مقامات وصفات أصحاب الامام المهدي (عج)
المدخل ـ أهمية معرفة صفات المهدويين.
لا يجد المراجع للأحاديث الشريفة الواردة بشأن قضيّة الإمام المهدي الموعود المنتظر –عجل الله تعالى فرجه – والمتدبّر في نصوصها، صعوبة في ملاحظة اهتمامها البالغ بشأن توضيح خصال وخصائص أصحاب المهدي (عج) وأهمية دورهم في ظهوره ونجاح ثورته الإصلاحية الكبرى، فالأحاديث الشريفة المتحدّثة عن هذا الموضوع كثيرة اخترنا منها هنا ما يربو على الأربعين حديثاً كمحور للحديث عن المقالة.
ومن الواضح لكلّ ذي بصيرة أنّ اهتمام الأحاديث الشريفة بأمرٍ معيّن يتناسب مع أهميته وتأثيره في الهداية وتقريب العباد من مقاصد الشريعة، وهذا ما يصدق على قضية الإمام المهدي (ع) أيضا، فالأحاديث الشريفة تعمّدت إبراز بعض جوانبها وتسليط المزيد من الأضواء عليها دون بعضها الآخر لمقاصد مهمة ينبغي التنبّه إليها ومعرفتها والاهتمام بها بما يتناسب مع اهتمام الأحاديث الشريفة بها وفي ذلك مقدمة ضرورية للحصول على ثمار الهداية والصلاح المرجو منها.
دعوة الأحاديث الشريفة إلى التحلّي بخصال أنصار المهدي (عجل الله تعالى فرجه)
وبالنسبة لاهتمام الأحاديث الشريفة بتفصيل الحديث عن أصحاب المهدي وأنصاره (ع) وخصالهم وسموّ مراتبهم ومقاماتهم، فلعلّ من أهمّ أهدافها هو حثّ المؤمنين على السعي والاجتهاد للتحلّي بخصالهم والاتّصاف بصفاتهم والاقتداء بهم، وهذه ثمرة تربوية مهمّة للغاية توصل المؤمن إلى مرتبة سامية من الصلاح والكمال والقرب من الله جلّ وعلا، إذ إنّها تمثّل وسيلة لحثّ المؤمنين على العمل الصالح والاجتهاد في الاتصاف بخصال الشخصية الربانية الإسلامية التي يتحلّى بها أصحاب المهدي ـ عجّل الله فرجه ـ.
وسيلة للتمهيد لظهور المنقذ (عجل الله تعالى فرجه) والإصلاح:
كما أنّ في هذا الاجتهاد مساهمة في التمهيد العملي لظهور الإمام المنتظر ـ عجل الله تعالى فرجه ـ، لأنه يمثّل مسعىً لتحقيق أهم شرطٍ له وهو توفّر العدد اللازم من الأنصار الأوفياء الموصوفين بتلك الصفات، وهذا من التكاليف المهمّة لعصر الغيبة الكبرى بل ولعلّه أهمّها، وعليه نعرف أنّ في هذه الأحاديث دعوة للمؤمنين إلى المساهمة في التمهيد لظهور المصلح العالمي المنتظر – عجّل الله تعالى فرجه – تعزّز المفهوم الإيجابي للانتظار وتبيّن أهم مقتضياته العملية.
صفات أصحاب المهدي في الأحاديث الشريفة
ننقل أوّلاً طائفة من الأحاديث الشريفة المروية في هذا الباب وفيما يرتبط بمضامينه الرئيسية، المبيّنة لها بصورة مباشرة صريحة أو ضمنية تلميحية، داعين القارئ الكريم إلى أن يتدبر في نصوصها ويفتح قلبه عليها وعلى خطابها ومغزاه قبل أن يكمل الرحلة معنا في تحليل موجز لدلالاتها فمن صفات أصحاب الإمام المهدي (عج):
ـ لا يستوحشون إلى أحد.
روى الحاكم في مستدركه على صحيحي البخاري ومسلم، بسندٍ صحّحّه على شرطهما عن محمّد بن الحنفية قال: كنا عند علي (رضي الله عنه) فسأله رجلٌ عن المهدي، فقال علي رضي الله عنه:
هيهات؛ ثمّ عقد سبعاً؛ فقال: ذاك يخرج آخر الزمان، إذا قال الرجل: الله الله قُتل. فيجمع الله تعالى قومه؛ قزعٌ كقزع السحاب، يؤلف الله بين قلوبهم، لا يستوحشون إلى أحد، ولا يفرحون بأحدٍ يدخل فيهم، على عدّةِ أصحاب بدر، لم يسبقهم الأوّلون، ولا يدركهم الآخرون، وعلى عدد جنود طالوت الذين جاوزوا معه النهر.
ـ الرفقاء والأبدال.
في تهذيب ابن عساكر روي عن الإمام علي (ع) أنّه قال:
إذا قام قائم آل محمّد جمع الله له أهل المشرق وأهل المغرب، فيجتمعون كما يجتمع قزع الخريف، فأمّا الرفقاء فمن أهل الكوفة وأمّا الأبدال فمن أهل الشام.
ـ يحملهم الله كيف يشاء.
روى الشيخ الطوسي في غيبته مسنداً عن الصادق (ع) قال: كان أمير المؤمنين (ع) يقول:
لا يزال الناس ينقصون حتى لا يُقال الله ، فإذا كان ذلك ضرب يعسوب الدين بذنبه، فيبعث الله قوما من أطرافها يجيئون قزعاً كقزع الخريف، والله إنّي لأعرفهم وأعرف أسماءهم وقبائلهم واسم أميرهم، وهم قومٌ يحملهم الله كيف شاء، من القبيلة الرجل والرجلين حتّى بلغ تسعة، فيتوافون من الآفاق ثلاثمئة وثلاثة عشر رجلا عدّة أهل بدر، وهو قوله تعالى(..أيْنما تكونوا يأتِ بكُمُ اللهُ جمِيعاً إنَّ اللهَ على كلِّ شيءٍ قدِير))، حتّى أن الرجل ليحتبي فلا يحل حبوته حتّى يبلغ الله ذلك.
واليعسوب هو الرئيس والسيّد، والمقصود الإمام المهدي ـ عجّل الله فرجه ـ، والحبوة من الاحتباء الذي هو ضمّ الساقين إلى البطن، والمعنى أنّهم يحملون على الحالة التي كانوا عليها من الاحتباء والقيد حتّى يبلغهم الله مكّة بلا تعب ولا نصب .
ـ جيش الغضب لله.
روى الشيخ النعماني في غيبته عن الإمام علي (ع) أنه قال ـ ضمن حديث ـ عن جيش الغضب:
... أولئك قومٌ يأتون آخر الزمان، قزع كقزع الخريف الرجل والرجلان والثلاثة من كلّ قبيلة حتّى بلغ تسعة، أما والله إني لأعرف أميرهم واسمه ومناخ ركابهم…، وقال (ع) لابن الكوّاء وشبث بن ربعي وقد دخلا عليه وقالا: أحببنا أن نكون من الغضب: ويحكما! وهل في ولايتي غضب؟! أو يكون الغضب حتّى يكون من البلاء كذا وكذا؟ ثمّ يجتمعون قزعاً كقزع الخريف.
ـ يجمعهم الله من مشرق الأرض ومغربها.
روى الحافظ السليلي في فتنه مسنداً عن الإمام علي (ع) أنّه قال على المنبر في خطبة عن المهدي المنتظر ـ عجّل الله تعالى فرجه ـ(ألا إنه أشبه الناس خلقاً وخُلقاً وحسناً برسول الله (ص)، ألا أدلّكم على رجاله وعددهم؟!… قال: سمعتُ رسول الله (ص)، قال: أوّلهم من البصرة وآخرهم من اليمامة… [وجعل يعدّدهم والناس يكتبون وبعد أن أتمّ ذكرهم قال]: أحصاهم لي رسول الله (ص) ثلاثمئة وثلاثة عشر رجلا بعدد أصحاب بدر يجمعهم الله من مشرقها إلى مغربها ـ في أقلّ ممّا يتم الرجل عيناه ـ عند بيت الله الحرام...)) .
ـ المفقودون عن فرشهم.
روى الشيخ الصدوق في كمال الدين مسندا عن زين العابدين الإمام علي بن الحسين (ع) قال: المفقودون عن فرشهم ثلاثمئة وثلاثة عشر رجلا عدّة أهل بدر، يصحبون بمكّة، وهو قول الله((… أيْنما تَكونوا يأتِ بكُمُ اللهُ جَمِيعاً…))، وهم أصحاب القائم (ع).
ـ غرباء يفرّون بدينهم.
روى البخاري في تأريخه وابن حمّاد في ملاحمه وأبو نعيم في حلية الأولياء والزمخشري في ربيع الأبرار والسيوطي في جمع الجوامع وغيرهم مسنداً عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: أحبّ شيءٍ إلى الله تعالى الغرباء، قيل: أيّ شيءٍ الغرباء؟ قال: الذين يفرّون بدينهم يُجمعونَ إلى عيسى بن مريم (ع).
