني الرحمة لك ، وليعلم الله منك صدق النية إنك لا تدعو به في معصيته ولا تفيده إلا الثقة في دينك ! فإن أخلصت النية استجاب الله لك ، ورأيت نبيك محمدا في منامك ، يبشرك بالجنة والإجابة .
قال الحسين بن علي : فكان سروري بفائدة الدعاء أشد من سرور الرجل بعافيته وما نزل به ، لأنني لم أكن سمعته منه ، ولا عرفت هذا الدعاء قبل ذلك ، ثم [ قال ] : آتني بدواة وبياض ، واكتب ما أمليه عليك ، ففعلت ، وهو :
أللهم إني أسألك باسمك بسم الله الرحمن الرحيم ، يا ذا الجلال والإكرام ، يا حي يا قيوم ، يا حي لا إله إلا أنت ، يا من لا يعلم ما هو ولا أين هو ولا حيث هو ولا كيف هو إلا هو ؟ يا ذا الملك والملكوت ، يا ذا العزة والجبروت ، يا ملك يا قدوس ، يا سلام ، يا مؤمن ، يا مهيمن ، يا عزيز ، يا جبار ، يا متكبر ، يا خالق ، يا بارئ ، يا مصور ، يا مفيد ، يا ودود ، يا محمود ، يا معبود ، يا بعيد ، يا قريب ، يا مجيب ، يا رقيب ، يا حسيب ، يا بديع ، يا رفيع ، يا منيع ، يا سميع ، يا عليم ، يا حكيم ، يا كريم ، يا مدبر ، يا شديد ، يا مبدئ ، يا معيد ، يا مبيد ، يا قديم ، يا قديم .
يا علي ، يا عظيم ، يا حنان ، يا منان ، يا ديان ، يا مستعان ، يا جليل ، يا جميل ، يا وكيل ، يا كفيل ، يا مقيل ، يا منيل ، يا نبيل ، يا دليل ، يا هادي ، يا بادي ، يا أول ، يا آخر ، يا ظاهر ، يا باطن ، يا قائم ، يا دائم ، يا عالم ، يا حاكم ، يا قاضى ، يا عادل ، يا فاضل ، يا واصل ، يا طاهر ، يا مطهر ، يا قادر ، يا مقتدر ، يا كبير ، يا متكبر .
يا أحد ، يا صمد ، يا من لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد ، ولم يكن له صاحبة ، ولا كان معه وزير ، ولا اتخذ معه مشيرا ، ولا احتاج إلى ظهير ، ولا كان معه إله ، لا إله إلا أنت ، فتعاليت عما يقول الجاحدون الظالمون علوا كبيرا . يا علي ، يا عالم ، يا شامخ ، يا باذخ ، يا نفاح ، يا مفرج ، يا ناصر ، يا منتصر ، يا مهلك ، يا منتقم ، يا باعث ، يا وارث ، يا أول [ يا آخر ] ، يا طالب ، يا غالب .
يا من لا يفوته هارب ، يا تواب ، يا أواب ، يا وهاب ، يا مسبب الأسباب ، يا مفتح الأبواب ، يا من حيث ما دعي أجاب ، يا طهور ، يا شكور ، يا عفو ، يا غفور ، يا نور النور ، يا مدبر الأمور ، يا لطيف ، يا خبير ، يا متجبر ، يا منير ، يا بصير ، يا ظهير ، يا كبير ، يا وتر ، يا فرد ، يا صمد ، يا أبد ، يا سند ، يا كافي ، يا شافي ، يا وافي ، يا معافي ، يا محسن ، يا مجمل ، يا معافي ، يا منعم ، يا متفضل ، يا متكرم ، يا متفرد .
يا من علا فقهر ، ويا من ملك فقدر ، ويا من بطن فخبر ، ويا من عبد فشكر ، ويا من عصى فغفر وستر ، يا من لا تحويه الفكر ، ولا يدركه بصر ، ولا يخفى عليه أثر ، يا رازق البشر ، ويا مقدر كل قدر ، يا عالي المكان ، يا شديد الأركان ، ويا مبدل الزمان ، يا قابل القربان ، يا ذا المن والإحسان ، يا ذا العز والسلطان ، يا رحيم ، يا رحمان ، يا عظيم الشأن ، يا من هو كل يوم في شأن ، يا من لا يشغله شأن عن شأن . يا سامع الأصوات ، يا مجيب الدعوات ، يا منجح الطلبات ، يا قاضي الحاجات ، يا منزل البركات ، يا راحم العبرات ، يا مقيل العثرات ، يا كاشف الكربات ، يا ولي الحسنات ، يا رفيع الدرجات ، يا معطي المسألات ، يا محيي الأموات ، يا جامع الشتات ، يا مطلع على النيات ، يا راد ما قد فات ، يا من لا تشتبه عليه الأصوات ، يا من لا تضجره المسألات ، ولا تغشاه الظلمات ، يا نور الأرض والسماوات .
يا سابغ النعم ، يا دافع النقم ، يا بارئ النسم ، يا جامع الأمم ، يا شافي السقم ، يا خالق النور والظلم ، يا ذا الجود والكرم ، يا من لا يطأ عرشه قدم . يا أجود الأجودين ، يا أكرم الأكرمين ، يا أسمع السامعين ، يا أبصر الناظرين ، يا جار المستجيرين ، يا أمان الخائفين ، يا ظهر اللاجين ، يا ولي المؤمنين ، يا غياث المستغيثين ، يا غاية الطالبين .
