بلاغة الامام علي بن الحسين(ع) 43
( ثم بكى وانشأ يقول ) : أتحرقني بالنار يا غاية المنى فاين رجـائي ثم ايـن محـبتي
أتيت باعمال قباح زرية(1) ما في الورى خلق جنى كجنايتي
( ثم بكى عليه السلام وقال ) : سبحانك تعصى كأنك لا ترى وتحلم كأنك لم تعص ، تتودد الى خلقك بحسن الصنيع ، كأن بك الحاجة اليهم ، وأنت ياسيدي الغني عنهم .
( ثم خر إلى الارض ) ، فدنوت منه وشلت برأسه فوضعته على ركبتي وبكيت حتى جرت دموعي على خده فاستوى ( عليه السلام ) . جالساً فقال : من الذي اشغلني عن ذكر ربي ؟ فقلت انا طاوس يا ابن رسول الله ما هذا الجزع والفزع ونحن يلزمنا أن نفعل هذا ونحن عاصون خافون(2) ، أبوك الحسين بن علي عليهما السلام ، وامك فاطمة الزهراء عليها السلام ، وجدك رسول الله صلى عليه وآله فالتفت إلي وقال :
هيهات هيهات يا طاوس ، دع عني حديث أبي وجدي ، خلق الله الجنة لمن أطاعه وأحسن وان كان عبداً حبشياً ، وخلق
(1) بتقديم المعجمة من قوله زري عليه اي عابه وعايبه وفي بعض النسخ ردية .
(2) حافون ( خ ل) .
بلاغة الامام علي بن الحسين(ع) 44
الله النار لمن عصاه وان كان ولداً قرشياً ، أما سمعت قوله تعالى : « فاذا نفخ في الصور فلا انساب بينهم يومئذ ولا يتسائلون » والله ما ينفعك غدا إلا تقدمة تقدمها من عمل صالح(1)
( ومن كلام له عليه السلام )
احتج به لما جاء اليه رجل من أهل البصرة ، فقال : يا علي بن الحسين أن جدك علي بن أبي طالب قتل المؤمنين ، فهملت عينا علي بن الحسين عليهما السلام دموعاً حتى امتلأت كفه منها ، ثم ضرب بها على الحصى ثم قال عليه السلام : يا أخا أهل البصرة ، لا والله ما قتل علي عليه السلام مؤمنا ، ولا قتل مسلماً ، وما أسلم القوم ولكن استسلموا وكتموا الكفر ، واظهروا الاسلام ، فلما وجدوا على الكفر أعواناً أظهروه ، وقد علمت صاحبة الحدث والمستحفظون(2) من آل
(1) البحار ج17 ص 18 للمجلسي والمناقب لابن شهر اشوب ج4 ص118.
(2) قرئت بوجهين بالبناء للفاعل والمعنى استحفظوا الامانة أي حفظوها والبناء للمفعول والمعنى استحفظهم الله اياها والمراد هم الائمة من اهل البيت ( عليهم السلام ) لانهم حفظوا الدين والشريعة قاله في مجمع البحرين في مادة حفظ .
بلاغة الامام علي بن الحسين(ع) 45
محمد صلى الله عليه وآله وسلم ان اصحاب الجمل ، واصحاب صفين ، واصحاب النهروان ولعنوا على لسان النبي الامي ، وقد خاب من افترى.
فقال شيخ من أهل الكوفة يا علي بن الحسين ان جدك كان يقول اخواننا بغوا علينا ، فقال علي بن الحسين عليه السلام : أما تقرأ كتاب الله : « وإلى عاد اخاهم هودا » فهم من مثلهم انجى الله عز وجل هوداً ، والذين معه وأهلك عاداً بالريح العقيم(1).
( ومن وصية له عليه السلام )
( لابنه محمد بن علي صلوات الله عليه في انه الامام من بعده )
( قال عليه السلام ) : بني اني جعلتك خليفتي من بعدي لا يدعي فيما بيني وبينك أحد إلا قلده الله يوم القيامة طوقاً من النار ، فاحمد الله على ذلك واشكره ، يا بني اشكر لمن انعم عليك ، فانه لا يزول نعمة إذا شكرت ولابقاء لها اذا كفرت ، والشاكر يشكره اسعد منه بالنعمة التي وجب عليه بها الشكر ، وتلا علي بن الحسين عليه السلام : « لئن شكرتم لأزيدنكم ، ولئن
(1) الاحتجاج على اهل اللجاج ج2 ص 170 ط نجف للطبرسي.