وواضحٌ أنّ المقصود جمعهم إلى المهدي (ع) ولنصرته عند ظهوره، لأنّ نزول عيسى (ع) يكون في عصر ظهوره ـ عجّل الله فرجه ـ كما هو ثابت في الكثير من الأحاديث الشريفة، ويبدو أنّ ذكر عبد الله بن عمرو في هذا الحديث لعيسى بن مريم هو بملاحظة نقله هذا الحديث في العصر الأموي حيث كانت الأوضاع السياسية تضطر أحيانا الرواة إلى الحذر من ذكر المهدي (ع) لأنّه من أهل البيت (ع) والسلطات الأمويّة كانت تحارب هذه العقيدة وهي التي دفعت بعض الرواة إلى افتراء حديث((لا مهدي إلاّ عيسى)) والترويج لهذه الفكرة نفيا للعقيدة المهدوية وما أخبر به الرسول الأعظم (ص) من حتمية ظهور المصلح الأكبر المهدي المنتظر من ذرية فاطمة ـ سلام الله عليها ـ في آخر الزمان وإنهائهِ الظلم والجور.
ـ نصرتهم لإمام الحق.
روى الطبراني في المعجم الأوسط ونقله أيضا الهيثمي في مجمع الزوائد والسيوطي والمتّقي الهندي والمغربي في الإذاعة وغيرهم مسنداً عن أُم سلمة ـ رضي الله عنها ـ عن رسول الله (ص) أنّه قال ضمن حديث عن المهدي (ع).
... فيعوذُ عائذٌ في الحرم فيجتمع الناس إليه كالطير الواردة حتّى يجتمع إليه ثلاثمئة وأربعة عشر رجلا فيهم نسوة، فيظهر على كلّ جبار وابن جبّار ويظهر من العدل ما يتمنّى له الأحياء أمواتهم... )) .
والعائذ بالبيت الحرام هو المهدي (ع) الذي يستعيذ بالكعبة المعظمة من مطاردة السفياني له لقتله قبيل ظهوره ـ عجّل الله تعالى فرجه ـ فيرسل السفياني جيشه إلى مكّة لقتله فيخسف بجيشه البيداء قبل الوصول إلى مكة، وأحاديث استعاذة المهدي بالكعبة، والخسف بجيش السفياني مروية بطرق كثيرة في كتب الفريقين من الصحاح الستّة وغيرها.
ومعنى((ويظهر من العدل ما يتمنّى له الأحياء أمواتهم...)) هو: يتمنّى الأحياء أن يعود أحبّاؤهم من الذين فارقوا الحياة الدنيا ليتنعّموا بالعدل المهدوي.
ـ هم الأمّة المعدودة.
روى الكليني في روضة الكافي مسندا عن الإمام الباقر (ع) أنه قال بشأن قوله تعالى(…أيْنما تَكونوا يأتِ بكُم اللهُ جميعاً)) (... يعني أصحاب المقام الثلاثمئة والبضعة عشر رجلا،وهم واللهِ الأمّة المعدودة يجتمعون والله في ساعة واحدة قزعُ كقزعِ الخريف)).
ـ أصحاب الألوية.
في غيبة النعماني روى مسندا عن الإمام الصادق (ع) قال ضمن حديث عن ظهور المهدي: فأتيحت له صحابته الثلاثمئة وثلاثة عشر قزعٌ كقزع الخريف فهم أصحاب الألوية، منهم من يفقد من فراشه ليلا فيصبح بمكّة، ومنهم من يرى يسير في السحاب نهارا يُعرف باسمه واسم أبيه وحليته ونسبه. ...
ـ فيهم مَن يبتلي بالمسير.
في رواية أخرى للنعماني عن الصادق ـ سلام الله عليه ـ قال: ... ويبايعه الناسُ، الثلاثمئة وثلاثة عشر، فمن كان ابتلي بالمسير وافى في تلك الساعة، ومَن لم يبتل بالمسير فُقِدَ عن فراشه.
روى النعماني عنه أيضا (ع) قال في الآية المتقدّمة((... أيْنما تكونوا)) قال : ... نزلت في القائم وأصحابه يجتمعون على غير ميعاد...
وواضح أن المقصود من نزول الآية في أصحاب القائم أنّ جمعهم لنصرته (ع) من أبرز مصاديقها حيث يكون بإرادة الله عز وجل دون أن يعني ذلك الحصر للآية بهذا المصداق. وقد رويت أحاديث أخرى في تطبيق الآية على أصحاب القائم (ع) وجمعهم في مكّة لنصرته.
ـ عندهم مفاتيح العلوم الإلهيّة.
روى الصفّار في بصائر الدرجات والنعماني في غيبته والصدوق في كمال الدين والخصال وغيرهم من طرق عديدة عن الإمام الصادق (ع) قال: سيبعث الله ثلاثمئة وثلاث عشر رجلا إلى مسجد مكّة يعلم أهل مكّة أنّهم لم يولدوا من آبائهم ولا أجدادهم وفي رواية: لم يخلق آباؤهم ولا أجدادهم بعد، عليهم سيوف مكتوب عليها ألف كلمة، كلّ كلمة مفتاح ألف كلمة...
ـ يحبّهم الله ويحبّونه.
في غيبة النعماني مسندا عن الصادق (ع) قال: إنّ صاحب هذا الأمر محفوظةٌ له أصحابه، لو ذهب الناس جميعا أتى الله له بأصحابه، وهم الذين قال الله عز وجلّ:...فإنْ يكفْر بها هَؤلاء فقد وكَّلنا بها قوما ليْسُوا بها بكافرِين ، وهم الذين قال الله فيهم:... فسوفَ يأتي اللهُ بقَوْم يحبُّهم ويُحبُّونَهُ أذِلَّةٍ على المُؤمنين أعزّة على الكافرين....
ـ أولياء الله .
روى الشيخ أبو العلاء الهمداني في كتاب أخبار المهدي عن الإمام علي (ع) قال ـ ضمن حديث عن المهدي ـ:
يخرج من مكّة بعد الخسف في ثلاثمئة وثلاثة عشر رجلاً، ويلتقي هو وصاحب جيش السفياني
وأصحاب المهدي يومئذٍ جننهم البراذع، ويسمع صوتُ منادٍ من السماء: ألا إنّ أولياء الله أصحاب فلان [يعني المهدي] وتكون الدائرة على أصحاب السفياني.
وقوله((جننهم البراذع))، يعني دروعهم البرذعة وهي القماش الذي يُوضع على ظهر الدابّة، وفي ذلك كناية عن شجاعتهم. وقوله(يخرج من مكّة بعد الخسف...)) يشير إلى ظهوره في مكّة أولاً بعد الخسف بجيش السفياني الذي تقدمت الإشارة إليه، وهذا الخسف هو علامة الخروج كما ورد في أحاديث أخرى، وذكر الثلاثمئة عشر هنا من باب ذكر طليعة الجيش أو عماده؛ لأنّ الأحاديث الشريفة صرّحت بأنّه (ع) لا يخرج من مكّة إلاّ بعد اكتمال عدد أفراد جيشه العشرة آلاف كما سيأتي.
ـ الشيعة الحقيقيون الذين لا تختلف أهواؤهم.
في غيبة النعماني روى مسندا عن الإمام الصادق (ع) أنّه دخل عليه بعض أصحابه فقال له: جعلتُ فداك، أني واللهِ أحبّك وأحبّ من يحبّك يا سيدي ما أكثر شيعتكم! فقال [ع] له: اذكرهم، فقال: كثير، فقال: تحصيهم؟ فقال: هم أكثر من ذلك، فقال أبو عبد الله (ع) ) : (أما لو كملت العدة الموصوفة ثلاثمائة وبضعة عشر كان الذي تريدون! ولكنّ شيعتنا من لا يعدو صوتُه سمعه ولا شحناؤه بدنَهُ، ولا يمدحُ بنا مُعلنا ولا يخاصِمُ بنا قاليا، ولا يجالس لنا عايبا، ولا يُحدّث لنا ثالبا، ولا يحبّ لنا مبغضا ولا يبغض لنا محبّاً!
فقلت: فكيف أصنعُ بهذه الشيعة المختلفة الذين يقولون إنّهم يتشيّعون؟ فقال (ع):
فيهم التمييز وفيهم التمحيص وفيهم التبديل، يأتي عليهم سنونٌ تفنيهم، وسيفٌ يقتلهم، واختلافٌ يبدّدهم، إنّما شيعتنا من لا يهرُّ هرير الكلب ولا يطمع طمع الغراب، ولا يسأل الناس بكفّه وإن مات جوعا.