يا صاحب كل قريب ، يا مؤنس كل وحيد ، يا ملجأ كل طريد ، يا مأوى كل شريد ، يا حافظ كل ضالة ، يا راحم الشيخ الكبير ، يا رازق الطفل الصغير ، يا جابر العظم الكسير ، يا فكاك كل أسير ، يا مغنى البائس الفقير ، يا عصمة الخائف المستجير ، يا من له التدبير والتقدير ، يا من العسير عليه سهل يسير ، يا من لا يحتاج إلى تفسير ، يا من هو على كل شيء قدير ، يا من هو بكل شيء خبير ، يا من هو بكل شيء بصير . يا مرسل الرياح ، يا فالق الإصباح ، يا باعث الأرواح ، يا ذا الجود والسماح ، يا من بيده كل مفتاح ، يا سامع كل صوت ، يا سابق كل فوت ، يا محيي كل نفس بعد الموت . يا عدتي في شدتي ، يا حافظي في غربتي ، يا مؤنسي في وحدتي ، يا وليي في نعمتي ، يا كنفي حين تعييني المذاهب ، وتسلمني الأقارب ، ويخذلني كل صاحب ، يا عماد من لا عماد له ، يا سند من لا سند له ، يا ذخر من لا ذخر له ، يا كهف من لا كهف له ، يا ركن من لا ركن له ، يا غياث من لا غياث له ، يا جار من لا جار له . يا جاري اللصيق ، يا ركني الوثيق ، يا إلهي بالتحقيق ، يا رب البيت العتيق ، يا شفيق ، يا رفيق ، فكني من حلق المضيق ، واصرف عني كل هم وغم وضيق ، واكفني شر ما لا أطيق ، وأعني على ما أطيق .
يا راد يوسف على يعقوب ، يا كاشف ضر أيوب ، يا غافر ذنب داود ، يا رافع عيسى بن مريم من أيدي اليهود ، يا مجيب نداء يونس في الظلمات ، يا مصطفي موسى بالكلمات ، يا من غفر لآدم خطيئته ، ورفع إدريس برحمته ، يا من نجا نوحا من الغرق ، يا من أهلك عادا الأولى وثمود فما أبقى وقوم نوح من قبل إنهم كانوا هم أظلم وأطغى ، والمؤتفكة أهوى ، يا من دمر على قوم لوط ، ودمدم على قوم شعيب .
يا من اتخذ إبراهيم خليلا ، يا من اتخذ موسى كليما ، واتخذ محمدا صلى الله عليهم أجمعين حبيبا . يا مؤتي لقمان الحكمة ، والواهب لسليمان ملكا لا ينبغي لأحد من بعده ، يا من نصر ذا القرنين على الملوك الجبابرة ، يا من أعطى الخضر الحياة ، ورد ليوشع بن نون الشمس بعد غروبها ، يا من ربط على قلب أم موسى ، وأحصن فرج مريم بنت عمران ، يا من حصن يحيى بن زكريا من الذنب ، وسكن عن موسى الغضب ، يا من بشر زكريا بيحيى ، يا من فدى إسماعيل من الذبح ، يا من قبل قربان هابيل وجعل اللعنة على قابيل ، يا هازم الأحزاب ، صل على محمد وآل محمد ، وعلى جميع المرسلين ، وملائكتك المقربين ، وأهل طاعتك .
وأسألك بكل مسألة سألك بها أحد ممن رضيت عنه ، فحتمت له على الإجابة ، يا الله يا الله يا الله ، يا رحمن يا رحيم ، يا رحمن يا رحيم ، يا رحمن يا رحيم ، يا ذا الجلال والإكرام ، يا ذا الجلال والاكرام ، يا ذا الجلال والاكرام ، به به به به به به به أسئلك بكل اسم سميت به نفسك ، أو أنزلته في شيء من كتبك ، أو استأثرت به في علم الغيب عندك ، وبمعاقد العز من عرشك ومنتهى الرحمة من كتابك ، وبما لو أن ما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله ان الله عزيز حكيم .
وأسألك بأسمائك الحسنى التي بينتها في كتابك ، فقلت : ( ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها ) ، وقلت : ( أدعوني أستجب لكم ) .
وقلت : ( وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان ) .
وقلت : ( يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله ) .
وأنا أسألك يا إلهي ! وأطمع في إجابتي يا مولاي ! كما وعدتني ، وقد دعوتك كما أمرتني ، فافعل بي كذا وكذا . . .
وتسأل الله تعالى ما أحببت ، وتسمي حاجتك ، ولا تدع به إلا وأنت طاهر .
ثم قال للفتى : إذا كانت الليلة فادع به عشرة مرة وأتني من غد بالخبر . قال الحسين بن على : وأخذ الفتى الكتاب ومضى ، فلما كان من غد ما أصبحنا حسنا حتى أتى الفتى إلينا سليما معافى ، والكتاب بيده ، وهو يقول : هذا والله ! الاسم الأعظم أستجيب لي ورب الكعبة . قال له علي صلوات الله عليه : حدثني ، قال : [ لما ] هدأت العيون بالرقاد ، واستحلك جلباب الليل ، رفعت يدي بالكتاب ودعوت الله بحقه مرارا ، فأجبت في الثانية : حسبك ، فقد دعوت الله باسمه الأعظم ، ثم اضطجعت فرأيت رسول الله في منامي ، وقد مسح يده الشريفة علي وهو يقول : احتفظ باسم الله العظيم ، فإنك على خير ، فانتبهت معافى كما ترى ، فجزاك الله خيرا .