بلاغة الامام علي بن الحسين(ع) 46
كفرتم ان عذابي لشديد(1).
( ومن كلام له عليه السلام )
( في النهي عن الاغترار بما يعمله المرائي )
قال : اذا رأيتم الرجل قد حسن سمته وهديه ، وتماوت في منطقه وتخاضع في حركاته ، فرويداً لا يغرنكم ، فما اكثر من يعجزه تناول الدنيا وركوب الحرام منها لضعف نيته ومهانته ، وجبن قلبه ، فنصب الدين فخاً لها ، فهو لا يزال يختل الناس بظاهره ، فان تمكن من حرام اقتحمه ، وإذا وجدتموه يعف المال الحرام فرويداً لا يغرنكم حتى تنظروا ما عقده عقله ، فما أكثر من ترك ذلك اجمع ، ثم لا يرجع الى عقل متين ، فيكون يفسده بجهله أكثر مما يصلحه بعقله ، فاذا وجدتم عقله متيناً فرويداً لا يغرنكم حتى تنظروا مع هواه يكون عقله ، أم يكون مع عقله هواه ، وكيف محبته للرياسات الباطلة وزهده فيها ، فان في الناس من خسر الدنيا والاخرة يترك الدنيا للدنيا ، ويرى ان لذة الرياسة الباطلة أفضل من لذة الأموال والنعم المباحة المحللة ، فيترك ذلك أجمع طلبا
(1) كفاية الاثر في النصوص على الائمة الاثني عشر ( عليه السلام ) ص 319 للخزاز القمي.
بلاغة الامام علي بن الحسين(ع) 47
للرياسة حتى اذا قيل له : اتق الله «أخذته العزة بالاثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد »» فهو يخبط خبط عشوا ، يقوده اول باطل الى أبعد غايات الخسارة ، ويمده ربه بعد طلبه لما يقدر عليه في طغيانه ، فهو يحل ما حرم الله ، ويحرم ما أحل الله ، لا يبالي ما فات من دينه اذا سلمت له الرياسة التي قد شقى من اجلها « فاولئك الذين غضب الله عليهم ولعنهم وأعد لهم عذاباً مهيناً » ولكن الرجل كل الرجل نعم الرجل هو الذي جهل هواه تبعا لأمر الله ، وقواه مبذولة في رضى الله يرى الذل مع الحق أقرب إلى العز الابد من العز في الباطل ، ويعلم أن قليل ما يحتمله من ضرائها يؤديه إلى دوام النعيم في دار لا تبيد ولا تنفذ ، وان كثيراً ما يلحقه من سرائها ان اتبع هواه يؤديه إلى عذاب لا انقطاع له ولا يزول ، فذلكم الرجل نعم الرجل ، فبه فتمسكوا ، وبسنته فاقتدوا وإلى ربكم فتوسلوا ، فانه لا ترد له دعوة ، ولا تخيب له طلبة(1).
(1) الاحتجاج ص 175 ج2 وتنبيه الخواطر ص 306 الورام وتفسير الامام العسكري ص 19.
بلاغة الامام علي بن الحسين(ع) 48
( ومن كلام له عليه السلام )
( في بيان خروج القائم عليه السلام )
عن أبي خالد الكابلي قال : قال لي علي بن الحسين عليه السلام : يا أبا خالد لتأتين فتن كقطع الليل المظلم ، لا ينجو إلا من أخذ الله ميثاقه أولئك مصابيح الهدى ، وينابيع العلم ، وينجيهم الله من كل فتنة مظلمة ، كأني بصاحبكم قد علا فوق نجفكم بظهر كوفان في ثلثمائة وبضعة عشر رجلا جبرئيل عن يمينه ، وميكائيل عن شماله وأسرافيل امامه ، ومعه رأية رسول الله صلى الله عليه وآله قد نشرها ، لا يهوي بها الا قوم إلا أهلكهم الله عز وجل(1).
( ومن دعائه له عليه السلام )
اللهم فاوزع لوليك(2) شكر ما انعمت به علينا ، واوزعنا
(1) بحار الانوار ج17 ص 34.
(2) قيل كناية عن المهدي كما في شرح الصحيفة وقال في مكيال المكارم ان المراد بالولي المطلق في السنتهم ودعواتهم عليهم السلام هو مولانا صاحب العصر عجل الله فرجه وجعلنا من انصاره واعوانه ـ وأوزع بمعنى الهم.