قلتُ: جُعلت فداك فأين أطلب هؤلاء الموصوفين بهذه الصفة؟ فقال:
اطلبهم في أطراف الأرض، أولئك الخفيض عيشهم، المنتقلة دارهم، الذين إن شهدوا لم يُعرفوا، وإن غابوا لم يفتقدوا، وإن مرضوا لم يُعادوا، وإن خاطبوا لم يزوّجوا، وإن ماتوا لم يشهدوا، أولئك الذين في أموالهم يتواسون، وفي قبورهم يتزاورون، ولا تختلف أهواؤهم وإن اختلفت بهم البلدان)).
وروى النعماني الحديث بسند آخر وفيه إضافة هي(وإن رأوا مؤمنا أكرموه، وإن رأوا منافقا هجروه، وعند الموت لا يجزعون وفي قبروهم يتزاورون ... )).
ـ أهل الإخلاص.
روى الشيخ الصدوق في كمال الدين بسنده عن السيّد الجليل عبد العظيم الحسني أنّه قال للإمام الجواد (ع) وقال له: إني لأرجو أن تكون القائم من أهل بيت محمد الذي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجوراً، فقال (ع):
يا أبا القاسم، ما منّا إلاّ وهو قائمٌ بأمر الله عزّ وجل، وهادٍ إلى دين الله، ولكن القائم الذي يطهّر الله عزّ وجل به الأرض من أهل الكفر والجحود ويملأها عدلا وقسطاً هو الذي تخفى على الناس ولادته ويغيب عنهم شخصه ويحرم عليهم تسميته، وهو سمّي رسول الله (ص) وكنيّه، وهو الذي تطوى له الأرض، ويذلّ له كل صعب، [و] يجتمع إليه من أصحابه عدّة أهل بدر: ثلاثمئة وثلاثة عشر من أقاصي الأرض… فإذا اجتمعت له هذه العدة من أهل الإخلاص أظهره الله أمره، فإذا كمل له العقد ـ وهو عشرة آلاف رجل ـ خرج بإذن الله عزّ وجل.
ـ صفوة الأمة مع أبرار العترة.
روى الشيخ الطوسي في كتاب الغيبة مسندا عن الإمام علي (ع) قال في حديث وقد انتهى إلى مسجد الكوفة(طوبى لمن شهد هدمك مع قائم أهل بيتي، أولئك خيار الأمّة مع أبرار العترة)).
ومعلوم أن هدم مسجد الكوفة المذكور في الحديث يأتي في إطار سياسة الإمام المهدي ـ عجّل الله فرجه ـ لإزالة الإضافات المبتدعة على المساجد وإعادتها إلى السنة المحمّدية النقيّة.
ـ أهل يقين وعبادة وولاية شعارهم يا لثارات الحسين.
روى السيّد علي بن عبد الحميد في كتاب الغيبة عن الإمام الصادق (ع) قال:
لله كنز بطالقان، ما هو بذهبٍ ولا فضّة، وراية لم تنشر منذ طويت ورجالٌ كأنّ قلوبهم زبر الحديد لا يشوبها شكٌّ في ذات الله، أشدّ من الحجر، لو حملوا على الجبال لأزالوها، لا يقصدون براياتهم بلدة إلاّ خربوها، كأنّ على خيولهم العقبان، يتمسّحون بسرج الإمام (ع) يطلبون بذلك البركة، ويحفّون به يقونه بأنفسهم في الحروب ويكفونه ما يريد فيهم. رجالٌ لا ينامون الليل، لهم دويُّ في صلاتهم كدوي النحل، يبيتون قياما على أطرافهم ويصبحون على خيولهم، رهبان بالليل ليوث بالنهار، هم أطوع له من الأمة لسيّدها، كالمصابيح، كأن قلوبهم القناديل، وهم من خشية الله مشفقون، يدعون بالشهادة ويتمنّون أن يقتلوا في سبيل الله، شعارهم: يالثارات الحسين. إذا ساروا يسير الرعب أمامهم مسيرة شهر، يمشون إلى المولى إرسالاً، بهم ينصر الله إمام الحقّ.
ـ عرفوا الله حقّ معرفته.
روى ابن أعثم الكوفي في كتاب الفتوح عن الإمام علي (ع) أنّه قال ضمن حديث:
ويحا لك يا طالقان، فإن لله عزّ وجلّ بها كنوزا ليست من ذهبٍ ولا فضة، ولكن بها رجالٌ مؤمنون عرفوا الله حق معرفته وهم أنصار المهدي في آخر الزمان.
ـ النجباء والأبدال والأخيار.
روي الشيخ الطوسي في غيبته مسندا عن الإمام الباقر (ع) قال:
يبايع القائم بين الركن والمقام ثلاثمئة ونيّف، عدة أهل بدر، فيهم النجباء من أهل مصر والأبدال من أهل الشام، والأخيار من أهل العراق.
وهذا المعنى صرّحت به الكثير من الأحاديث الشريفة المرويّة في مصادر الفريقين من الصحاح الستّة وغيرها خاصّةً في الأحاديث الخاصّة بمبايعة الإمام المهدي بعد ظهوره ـ عجّل الله تعالى فرجه ـ ولم يذكر في بعضها نجباء مصر، فمثلاً روى أبو داود في سننه وابن حنبل في مسنده، عن أمّ سلمة، عن رسول الله (ص) قال ـ ضمن حديث ـ: ((... فيبعثُ إليهم جيش من الشام فيخسف بهم بالبيداء، فإذا رأى الناس ذلك أتته أبدال الشام وعصائب العراق فيبايعونه...)).
ـ وحدّوا الله حقّ توحيده، قلوبهم مجتمعة بالمحبّة والنصيحة.
في بشارة الإسلام، روي عن أمير المؤمنين (ع) أنه قال ضمن خطبة طويلة بشأن أسماء أصحاب المهدي:
... ألا إنّه إذا خرج، فاجتمع إليه أصحابه على عدد أهل بدر وأصحاب طالوت، هم ثلاثمئة وثلاثة عشر رجلا، كأنّهم ليوث قد خرجوا من غب، قلوبهم مثل الحديد، لو أنهم همّوا بإزالة الجبال الرواسي لأزالوها عن مواضعها، وهم الذين وحّدوا الله حقّ توحيده، لهم في الليل أصوات كأصوات الثواكل من خشية الله تعالى، قيّامٌ في ليلهم وصوّامٌ في نهارهم، كأنهم من أب واحد وأُمّ واحدة، قلوبهم مجتمعة بالمحبة والنصيحة
ـ أولو قوّةٍ وركنٍ شديد.
روى الصدوق في كمال الدين مسندا عن الصادق (ع) قال:
ما كان قول لوط (ع) لقومه: {ولو أنّ لي بكمْ قُوّةً أوْ آوي إلى ركْن شديدٍ}، إلاّ تمنيّاً لقوة القائم (ع)، ولا ذكر إلا شدّة أصحابه، وإنّ الرجل منهم ليُعطى قوّة أربعين رجلا، وإنّ قلبه لأشد من زبر الحديد، ولو مرّوا بالجبال لقلعوها، ولا يكفون سيوفهم حتّى يرضى الله عز وجل.
ـ كلٌّ يرى نفسه في ثلاثمئة.
روي الطبري الإمامي في كتاب دلائل الإمامة مسندا عن الصادق (ع) أنّه ذكر أصحاب القائم فقال:
))ثلاثمائة وثلاثة عشر، وكلّ واحد يرى نفسه في ثلاثمئة)).
والاختلاف في العدد بين الأربعين والثلاثمئة يرتبط ـ فيما يبدو ـ باختلاف مراتب هؤلاء الأصحاب الإيمانية، وقد يكون عدد الأربعين خاصّاً بأفراد تتمّة العشرة آلاف من أصحاب الإمام (ع) أي أنّ كل واحد منهم يعادل أربعين رجلا، أمّا عدد الثلاثمئة فهو خاصّ بخلّص أصحابه (ع) أي الثلاثمئة وثلاثة عشر فكلّ منهم يعدل ثلاثمئة رجل في آثار عمله الجهادي.
ـ رهبان بالليل ليوث بالنهار.
في بحار الأنوار أنّ الفضل بن شاذان روى عن الباقر (ع) قال:
كأني أنظر إلى القائم وأصحابه في نجف الكوفة، كأنّ على رؤوسهم الطير، قد فنيت أزوادهم، وخلقت ثيابهم، قد أثّر السجود بجباههم، ليوث بالنهار، رهبان بالليل، كأنّ قلوبهم زبر الحديد، يُعطى الرجل منهم قوة أربعين رجلاً، لا يقتل أحداً منهم إلا كافرٌ أو منافق، قد وصفهم الله تعالى بالتوسّم في كتابه العزيز بقوله: ((إنّ في ذلكَ لآيات للمُتوَسِّمين)) .
ـ يعصمهم الله.
روي الطبرسي في الاحتجاج عن الإمام الحسن (ع) في حديث أنّ أباه علياً (ع) قال:
يبعث الله رجلا في آخر الزمان، وكلب من الدهر، وجهل من الناس، ويؤيّده بملائكتهِ ويعصم أنصاره.