بلاغة الامام علي بن الحسين(ع) 49
مثله فيه وأته من لدنك سلطاناً نصيراً ، وافتح له فتحا يسيرا ، واعنه بركنك الاعز ، واشدد ازره ، وقو عضده ، وراعه بعينك، واحمه بحفظك، وانصره بملائكتك وامدده بجندك الاغلب ، واقم به كتابك وحدودك وشرايعك ، وسنن رسولك صلواتك اللهم عليه وآله ، واحي به ما اماته الظالمون من معالم دينك ، واجل به صدء الجور عن طريقك وابن به الضراء عن سبيلك ، وازل به الناكبين عن صراطك ، وامحق به بغاة قصدك عوجاً ، وألن جانبه لاوليائك ، وابسط يده على اعدائك وهب لنا رأفته ورحمته ، وتعطفه وتحننه واجعلنا له سامعين ، وفي رضاه ساعين ، والى نصرته والمدافعة عنه مكتفين ، واليك والى رسولك صلواتك اللهم عليه وآله بذلك متقربين(1).
( ومن كلام له عليه السلام )
( لما سئله رجال من قريش كيف الدعوة الى الدين )
فقال عليه السلام : ـ بسم الله الرحمن الرحيم ـ ادعوك الى الله تعالى ، والى دينه ، جماعة امران : معرفة الله ، والاخر العمل برضوانه ، وان معرفة الله أن تعرفه بالوحدانية ، والرأفة والرحمة
(1) الصحيفة السجادية.
بلاغة الامام علي بن الحسين(ع) 50
والعلم والقدرة ، والعلو على كل شيء ، وانه النافع الضار القاهر لكل شيء، الذي لا تدركه الابصار وهو اللطيف الخبير.
وان محمداً عبده ورسوله ، وان ما جاء به هو الحق من عند الله تعالى وما سواهما هو الباطل ، فاذا اجـابوا الى ذلك فلهم ما للمسلمين وعليهم مـا على المسلمين(1).
( ومن كلام له عليه السلام )
( يحرض شيعته على قضاء الحاجة واصطناع المعروف )
قال عليه السلام : شيعتنا اما الجنة فلن تفوتكم سريعاً كان أو بطيئاً ولكن تنافسوا في الدرجات ، واعلموا أن ارفعكم درجات ، واحسنكم قصورا ودوراً وأبنية أحسنكم ايجاباً بايجاب المؤمنين ، واكثركم مواساة لفقرائهم.
ان الله ليقرب الواحد منكم الى الجنة بكلمة طيبة يكلم اخاه المؤمن الفقير بأكثر من مسيرة مائة عام بقدمه ، وان كان من المعذبين بالنار ، فلا تحتقروا الاحسان الى اخوانكم فسوف ينفعكم حيث لا يقوم مقام غيره(2).
(1) الكافي بهامش مرأة العقول ج3 ص 377 والتهذيب ج2 للطوسي.
(2) تفسير البرهان ج1 للسيد هاشم البحراني.
بلاغة الامام علي بن الحسين(ع) 51
( ومن كلام له عليه السلام )
( كلم به عبد الملك بن مروان )
حين دخل عليه فاستعظم ما رأى من أثر السجود بين عيني علي بن الحسين عليه السلام فقال : يا أبا محمد لقد بين عليك الاجتهاد ، ولقد سبق لك من الله الحسنى ، وأنت بضعة من رسول الله صلى الله عليه وآله قريب النسب ، وكيد السبب ، وانك لذو فضل عظيم على اهل بيتك وذوى عصرك ، ولقد أوتيت من الفضل والعلم والدين والورع ما لم يؤته أحد مثلك ولا قبلك إلا من مضى من سلفك وأقبل يثني عليه ويطريه.
فقال على بن الحسين عليه السلام كما وصفته وذكرته من فضل الله سبحانه وتأييده وتوفيقه فأين شكره على ما أنعم ، يا أمير المؤمنين كان رسول الله صلى الله عليه وآله يقف في الصلاة حتى يرم قدماه ، ويظمأ في الصيام حتى يعصب(1) فوه ، فقيل له يا رسول الله : ألم نغفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ، فيقول صلى الله عليه وآله : أفلا أكون عبداً شاكراً ، الحمد لله على ما أولى وأبلى ، وله الحمد
(1) العصب : جفاف الريق في الحلق.
بلاغة الامام علي بن الحسين(ع) 52
في الآخرة والأولى ، والله لو تقطعت أعضائي وسالت مقلتاي على صدري أن أقوم لله جل جلاله لم يشكر(1) عشر العشير من نعمه واحدة من جميع نعمه التي لا يحصيها العادون ، ولا يبلغ حد نعمة منها على جميع حمد الحامدين ، لا والله أو يراني الله لا يشغلني شيء عن شكره وذكره في ليل ولا نهار ، ولا سر ، ولا علانية ولولا أن لاهلي علي حقا ولسائر الناس من خاصهم وعامهم علي حقوقاً لا يسعني إلا القيام بها حسب الوسع والطاقة حتى اوديها اليهم ، لرميت بطرفي إلى السماء وقلبي إلى الله ثم أردهما حتى يقضي الله على نفسي وهو خير الحاكمين.
وبكى عليه السلام وبكى عبد الملك وقال : شتان بين عبد طلب الآخرة وسعى لها سعيها ، وبين من طلب الدنيا من أين جائته وماله في الآخرة من خلاق(2).
قوله عليه السلام : أو يراني الله ـ بمعنى : ( إلى ان ) أو (إلا ان) أي لا والله لا اترك الاجتهاد الى أن يراني الله على تلك الحال.
(1) لم اشكر خ ل.
(2) البحار ج11 ص 130 ومستدرك الوسائل ج1 ص 14 ومعالم العبر كلاهما للشيخ النوري ره.
بلاغة الامام علي بن الحسين(ع) 53
( ومن كلام له عليه السلام )
« في تفسير قوله تعالى :«الذي جعل لكم الارض فراشا والسماء بناءا»(1)»
كان يقول معنى هذه الآية : انه سبحانه جعل الارض ملائمة لطباعكم موافقة لاجسادكم ، ولم يجعلها شديدة الحرارة فتحرقكم ولا شديدة البرودة فتجمدكم ، ولا شديدة الريح فتصدعكم ، ولا شديدة الصلابة فتمتنع عليكم في دوركم ، وقبور موتاكم ، ولكنه عز وجل جعل فيها من المتانة ما تنتفعون به ، وتتماسك عليها ابدانكم وبنيانكم وجعل فيها كثيراً من منافعكم ، وجعل السماء سقفا محفوظاً من فوقكم ، يدير فيها شمسها وقمرها ونجومها لمنافعكم وانزل من السماء ماء من علا ليبلغ قلل جبالكم ، وتلالكم(2) وهضابكم(3)
(1) سورة البقرة الاية 22.
(2) التلال جمع تل من التراب معروف وهو الرابية.
(3) جمع الهضبة الجبل المنبسط على الارض.
بلاغة الامام علي بن الحسين(ع) 54
واوهادكم(1) ثم مزقه رذاذاً ووبلا(2) لاهطلا(3) فيفسد أرضكم وأشجاركم وزرعكم وثماركم وأخرج من الارض رزقا لكم فلا تجعلوا مع الله انداداً وأشباهاً ، وأمثالا وأصناماً لا تعقل ولاتبصر ولا تسمع ، وأنتم تعلمون انها لا تقدر على شيء من هذه النعم الجليلة التي أنعم بها عليكم ربكم تعالت الأوه ونعمائه(4).
( ومن كلام له عليه السلام )
( لمحمد بن مسلم بن شهاب الزهري يعظه )
لما دخل عليه عليه السلام وهو كئيب حزين فقال زين العابدين عليه السلام : ما بالك مغموما ؟ قال يا ابن رسول الله : غموم وهموم تتوالى على لما امتحنت به من جهة حساد نعمي والطامعين في وممن ارجوه وممن أحسنت اليه فيخلف ظني.
فقال له علي بن الحسين عليه السلام : أحفظ عليك لسانك ، تملك به اخوانك ، قال الزهري : يا ابن رسول الله اني احسن
(1) الاوهاد جمع الوهد الارض المنخفضة.
(2) الرذاذ المطر الضعيف وبلت السماء مطرت الوبل.
(3) الهطل المطر انزل متتابعاً متفرقا عظيم القطر.
(4) عيون أخبار الرضا « عليه السلام » ص 78 ط طهران للصدوق.