ـ يمشون على الماء.
روى الشيخ النعماني في كتاب الغيبة مسندا عن الصادق (ع) قال:
إذا قام القائم بعث في أقاليم الأرض، في كلّ إقليم رجلا، يقول له:
عهدك في كفّك [كنفك] فإذا ورد عليك أمرٌ لا تفهمه ولا تعرف القضاء فيه، فانظر إلى كفّك [كنفك] واعمل بما فيها.
قال: ويبعث جنداً إلى القسطنطينية، فإذا بلغوا الخليج كتبوا على أقدامهم شيئا ومشوا على الماء، فإذا نظر إليهم الروم يمشون على الماء، قالوا: هؤلاء أصحابه يمشون على الماء فكيف هو؟ فعند ذلك يفتحون لهم أبواب المدينة فيدخلونها فيحكمون فيها ما يريدون.
ويبدو أن استخدام وصف((القسطنطينية)) هنا هو للتعبير عن عاصمة الروم أو العالم الغربي أو إحدى حواضره المهمّة، فيكون المقصود المدينة التي تكون عاصمة الروم أو الغرب أو إحدى أهمّ حواضره في زمن الظهور، مثلما كانت القسطنطينية عاصمته في زمن صدور الأحاديث الشريفة، وليس المقصود المصداق التاريخي أو نفس مدينة القسطنطينية المعروفة.
ـ ومنهم من يسبق الملائكة ويتحاكمون إليه.
روى الشيخ أبو جعفر الطبري الإمامي في كتاب دلائل الإمامة مسندا عن الإمام الرضا (ع) قال:
إذا قام القائم يأمر الله الملائكة بالسلام على المؤمنين، والجلوس معهم في مجالسهم، فإذا أراد واحدٌ حاجة أرسل القائم من بعض الملائكة أن يحمله، فيحمله الملك حتّى يأتي القائم، فيقضي حاجته ثمّ يردّه، ومن المؤمنين من يسير في السحاب، ومنهم من يطير مع الملائكة، ومنه من يمشي مع الملائكة مشيا، ومنهم مَن يسبق الملائكة، ومنهم من يتحاكم الملائكة إليه، والمؤمن أكرم على الله من الملائكة، ومنهم مَن يصيره القائمُ قاضيا بين مئة ألف من الملائكة.
وقد تكون لغة الحديث الشريف رمزية تستخدم التشبيه للإشارة إلى بعض الحقائق الغيبية التي يصعب إدراكها، أو أن تكون فيه إشارات إلى ارتفاع بعض حجب الغيب في عصر ظهور المهدي المنتظر ـ عجّل الله فرجه ـ.
ـ حكّام الأرض.
روى الشيخ الصدوق في كتاب الخصال مسندا عن الإمام السجاد (ع) قال:
إذا قام قائمنا أذهب الله عن شيعتنا العاهة وجعل قلوبهم كزبر الحديد وجعل قوّة الرجل منهم قوّة أربعين رجلا ويكونون حكّام الأرض وسنامها.
ـ قوام الأرض وخزّانها.
في الكافي روى الكليني مسندا عن الباقر (ع) قال ضمن حديث:
. . . إنّه لو قد كان ذلك أعطي الرجل منكم قوة أربعين رجلا وجعلت قلوبكم كزبر الحديد، لو قُذف بها الجبال لقلعتها وكنتم قوام الأرض وخزانها.
ـ أحدهم أجرى من الليث.
في كتاب الاختصاص للشيخ المفيد، وحلية الأولياء لأبي نعيم عن الباقر (ع) قال ضمن حديث:
. . .فإذا وقع أمرنا وخرج مهديّنا كان أحدهم [شيعتنا] أجرى من الليث وأمضى من السنان.
روى ابن حماد في كتاب الفتن مسندا عن ابن مسعود، أنه قال في حديث عن ظهور المهدي:
. . . فيجلس بين الركن والمقام، فيمدُّ يده فيبايع له، ويلقي الله محبته في صدور الناس، فيسير مع قوم أسد بالنهار رهبان بالليل.
ـ قضاة، حكّام، فقهاءٌ لا يشتبه عليهم شيء.
روى الشيخ أبو جعفر الطبري الإمامي في كتاب دلائل الإمامة بسنده، عن الإمام الصادق (ع) حديثا طويلا ذكر فيه خاصّة أصحاب المهدي ـ عجّل الله تعالى فرجه ـ، وفي نهاية الحديث سأل الراوي ـ وهو أبو بصير ـ الإمام قائلا: جعلتُ فداك، ليس على الأرض يومئذٍ مؤمنٌ غيرهم؟ فقال (ع):
بلى ولكن هذه [يعني عدة أهل بدر من أصحابه] التي يُخرج الله فيها القائم، وهم: النجباء والقضاة والحكّام والفقهاء في الدين يمسح، الله على بطونهم وظهورهم فلا يشتبه عليهم حكم.
ـ لا يبالون في الله لومة لائم:
روى نعيم بن حمّاد في كتاب الفتن مسندا عن الإمام علي (ع) قال ضمن حديث عن المهدي:
يخرج في أثني عشر إن قلّوا، أو خمسة عشر إن كثروا، يسير الرعب بين يديه، لا يلقاه عدوٌّ إلاّ هزمهم بإذن الله، شعارهم أمت أمت، لا يبالون في الله لومة لائم... .
ـ التصاقهم بالقرآن:
في نهج البلاغة من الإمام علي (ع) قال في خطبة يشير فيها إلى غيبة المهدي وإلى أصحابه ـ عجّل الله تعالى فرجه ـ:
. . . ثم ليشحذنّ فيها قومٌ شحذ القين النصل، تُجلى بالتنزيل أبصارهم ويُرمى بالتفسير في مسامعهم، ويغبقون كأس الحكمة بعد الصبوح. . . .
ـ وهم عصابةٌ لا تضرّها الفتنة.
روى النعماني في كتاب الغيبة مسندا عن الإمام علي (ع) قال:
كونوا كالنحل في الطير، ليس شيءٌ من الطير إلا وهو يستضعفها، ولو علمت الطيرُ ما في أجوافها من البركة لم تفعل بها ذلك، خالطوا الناس بألسنتكم وأبدانكم وزايلوهم بقلوبكم وأعمالكم، فو الذي نفسي بيده ما ترون ما تحبّون [ظهور المهدي (ع)] حتّى يتفل بعضكم في وجوه بعض، وحتّى يسمّي بعضكم بعضا كذابين، وحتّى لا يبقى منكم ـ أو قال من شيعتي ـ إلاّ كالكحل في العين والملح في الطعام.. وكذلك أنتم تُميزون حتّى لا يبقى منكم إلاّ عصابةٌ لا تضرّها الفتنة شيئا.
ـ الاعداد لخروج المهدي عجّل الله تعالى فرجه.
في غيبة النعماني أيضا مسندا عن الإمام الصادق (ع) قال:
ليُعدنّ أحدكم لخروج القائم ولو سهماً، فإن الله تعالى إذا علم ذلك من نيّته رجوتُ لأن يُنسئ في عمره حتّى يدركه، فيكون من أعوانه وأنصاره.
ـ عشقهم له وتفانيهم في طاعته ورضاه.
روى الطوسي في مصباح المتهجّد والسيّد ابن طاووس في الإقبال والكفعمي في المصباح والبلد الأمين، دعاء الموقف للإمام زين العابدين علي بن الحسين (ع)، قال في آخره:
اللهمّ املأ الأرض به عدلا وقسطا كما ملئت ظلما وجورا، وأمنن به على فقراء المسلمين وأراملهم ومساكينهم، واجعلني من خيار مواليه وشيعته، أشدّهم له حبّا وأطوعهم له طوعا، وأنفذهم لأمره، وأسرعهم إلى مرضاته، وأقبلهم لقوله، وأقومهم بأمره، وارزقني الشهادة بين يديه حتّى ألقاك وأنت عنّي راض.
وقد اشتملت أدعية عصر الغيبة والدعاء للإمام المهدي ـ عجّل الله فرجه ـ المرويّة عن أئمة أهل البيت (ع) الكثير من الفقرات التي يُستفاد منها ضمنيّا صفات وخصال أنصاره ـ عجّل الله فرجه ـ.
ـ يحيطون بما بين الخافقين.
روي الشيخ الصدوق في كمال الدين مسنداً عن الإمام الباقر (ع) قال:
كأني بأصحاب القائم (ع) وقد أحاطوا بما بين الخافقين، فليس من شيء إلاّ وهو مطيعٌ لهم، حتى سباع الأرض وسباع الطير، يطلب رضاهم في كلّ شيء حتى تفخر الأرض على الأرض وتقول: مرَّ بي اليوم رجلُ من أصحاب القائم (ع).
هذه بعض الصفات والمقامات التي ذكرت لأصحاب الإمام المهدي (عج) وذكرنا بعض المصادر الناصة عليها. أما الخوض في دلالتها فيحتاج الى مجلدات فنتركه الى مقالة أخرى.