بلاغة الامام علي بن الحسين(ع) 55
اليهم بما يبدر من كلامي ، قال علي بن الحسين عليه السلام : هيهات هيهات اياك أن تعجب من فسك بذلك ، وإياك أن تتكلم بما يسبق إلى القلوب انكاره وان كان عندك اعتذاره ، فليس كل من تسمعه شراً يمكنك أن توسعه عذراً ، ثم قال : يا زهري اما عليك أن تجعل المسلمين منك بمنزلة أهل بيتك فتجعل كبيرهم بمنزلة والدك وتجعل صغيرهم بمنزلة ولدك ، وتجعل قربك منهم بمنزلة أخيك ، فاي هؤلاء ان تظلم ، ,اي هؤلاء تحب عليه أن تدعو عليه ، وأي هؤلاء تحب أن تهتك ستره ، وان عرض لك ابليس لعنه الله بان لك فضلا على أحد من اهل القبلة ، فانظر أن كان اكبر منك فقل قد سبقني بالايمان ، والعمل الصالح فهو خير مني ، وان كان اصغر منك فقل قد سبقني بالايمان ، والعمل الصالح فهو خير مني ، وان كان اصغر منك فقل قد سبقته بالمعاصي والذنوب فهو خير مني ، وان كان تربك(1) فقل انا على يقين من ذنبي ، وفي شك من أمره ، فما ادع يقيني لشكي ، وان رأيت المسلمين يعظمونك ويوقرونك ويبجلونك ، فقل هذا اخذوا به ، وان رأيت منهم جفا وانقباضا ، فقل هذا الذنب أحدثته ، فانك اذا فعلت ذلك سهل الله عليك عيشك، وكثر اصدقائك فقل اعدائك وفرحت بما يكون من برهم ولم تأسف على ما يكون من جفائهم ، واعلم ان اكرم الناس على
(1) الترب جمع اتراب من ولد معك في يوم واحد.
بلاغة الامام علي بن الحسين(ع) 56
الناس من كان خيره عليهم فايضا ، وكان عنهم مستغنيا متعففا ، واكرم الناس من بعده عليهم من كان مستعففاً وان كان اليهم محتاجاً ، فانما أهل الدنيا يتعقبون الأموال ، فمن لم يزدحمهم فيما يتعقبونه كرم عليهم ومن لم يزاحمهم فيها ومكنهم من بعضها كان اعز واكرم(1).
( ومن دعائه عليه السلام )
( حين بلغه توجه مسرف بن عقبة(2)الى المدينة)
رب كم من نعمة انعمت بها علي قل لك عندها شكري ، وكم من بلية ابتليتني بها قل لك صبري فيها ، من قل عند نعمته شكري فلم يحرمني ، وقل عند بلائه صبري فلم يخذلني ، ياذا المعروف الذي لا ينقطع ابدا وياذا النعماء التي لا تحصى عدداً ، صل على
(1) الاحتجاج ج2 ص 174 للطبرسي وتنبيه الخواطر للورام ص 30 وكيف تكسب الاصدقاء في نظر اهل البيت ص 133 ط مصر.
(2) كان ابن عقبة كما يذكر المؤرخون رجلا فاسقا فاجراً شريراً امره يزيد بن معاوية لعنه الله على الجيش الذي ارسله الى المدينة لنهبها لما امتنعوا من بيعته وقال له ان ظفرت بهم فابحها ثلاثة ايام بما فيها من الرجال والنساء والاطفال والاموال والسلاح فاذا مضت ثلاثة ايام فاكفف ـ
بلاغة الامام علي بن الحسين(ع) 57
محمد وآل محمد وادفع عني شره ، فاني ادرءك(1) في نحره واستعيذ بك من شره.
فقدم مسرف بن عقبة المدينة ، وكان يقال انه لا يريد غير علي بن الحسين عليه السلام فسلم منه وحباه ووصله(2).
* وكان عليه السلام إذا قرأ هذه الآية (3) :« وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها » يقول : سبحانه من لم يجعل في أحد من معرفه نعمة إلا المعرفة بالتقصير عن معرفتها كما لم يجعل في أحد من معرفة ادراكه اكثر من العلم بانه لا يدركه : فشكر عز وجل معرفة العارفين بالتقصير عن
ـ عنهم ففعل ما امر يزيد بل اسرف في ذلك حتى سمي بمسرف من القتل والنهب وهتك الاعراض حتى ولد في المدينة من تلك الواقعة اربعة الاف مولود لا يعرف له اب وشدوا الخيل الى اساطين مسجد رسول الله ( ص) قال الراوي رأيت الخيل حول قبر النبي (ص) قال سعيد بن المسيب وكان السجاد ( ع ) في تلك الايام على قلق ووجل وهو يأتي قبر رسول الله ( ص ) ويدعو عنده وكنت انا معه .
(1) ادفع.
(2) المناقب ج4 ص 124 لابن شهراشوب والارشاد ص 340 للمفيد.
(3) سورة ابراهيم آية 34.
بلاغة الامام علي بن الحسين(ع) 58
معرفته ، وجعل بالتقصير شكراً ، كما جعل علم العالمين انهم لا يدركونه ايماناً ، علماً منه انه قد وسع العباد فلا يجاوزون ذلك(2).
( ومن كلام له عليه السلام )
( في فضائل عترة النبي صلى الله عليه وآله)
قال عليه السلام : ان محمداً صلى الله عليه وآله كان أمين الله في أرضه ، فلما انقبض محمد صلى الله عليه وآله كنا أهل البيت امناء الله في أرضه ، عندنا علم البلايا والمنايا ، وأنساب العرب ، ومولد الاسلام ، وانا لنعرف الرجل إذا رأيناه بحقيقة الايمان ، وبحقيقة النفاق ، وان شيعتنا لمكتوبون معروفون باسمائهم واسماء آبائهم ، أخذ الله الميثاق علينا وعليهم ، يردون موردنا ، ويدخلون مداخلنا ، ليس على ملة ابراهيم الخليل الله غيرنا وغيرهم ، انا يوم القيامه آخذون بحجزة نبينا ، ونبينا آخذ بحجزة ربه ، وان الحجزة النور ، وشيعتنا آخذون بحجزنا ، من فارقنا هلك ، ومن تبعنا نجى ، والجاحد لولايتنا كافر ، ومتبعنا وتابع أولياءنا مؤمن ، لا يحبنا كافر ، ولا يبغضنا مؤمن ، من مات وهو محبنا كان حقا على الله أن يبعثه معنا ، نحن نور لمن تبعنا ، ونور لمن اقتد بنا
(2) بحار الانوار ج17 وتحف العقول ص 68 لابن شعبة.
بلاغة الامام علي بن الحسين(ع) 59
من رغب(1) عنا ليس منا ، ومن لم يكن معنا فليس من الاسلام في شيء ، بنا فتح الله الدين ، وبنا يختمه ، وبنا أطعمكم عشب الارض ، وبنا أنزل عليكم مطر السماء ، وبنا أمنكم الله من الغرق في بحركم ، ومن الخسف في بركم ، وبنا نفعكم الله في حياتكم ، وفي قبوركم ، وفي محشركم ، وعند الصراط ، وعند الميزان ، وعند دخول الجنان ، ان مثلنا في كتاب الله كمثل المشكاة ، والمشكاة في القنديل ، فنحن المشكاة فيها المصباح والمصباح هو محمد صلى الله عليه وآله المصباح في زجاجة ، نحن الزجاجة ، كأنها كوكب يوقد من شجرة مباركة زيتونة ، لا شرقية ولا غربية ، لا منكرة ولادعية ، يكاد زيتها نور يضيء ، ولو لم تمسسه نار نور ، القرآن نور على نور «يهدي الله لنوره من يشاء والله على كل شيء قدير »لى ان يهدي ، من أحب لولايتنا حقاً على الله أن يبعث ولينا ، مشرقا وجهه ، نيرا برهانه ، عظيما عند الله حجته ، ويجيء عدونا يمالقيامة مسودا وجهه ، مدحضة عند الله حجته ، وحق على الله أن يجعل ولينا رفيق النبيين ، والصديقين والشهداء والصالحين ، وحسن اولئك رفيقا ، حق على الله أن يجعل عدونا رفيقا للشياطين والكافرين ، وبئس اولئك رفيقا ولشهيدنا فضل على الشهداء غيرنا
(1) بمعنى اعرض.