المدخل ـ أهمية معرفة صفات المهدويين.
لا يجد المراجع للأحاديث الشريفة الواردة بشأن قضيّة الإمام المهدي الموعود المنتظر –عجل الله تعالى فرجه – والمتدبّر في نصوصها، صعوبة في ملاحظة اهتمامها البالغ بشأن توضيح خصال وخصائص أصحاب المهدي (عج) وأهمية دورهم في ظهوره ونجاح ثورته الإصلاحية الكبرى، فالأحاديث الشريفة المتحدّثة عن هذا الموضوع كثيرة اخترنا منها هنا ما يربو على الأربعين حديثاً كمحور للحديث عن المقالة.
ومن الواضح لكلّ ذي بصيرة أنّ اهتمام الأحاديث الشريفة بأمرٍ معيّن يتناسب مع أهميته وتأثيره في الهداية وتقريب العباد من مقاصد الشريعة، وهذا ما يصدق على قضية الإمام المهدي (ع) أيضا، فالأحاديث الشريفة تعمّدت إبراز بعض جوانبها وتسليط المزيد من الأضواء عليها دون بعضها الآخر لمقاصد مهمة ينبغي التنبّه إليها ومعرفتها والاهتمام بها بما يتناسب مع اهتمام الأحاديث الشريفة بها وفي ذلك مقدمة ضرورية للحصول على ثمار الهداية والصلاح المرجو منها.
دعوة الأحاديث الشريفة إلى التحلّي بخصال أنصار المهدي (عجل الله تعالى فرجه)
وبالنسبة لاهتمام الأحاديث الشريفة بتفصيل الحديث عن أصحاب المهدي وأنصاره (ع) وخصالهم وسموّ مراتبهم ومقاماتهم، فلعلّ من أهمّ أهدافها هو حثّ المؤمنين على السعي والاجتهاد للتحلّي بخصالهم والاتّصاف بصفاتهم والاقتداء بهم، وهذه ثمرة تربوية مهمّة للغاية توصل المؤمن إلى مرتبة سامية من الصلاح والكمال والقرب من الله جلّ وعلا، إذ إنّها تمثّل وسيلة لحثّ المؤمنين على العمل الصالح والاجتهاد في الاتصاف بخصال الشخصية الربانية الإسلامية التي يتحلّى بها أصحاب المهدي ـ عجّل الله فرجه ـ.
وسيلة للتمهيد لظهور المنقذ (عجل الله تعالى فرجه) والإصلاح:
كما أنّ في هذا الاجتهاد مساهمة في التمهيد العملي لظهور الإمام المنتظر ـ عجل الله تعالى فرجه ـ، لأنه يمثّل مسعىً لتحقيق أهم شرطٍ له وهو توفّر العدد اللازم من الأنصار الأوفياء الموصوفين بتلك الصفات، وهذا من التكاليف المهمّة لعصر الغيبة الكبرى بل ولعلّه أهمّها، وعليه نعرف أنّ في هذه الأحاديث دعوة للمؤمنين إلى المساهمة في التمهيد لظهور المصلح العالمي المنتظر – عجّل الله تعالى فرجه – تعزّز المفهوم الإيجابي للانتظار وتبيّن أهم مقتضياته العملية.
صفات أصحاب المهدي في الأحاديث الشريفة
ننقل أوّلاً طائفة من الأحاديث الشريفة المروية في هذا الباب وفيما يرتبط بمضامينه الرئيسية، المبيّنة لها بصورة مباشرة صريحة أو ضمنية تلميحية، داعين القارئ الكريم إلى أن يتدبر في نصوصها ويفتح قلبه عليها وعلى خطابها ومغزاه قبل أن يكمل الرحلة معنا في تحليل موجز لدلالاتها فمن صفات أصحاب الإمام المهدي (عج):
ـ لا يستوحشون إلى أحد.
روى الحاكم في مستدركه على صحيحي البخاري ومسلم، بسندٍ صحّحّه على شرطهما عن محمّد بن الحنفية قال: كنا عند علي (رضي الله عنه) فسأله رجلٌ عن المهدي، فقال علي رضي الله عنه:
هيهات؛ ثمّ عقد سبعاً؛ فقال: ذاك يخرج آخر الزمان، إذا قال الرجل: الله الله قُتل. فيجمع الله تعالى قومه؛ قزعٌ كقزع السحاب، يؤلف الله بين قلوبهم، لا يستوحشون إلى أحد، ولا يفرحون بأحدٍ يدخل فيهم، على عدّةِ أصحاب بدر، لم يسبقهم الأوّلون، ولا يدركهم الآخرون، وعلى عدد جنود طالوت الذين جاوزوا معه النهر.
ـ الرفقاء والأبدال.
في تهذيب ابن عساكر روي عن الإمام علي (ع) أنّه قال:
إذا قام قائم آل محمّد جمع الله له أهل المشرق وأهل المغرب، فيجتمعون كما يجتمع قزع الخريف، فأمّا الرفقاء فمن أهل الكوفة وأمّا الأبدال فمن أهل الشام.
ـ يحملهم الله كيف يشاء.
روى الشيخ الطوسي في غيبته مسنداً عن الصادق (ع) قال: كان أمير المؤمنين (ع) يقول:
لا يزال الناس ينقصون حتى لا يُقال الله ، فإذا كان ذلك ضرب يعسوب الدين بذنبه، فيبعث الله قوما من أطرافها يجيئون قزعاً كقزع الخريف، والله إنّي لأعرفهم وأعرف أسماءهم وقبائلهم واسم أميرهم، وهم قومٌ يحملهم الله كيف شاء، من القبيلة الرجل والرجلين حتّى بلغ تسعة، فيتوافون من الآفاق ثلاثمئة وثلاثة عشر رجلا عدّة أهل بدر، وهو قوله تعالى(..أيْنما تكونوا يأتِ بكُمُ اللهُ جمِيعاً إنَّ اللهَ على كلِّ شيءٍ قدِير))، حتّى أن الرجل ليحتبي فلا يحل حبوته حتّى يبلغ الله ذلك.
واليعسوب هو الرئيس والسيّد، والمقصود الإمام المهدي ـ عجّل الله فرجه ـ، والحبوة من الاحتباء الذي هو ضمّ الساقين إلى البطن، والمعنى أنّهم يحملون على الحالة التي كانوا عليها من الاحتباء والقيد حتّى يبلغهم الله مكّة بلا تعب ولا نصب .
ـ جيش الغضب لله.
روى الشيخ النعماني في غيبته عن الإمام علي (ع) أنه قال ـ ضمن حديث ـ عن جيش الغضب:
... أولئك قومٌ يأتون آخر الزمان، قزع كقزع الخريف الرجل والرجلان والثلاثة من كلّ قبيلة حتّى بلغ تسعة، أما والله إني لأعرف أميرهم واسمه ومناخ ركابهم…، وقال (ع) لابن الكوّاء وشبث بن ربعي وقد دخلا عليه وقالا: أحببنا أن نكون من الغضب: ويحكما! وهل في ولايتي غضب؟! أو يكون الغضب حتّى يكون من البلاء كذا وكذا؟ ثمّ يجتمعون قزعاً كقزع الخريف.
ـ يجمعهم الله من مشرق الأرض ومغربها.
روى الحافظ السليلي في فتنه مسنداً عن الإمام علي (ع) أنّه قال على المنبر في خطبة عن المهدي المنتظر ـ عجّل الله تعالى فرجه ـ(ألا إنه أشبه الناس خلقاً وخُلقاً وحسناً برسول الله (ص)، ألا أدلّكم على رجاله وعددهم؟!… قال: سمعتُ رسول الله (ص)، قال: أوّلهم من البصرة وآخرهم من اليمامة… [وجعل يعدّدهم والناس يكتبون وبعد أن أتمّ ذكرهم قال]: أحصاهم لي رسول الله (ص) ثلاثمئة وثلاثة عشر رجلا بعدد أصحاب بدر يجمعهم الله من مشرقها إلى مغربها ـ في أقلّ ممّا يتم الرجل عيناه ـ عند بيت الله الحرام...)) .
ـ المفقودون عن فرشهم.
روى الشيخ الصدوق في كمال الدين مسندا عن زين العابدين الإمام علي بن الحسين (ع) قال: المفقودون عن فرشهم ثلاثمئة وثلاثة عشر رجلا عدّة أهل بدر، يصحبون بمكّة، وهو قول الله((… أيْنما تَكونوا يأتِ بكُمُ اللهُ جَمِيعاً…))، وهم أصحاب القائم (ع).
ـ غرباء يفرّون بدينهم.
روى البخاري في تأريخه وابن حمّاد في ملاحمه وأبو نعيم في حلية الأولياء والزمخشري في ربيع الأبرار والسيوطي في جمع الجوامع وغيرهم مسنداً عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: أحبّ شيءٍ إلى الله تعالى الغرباء، قيل: أيّ شيءٍ الغرباء؟ قال: الذين يفرّون بدينهم يُجمعونَ إلى عيسى بن مريم (ع).
وواضحٌ أنّ المقصود جمعهم إلى المهدي (ع) ولنصرته عند ظهوره، لأنّ نزول عيسى (ع) يكون في عصر ظهوره ـ عجّل الله فرجه ـ كما هو ثابت في الكثير من الأحاديث الشريفة، ويبدو أنّ ذكر عبد الله بن عمرو في هذا الحديث لعيسى بن مريم هو بملاحظة نقله هذا الحديث في العصر الأموي حيث كانت الأوضاع السياسية تضطر أحيانا الرواة إلى الحذر من ذكر المهدي (ع) لأنّه من أهل البيت (ع) والسلطات الأمويّة كانت تحارب هذه العقيدة وهي التي دفعت بعض الرواة إلى افتراء حديث((لا مهدي إلاّ عيسى)) والترويج لهذه الفكرة نفيا للعقيدة المهدوية وما أخبر به الرسول الأعظم (ص) من حتمية ظهور المصلح الأكبر المهدي المنتظر من ذرية فاطمة ـ سلام الله عليها ـ في آخر الزمان وإنهائهِ الظلم والجور.
ـ نصرتهم لإمام الحق.
روى الطبراني في المعجم الأوسط ونقله أيضا الهيثمي في مجمع الزوائد والسيوطي والمتّقي الهندي والمغربي في الإذاعة وغيرهم مسنداً عن أُم سلمة ـ رضي الله عنها ـ عن رسول الله (ص) أنّه قال ضمن حديث عن المهدي (ع).
... فيعوذُ عائذٌ في الحرم فيجتمع الناس إليه كالطير الواردة حتّى يجتمع إليه ثلاثمئة وأربعة عشر رجلا فيهم نسوة، فيظهر على كلّ جبار وابن جبّار ويظهر من العدل ما يتمنّى له الأحياء أمواتهم... )) .
والعائذ بالبيت الحرام هو المهدي (ع) الذي يستعيذ بالكعبة المعظمة من مطاردة السفياني له لقتله قبيل ظهوره ـ عجّل الله تعالى فرجه ـ فيرسل السفياني جيشه إلى مكّة لقتله فيخسف بجيشه البيداء قبل الوصول إلى مكة، وأحاديث استعاذة المهدي بالكعبة، والخسف بجيش السفياني مروية بطرق كثيرة في كتب الفريقين من الصحاح الستّة وغيرها.
ومعنى((ويظهر من العدل ما يتمنّى له الأحياء أمواتهم...)) هو: يتمنّى الأحياء أن يعود أحبّاؤهم من الذين فارقوا الحياة الدنيا ليتنعّموا بالعدل المهدوي.
ـ هم الأمّة المعدودة.
روى الكليني في روضة الكافي مسندا عن الإمام الباقر (ع) أنه قال بشأن قوله تعالى(…أيْنما تَكونوا يأتِ بكُم اللهُ جميعاً)) (... يعني أصحاب المقام الثلاثمئة والبضعة عشر رجلا،وهم واللهِ الأمّة المعدودة يجتمعون والله في ساعة واحدة قزعُ كقزعِ الخريف)).
ـ أصحاب الألوية.
في غيبة النعماني روى مسندا عن الإمام الصادق (ع) قال ضمن حديث عن ظهور المهدي: فأتيحت له صحابته الثلاثمئة وثلاثة عشر قزعٌ كقزع الخريف فهم أصحاب الألوية، منهم من يفقد من فراشه ليلا فيصبح بمكّة، ومنهم من يرى يسير في السحاب نهارا يُعرف باسمه واسم أبيه وحليته ونسبه. ...
ـ فيهم مَن يبتلي بالمسير.
في رواية أخرى للنعماني عن الصادق ـ سلام الله عليه ـ قال: ... ويبايعه الناسُ، الثلاثمئة وثلاثة عشر، فمن كان ابتلي بالمسير وافى في تلك الساعة، ومَن لم يبتل بالمسير فُقِدَ عن فراشه.
روى النعماني عنه أيضا (ع) قال في الآية المتقدّمة((... أيْنما تكونوا)) قال : ... نزلت في القائم وأصحابه يجتمعون على غير ميعاد...
وواضح أن المقصود من نزول الآية في أصحاب القائم أنّ جمعهم لنصرته (ع) من أبرز مصاديقها حيث يكون بإرادة الله عز وجل دون أن يعني ذلك الحصر للآية بهذا المصداق. وقد رويت أحاديث أخرى في تطبيق الآية على أصحاب القائم (ع) وجمعهم في مكّة لنصرته.
ـ عندهم مفاتيح العلوم الإلهيّة.
روى الصفّار في بصائر الدرجات والنعماني في غيبته والصدوق في كمال الدين والخصال وغيرهم من طرق عديدة عن الإمام الصادق (ع) قال: سيبعث الله ثلاثمئة وثلاث عشر رجلا إلى مسجد مكّة يعلم أهل مكّة أنّهم لم يولدوا من آبائهم ولا أجدادهم وفي رواية: لم يخلق آباؤهم ولا أجدادهم بعد، عليهم سيوف مكتوب عليها ألف كلمة، كلّ كلمة مفتاح ألف كلمة...
ـ يحبّهم الله ويحبّونه.
في غيبة النعماني مسندا عن الصادق (ع) قال: إنّ صاحب هذا الأمر محفوظةٌ له أصحابه، لو ذهب الناس جميعا أتى الله له بأصحابه، وهم الذين قال الله عز وجلّ:...فإنْ يكفْر بها هَؤلاء فقد وكَّلنا بها قوما ليْسُوا بها بكافرِين ، وهم الذين قال الله فيهم:... فسوفَ يأتي اللهُ بقَوْم يحبُّهم ويُحبُّونَهُ أذِلَّةٍ على المُؤمنين أعزّة على الكافرين....
ـ أولياء الله .
روى الشيخ أبو العلاء الهمداني في كتاب أخبار المهدي عن الإمام علي (ع) قال ـ ضمن حديث عن المهدي ـ:
يخرج من مكّة بعد الخسف في ثلاثمئة وثلاثة عشر رجلاً، ويلتقي هو وصاحب جيش السفياني
وأصحاب المهدي يومئذٍ جننهم البراذع، ويسمع صوتُ منادٍ من السماء: ألا إنّ أولياء الله أصحاب فلان [يعني المهدي] وتكون الدائرة على أصحاب السفياني.
وقوله((جننهم البراذع))، يعني دروعهم البرذعة وهي القماش الذي يُوضع على ظهر الدابّة، وفي ذلك كناية عن شجاعتهم. وقوله(يخرج من مكّة بعد الخسف...)) يشير إلى ظهوره في مكّة أولاً بعد الخسف بجيش السفياني الذي تقدمت الإشارة إليه، وهذا الخسف هو علامة الخروج كما ورد في أحاديث أخرى، وذكر الثلاثمئة عشر هنا من باب ذكر طليعة الجيش أو عماده؛ لأنّ الأحاديث الشريفة صرّحت بأنّه (ع) لا يخرج من مكّة إلاّ بعد اكتمال عدد أفراد جيشه العشرة آلاف كما سيأتي.
ـ الشيعة الحقيقيون الذين لا تختلف أهواؤهم.
في غيبة النعماني روى مسندا عن الإمام الصادق (ع) أنّه دخل عليه بعض أصحابه فقال له: جعلتُ فداك، أني واللهِ أحبّك وأحبّ من يحبّك يا سيدي ما أكثر شيعتكم! فقال [ع] له: اذكرهم، فقال: كثير، فقال: تحصيهم؟ فقال: هم أكثر من ذلك، فقال أبو عبد الله (ع) ) : (أما لو كملت العدة الموصوفة ثلاثمائة وبضعة عشر كان الذي تريدون! ولكنّ شيعتنا من لا يعدو صوتُه سمعه ولا شحناؤه بدنَهُ، ولا يمدحُ بنا مُعلنا ولا يخاصِمُ بنا قاليا، ولا يجالس لنا عايبا، ولا يُحدّث لنا ثالبا، ولا يحبّ لنا مبغضا ولا يبغض لنا محبّاً!
فقلت: فكيف أصنعُ بهذه الشيعة المختلفة الذين يقولون إنّهم يتشيّعون؟ فقال (ع):
فيهم التمييز وفيهم التمحيص وفيهم التبديل، يأتي عليهم سنونٌ تفنيهم، وسيفٌ يقتلهم، واختلافٌ يبدّدهم، إنّما شيعتنا من لا يهرُّ هرير الكلب ولا يطمع طمع الغراب، ولا يسأل الناس بكفّه وإن مات جوعا.
قلتُ: جُعلت فداك فأين أطلب هؤلاء الموصوفين بهذه الصفة؟ فقال:
اطلبهم في أطراف الأرض، أولئك الخفيض عيشهم، المنتقلة دارهم، الذين إن شهدوا لم يُعرفوا، وإن غابوا لم يفتقدوا، وإن مرضوا لم يُعادوا، وإن خاطبوا لم يزوّجوا، وإن ماتوا لم يشهدوا، أولئك الذين في أموالهم يتواسون، وفي قبورهم يتزاورون، ولا تختلف أهواؤهم وإن اختلفت بهم البلدان)).
وروى النعماني الحديث بسند آخر وفيه إضافة هي(وإن رأوا مؤمنا أكرموه، وإن رأوا منافقا هجروه، وعند الموت لا يجزعون وفي قبروهم يتزاورون ... )).
ـ أهل الإخلاص.
روى الشيخ الصدوق في كمال الدين بسنده عن السيّد الجليل عبد العظيم الحسني أنّه قال للإمام الجواد (ع) وقال له: إني لأرجو أن تكون القائم من أهل بيت محمد الذي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجوراً، فقال (ع):
يا أبا القاسم، ما منّا إلاّ وهو قائمٌ بأمر الله عزّ وجل، وهادٍ إلى دين الله، ولكن القائم الذي يطهّر الله عزّ وجل به الأرض من أهل الكفر والجحود ويملأها عدلا وقسطاً هو الذي تخفى على الناس ولادته ويغيب عنهم شخصه ويحرم عليهم تسميته، وهو سمّي رسول الله (ص) وكنيّه، وهو الذي تطوى له الأرض، ويذلّ له كل صعب، [و] يجتمع إليه من أصحابه عدّة أهل بدر: ثلاثمئة وثلاثة عشر من أقاصي الأرض… فإذا اجتمعت له هذه العدة من أهل الإخلاص أظهره الله أمره، فإذا كمل له العقد ـ وهو عشرة آلاف رجل ـ خرج بإذن الله عزّ وجل.
ـ صفوة الأمة مع أبرار العترة.
روى الشيخ الطوسي في كتاب الغيبة مسندا عن الإمام علي (ع) قال في حديث وقد انتهى إلى مسجد الكوفة(طوبى لمن شهد هدمك مع قائم أهل بيتي، أولئك خيار الأمّة مع أبرار العترة)).
ومعلوم أن هدم مسجد الكوفة المذكور في الحديث يأتي في إطار سياسة الإمام المهدي ـ عجّل الله فرجه ـ لإزالة الإضافات المبتدعة على المساجد وإعادتها إلى السنة المحمّدية النقيّة.
ـ أهل يقين وعبادة وولاية شعارهم يا لثارات الحسين.
روى السيّد علي بن عبد الحميد في كتاب الغيبة عن الإمام الصادق (ع) قال:
لله كنز بطالقان، ما هو بذهبٍ ولا فضّة، وراية لم تنشر منذ طويت ورجالٌ كأنّ قلوبهم زبر الحديد لا يشوبها شكٌّ في ذات الله، أشدّ من الحجر، لو حملوا على الجبال لأزالوها، لا يقصدون براياتهم بلدة إلاّ خربوها، كأنّ على خيولهم العقبان، يتمسّحون بسرج الإمام (ع) يطلبون بذلك البركة، ويحفّون به يقونه بأنفسهم في الحروب ويكفونه ما يريد فيهم. رجالٌ لا ينامون الليل، لهم دويُّ في صلاتهم كدوي النحل، يبيتون قياما على أطرافهم ويصبحون على خيولهم، رهبان بالليل ليوث بالنهار، هم أطوع له من الأمة لسيّدها، كالمصابيح، كأن قلوبهم القناديل، وهم من خشية الله مشفقون، يدعون بالشهادة ويتمنّون أن يقتلوا في سبيل الله، شعارهم: يالثارات الحسين. إذا ساروا يسير الرعب أمامهم مسيرة شهر، يمشون إلى المولى إرسالاً، بهم ينصر الله إمام الحقّ.
ـ عرفوا الله حقّ معرفته.
روى ابن أعثم الكوفي في كتاب الفتوح عن الإمام علي (ع) أنّه قال ضمن حديث:
ويحا لك يا طالقان، فإن لله عزّ وجلّ بها كنوزا ليست من ذهبٍ ولا فضة، ولكن بها رجالٌ مؤمنون عرفوا الله حق معرفته وهم أنصار المهدي في آخر الزمان.
ـ النجباء والأبدال والأخيار.
روي الشيخ الطوسي في غيبته مسندا عن الإمام الباقر (ع) قال:
يبايع القائم بين الركن والمقام ثلاثمئة ونيّف، عدة أهل بدر، فيهم النجباء من أهل مصر والأبدال من أهل الشام، والأخيار من أهل العراق.
وهذا المعنى صرّحت به الكثير من الأحاديث الشريفة المرويّة في مصادر الفريقين من الصحاح الستّة وغيرها خاصّةً في الأحاديث الخاصّة بمبايعة الإمام المهدي بعد ظهوره ـ عجّل الله تعالى فرجه ـ ولم يذكر في بعضها نجباء مصر، فمثلاً روى أبو داود في سننه وابن حنبل في مسنده، عن أمّ سلمة، عن رسول الله (ص) قال ـ ضمن حديث ـ: ((... فيبعثُ إليهم جيش من الشام فيخسف بهم بالبيداء، فإذا رأى الناس ذلك أتته أبدال الشام وعصائب العراق فيبايعونه...)).
ـ وحدّوا الله حقّ توحيده، قلوبهم مجتمعة بالمحبّة والنصيحة.
في بشارة الإسلام، روي عن أمير المؤمنين (ع) أنه قال ضمن خطبة طويلة بشأن أسماء أصحاب المهدي:
... ألا إنّه إذا خرج، فاجتمع إليه أصحابه على عدد أهل بدر وأصحاب طالوت، هم ثلاثمئة وثلاثة عشر رجلا، كأنّهم ليوث قد خرجوا من غب، قلوبهم مثل الحديد، لو أنهم همّوا بإزالة الجبال الرواسي لأزالوها عن مواضعها، وهم الذين وحّدوا الله حقّ توحيده، لهم في الليل أصوات كأصوات الثواكل من خشية الله تعالى، قيّامٌ في ليلهم وصوّامٌ في نهارهم، كأنهم من أب واحد وأُمّ واحدة، قلوبهم مجتمعة بالمحبة والنصيحة
ـ أولو قوّةٍ وركنٍ شديد.
روى الصدوق في كمال الدين مسندا عن الصادق (ع) قال:
ما كان قول لوط (ع) لقومه: {ولو أنّ لي بكمْ قُوّةً أوْ آوي إلى ركْن شديدٍ}، إلاّ تمنيّاً لقوة القائم (ع)، ولا ذكر إلا شدّة أصحابه، وإنّ الرجل منهم ليُعطى قوّة أربعين رجلا، وإنّ قلبه لأشد من زبر الحديد، ولو مرّوا بالجبال لقلعوها، ولا يكفون سيوفهم حتّى يرضى الله عز وجل.
ـ كلٌّ يرى نفسه في ثلاثمئة.
روي الطبري الإمامي في كتاب دلائل الإمامة مسندا عن الصادق (ع) أنّه ذكر أصحاب القائم فقال:
))ثلاثمائة وثلاثة عشر، وكلّ واحد يرى نفسه في ثلاثمئة)).
والاختلاف في العدد بين الأربعين والثلاثمئة يرتبط ـ فيما يبدو ـ باختلاف مراتب هؤلاء الأصحاب الإيمانية، وقد يكون عدد الأربعين خاصّاً بأفراد تتمّة العشرة آلاف من أصحاب الإمام (ع) أي أنّ كل واحد منهم يعادل أربعين رجلا، أمّا عدد الثلاثمئة فهو خاصّ بخلّص أصحابه (ع) أي الثلاثمئة وثلاثة عشر فكلّ منهم يعدل ثلاثمئة رجل في آثار عمله الجهادي.
ـ رهبان بالليل ليوث بالنهار.
في بحار الأنوار أنّ الفضل بن شاذان روى عن الباقر (ع) قال:
كأني أنظر إلى القائم وأصحابه في نجف الكوفة، كأنّ على رؤوسهم الطير، قد فنيت أزوادهم، وخلقت ثيابهم، قد أثّر السجود بجباههم، ليوث بالنهار، رهبان بالليل، كأنّ قلوبهم زبر الحديد، يُعطى الرجل منهم قوة أربعين رجلاً، لا يقتل أحداً منهم إلا كافرٌ أو منافق، قد وصفهم الله تعالى بالتوسّم في كتابه العزيز بقوله: ((إنّ في ذلكَ لآيات للمُتوَسِّمين)) .
ـ يعصمهم الله.
روي الطبرسي في الاحتجاج عن الإمام الحسن (ع) في حديث أنّ أباه علياً (ع) قال:
يبعث الله رجلا في آخر الزمان، وكلب من الدهر، وجهل من الناس، ويؤيّده بملائكتهِ ويعصم أنصاره.
ـ يمشون على الماء.
روى الشيخ النعماني في كتاب الغيبة مسندا عن الصادق (ع) قال:
إذا قام القائم بعث في أقاليم الأرض، في كلّ إقليم رجلا، يقول له:
عهدك في كفّك [كنفك] فإذا ورد عليك أمرٌ لا تفهمه ولا تعرف القضاء فيه، فانظر إلى كفّك [كنفك] واعمل بما فيها.
قال: ويبعث جنداً إلى القسطنطينية، فإذا بلغوا الخليج كتبوا على أقدامهم شيئا ومشوا على الماء، فإذا نظر إليهم الروم يمشون على الماء، قالوا: هؤلاء أصحابه يمشون على الماء فكيف هو؟ فعند ذلك يفتحون لهم أبواب المدينة فيدخلونها فيحكمون فيها ما يريدون.
ويبدو أن استخدام وصف((القسطنطينية)) هنا هو للتعبير عن عاصمة الروم أو العالم الغربي أو إحدى حواضره المهمّة، فيكون المقصود المدينة التي تكون عاصمة الروم أو الغرب أو إحدى أهمّ حواضره في زمن الظهور، مثلما كانت القسطنطينية عاصمته في زمن صدور الأحاديث الشريفة، وليس المقصود المصداق التاريخي أو نفس مدينة القسطنطينية المعروفة.
ـ ومنهم من يسبق الملائكة ويتحاكمون إليه.
روى الشيخ أبو جعفر الطبري الإمامي في كتاب دلائل الإمامة مسندا عن الإمام الرضا (ع) قال:
إذا قام القائم يأمر الله الملائكة بالسلام على المؤمنين، والجلوس معهم في مجالسهم، فإذا أراد واحدٌ حاجة أرسل القائم من بعض الملائكة أن يحمله، فيحمله الملك حتّى يأتي القائم، فيقضي حاجته ثمّ يردّه، ومن المؤمنين من يسير في السحاب، ومنهم من يطير مع الملائكة، ومنه من يمشي مع الملائكة مشيا، ومنهم مَن يسبق الملائكة، ومنهم من يتحاكم الملائكة إليه، والمؤمن أكرم على الله من الملائكة، ومنهم مَن يصيره القائمُ قاضيا بين مئة ألف من الملائكة.
وقد تكون لغة الحديث الشريف رمزية تستخدم التشبيه للإشارة إلى بعض الحقائق الغيبية التي يصعب إدراكها، أو أن تكون فيه إشارات إلى ارتفاع بعض حجب الغيب في عصر ظهور المهدي المنتظر ـ عجّل الله فرجه ـ.
ـ حكّام الأرض.
روى الشيخ الصدوق في كتاب الخصال مسندا عن الإمام السجاد (ع) قال:
إذا قام قائمنا أذهب الله عن شيعتنا العاهة وجعل قلوبهم كزبر الحديد وجعل قوّة الرجل منهم قوّة أربعين رجلا ويكونون حكّام الأرض وسنامها.
ـ قوام الأرض وخزّانها.
في الكافي روى الكليني مسندا عن الباقر (ع) قال ضمن حديث:
. . . إنّه لو قد كان ذلك أعطي الرجل منكم قوة أربعين رجلا وجعلت قلوبكم كزبر الحديد، لو قُذف بها الجبال لقلعتها وكنتم قوام الأرض وخزانها.
ـ أحدهم أجرى من الليث.
في كتاب الاختصاص للشيخ المفيد، وحلية الأولياء لأبي نعيم عن الباقر (ع) قال ضمن حديث:
. . .فإذا وقع أمرنا وخرج مهديّنا كان أحدهم [شيعتنا] أجرى من الليث وأمضى من السنان.
روى ابن حماد في كتاب الفتن مسندا عن ابن مسعود، أنه قال في حديث عن ظهور المهدي:
. . . فيجلس بين الركن والمقام، فيمدُّ يده فيبايع له، ويلقي الله محبته في صدور الناس، فيسير مع قوم أسد بالنهار رهبان بالليل.
ـ قضاة، حكّام، فقهاءٌ لا يشتبه عليهم شيء.
روى الشيخ أبو جعفر الطبري الإمامي في كتاب دلائل الإمامة بسنده، عن الإمام الصادق (ع) حديثا طويلا ذكر فيه خاصّة أصحاب المهدي ـ عجّل الله تعالى فرجه ـ، وفي نهاية الحديث سأل الراوي ـ وهو أبو بصير ـ الإمام قائلا: جعلتُ فداك، ليس على الأرض يومئذٍ مؤمنٌ غيرهم؟ فقال (ع):
بلى ولكن هذه [يعني عدة أهل بدر من أصحابه] التي يُخرج الله فيها القائم، وهم: النجباء والقضاة والحكّام والفقهاء في الدين يمسح، الله على بطونهم وظهورهم فلا يشتبه عليهم حكم.
ـ لا يبالون في الله لومة لائم:
روى نعيم بن حمّاد في كتاب الفتن مسندا عن الإمام علي (ع) قال ضمن حديث عن المهدي:
يخرج في أثني عشر إن قلّوا، أو خمسة عشر إن كثروا، يسير الرعب بين يديه، لا يلقاه عدوٌّ إلاّ هزمهم بإذن الله، شعارهم أمت أمت، لا يبالون في الله لومة لائم... .
ـ التصاقهم بالقرآن:
في نهج البلاغة من الإمام علي (ع) قال في خطبة يشير فيها إلى غيبة المهدي وإلى أصحابه ـ عجّل الله تعالى فرجه ـ:
. . . ثم ليشحذنّ فيها قومٌ شحذ القين النصل، تُجلى بالتنزيل أبصارهم ويُرمى بالتفسير في مسامعهم، ويغبقون كأس الحكمة بعد الصبوح. . . .
ـ وهم عصابةٌ لا تضرّها الفتنة.
روى النعماني في كتاب الغيبة مسندا عن الإمام علي (ع) قال:
كونوا كالنحل في الطير، ليس شيءٌ من الطير إلا وهو يستضعفها، ولو علمت الطيرُ ما في أجوافها من البركة لم تفعل بها ذلك، خالطوا الناس بألسنتكم وأبدانكم وزايلوهم بقلوبكم وأعمالكم، فو الذي نفسي بيده ما ترون ما تحبّون [ظهور المهدي (ع)] حتّى يتفل بعضكم في وجوه بعض، وحتّى يسمّي بعضكم بعضا كذابين، وحتّى لا يبقى منكم ـ أو قال من شيعتي ـ إلاّ كالكحل في العين والملح في الطعام.. وكذلك أنتم تُميزون حتّى لا يبقى منكم إلاّ عصابةٌ لا تضرّها الفتنة شيئا.
ـ الاعداد لخروج المهدي عجّل الله تعالى فرجه.
في غيبة النعماني أيضا مسندا عن الإمام الصادق (ع) قال:
ليُعدنّ أحدكم لخروج القائم ولو سهماً، فإن الله تعالى إذا علم ذلك من نيّته رجوتُ لأن يُنسئ في عمره حتّى يدركه، فيكون من أعوانه وأنصاره.
ـ عشقهم له وتفانيهم في طاعته ورضاه.
روى الطوسي في مصباح المتهجّد والسيّد ابن طاووس في الإقبال والكفعمي في المصباح والبلد الأمين، دعاء الموقف للإمام زين العابدين علي بن الحسين (ع)، قال في آخره:
اللهمّ املأ الأرض به عدلا وقسطا كما ملئت ظلما وجورا، وأمنن به على فقراء المسلمين وأراملهم ومساكينهم، واجعلني من خيار مواليه وشيعته، أشدّهم له حبّا وأطوعهم له طوعا، وأنفذهم لأمره، وأسرعهم إلى مرضاته، وأقبلهم لقوله، وأقومهم بأمره، وارزقني الشهادة بين يديه حتّى ألقاك وأنت عنّي راض.
وقد اشتملت أدعية عصر الغيبة والدعاء للإمام المهدي ـ عجّل الله فرجه ـ المرويّة عن أئمة أهل البيت (ع) الكثير من الفقرات التي يُستفاد منها ضمنيّا صفات وخصال أنصاره ـ عجّل الله فرجه ـ.
ـ يحيطون بما بين الخافقين.
روي الشيخ الصدوق في كمال الدين مسنداً عن الإمام الباقر (ع) قال:
كأني بأصحاب القائم (ع) وقد أحاطوا بما بين الخافقين، فليس من شيء إلاّ وهو مطيعٌ لهم، حتى سباع الأرض وسباع الطير، يطلب رضاهم في كلّ شيء حتى تفخر الأرض على الأرض وتقول: مرَّ بي اليوم رجلُ من أصحاب القائم (ع).
هذه بعض الصفات والمقامات التي ذكرت لأصحاب الإمام المهدي (عج) وذكرنا بعض المصادر الناصة عليها. أما الخوض في دلالتها فيحتاج الى مجلدات فنتركه الى مقالة أخرى.