بلاغة الامام علي بن الحسين(ع) 60
بعشر درجات ، ولشهيد شعيتنا على شهيد غيرنا سبع درجات ، فنحن النجباء ، ونحن افراط(1) الأنبياء وابناء الأوصياء ، ونحن خلفاء الأرض ، ونحن اولى الناس بالله ، ونحن المخصوصون في كتاب الله ، ونحن اولى الناس بدين الله ، ونحن الذين شرع الله لنا دينه ، فقال الله : «شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذين أوحينا اليك وما وصينا به ابراهيم وموسى وعيسى » فقد علمنا وبلغنا واستودعنا علمهم ، ونحن ورثة الأنبياء ، ونحن ذرية أولى العلم ، ان اقيموا الدين بآل محمد صلى الله عليه وآله ولا تتفرقوا فيه ، وكونوا على جملتكم كبر على المشركين بولاية علي بن أبي طالب ما تدعوهم اليه من ولاية علي ان الله يا محمد يجتني اليه من يشاء ، ويهدي اليه من ينيب من يجيبك إلى ولاية علي بن أبي طالب عليه السلام(2).
( ومن كلام له عليه السلام )
( في اختلاف المذاهب بعد النبي صلى الله عليه وآله )
قال عليه السلام : قد انتحلت طوائف من هذه الأمة بعد مفارقتها
(1) الفرط : العلم المستقيم يهتدي به والجمع افرط وافراط.
(2) بحار الانوار وناسخ التواريخ ج2 من احواله ( عليه السلام ) ص 249.
بلاغة الامام علي بن الحسين(ع) 61
ائمة الدين ، وشجرة النبوة ، اخلاص الديانة ، واخذوا أنفسهم في مخايل الرهبانية ، وتعالوا في العلوم ، ووصفوا الاسلام بأحسن صفاتهم ، وتحلوا باحسن السنة ، حتى إذا طال عليهم الأمد ، وبعدت عليهم الشقة ، وامتحنوا بمحن الصادقين ، رجعوا على أعقابهم ناكصين عن سبيل الهدى ، وعلم النجاة ، يتفسحون تحت اوراق البزل ولا يحرزوا السبق الرزايا وان جرت ولا يبلغ الغايات إلا سبوقها وذهب آخرون إلى التقصير في امرنا ، واحتجوا بمتشابه القرآن فتأولوا بآرائهم ، اتهموا بمأثور الخبر مما استحسنوا ، يقتحمون في اعمال الشبهات ودياجير الظلمات ، بعير قبس نور من الكتاب ، ولا اثرة علم من مظان العلم بتحذير مثبطين ، زعموا انهم على الرشد من غيهم ، والى من يفزع خلف هذه الأمة ، قد درست أعلام الملة والدين الأمة بالفرقة والاختلاف يكفر بعضهم بعضا والله تعالى يقول : « ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جائتهم البينات » فمن الموثوق به على ابلاغ الحجة ، وتأويل الحكمة ، إلا اهل الكتاب ، وابناء أئمة الهدى ومصابيح الدجى ، الذين احتج الله بهم على عباده ، ولم يدع الخلق سدى من غير حجة ، هل تعرفوهم أو تحدونهم الا من فروع الشجرة المباركة ، وبقايا صفوة الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم
بلاغة الامام علي بن الحسين(ع) 62
تطهيراً ، ويراهم من الآفات واقترن مودتهم بالكتاب :
هم العروة الوثقى وهم معدن التقى وخـير جـبال العالمـين وثيـقها(1)
أقول : من أخبار نبي الاسلام صلى الله عليه وآله الغيبية الذي نطق به هذا الكلام رواه جميع علماء السنة والشيعة : ( ستفترق امتي على ثلاث وسبعين فرقة وان منهم فرقة ناجية) وان الامام في هذه الكلمات يشرح الاختلاف وما كان له من اثار سيئة ونتائج وخيمة وبين ان الطريق الوحيد للتخلص منه هو الاخذ بتعاليم اهل البيت عليهم السلام والتمسك بحبالهم ( واهل البيت ادري بما في البيت ) وكما أمر النبي الاعظم صلى الله عليه وآله وجدهم المعظم بالاقتداء بهم واقترنهم بالكتاب الكريم في ذلك الحديث المشهور المتواتر.
( ومن وصية له عليه السلام ) (2)
( وصى بها ابنه محمد بن علي الباقر عليه السلام )
وذلك لما مرض علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب عليه السلام في مرضه الذي توفي فيه ، فجمع أولاده محمداً عليه السلام ، وعبدالله وعمر ، وزيد ، والحسين ، وأوصى الى ابنه محمد بن علي الباقر عليه السلام وكناه الباقر وجعل امرهم اليه وكان فيما وعظه في وصيته ان قال : ـ
(1) ناسخ التواريخ المجلد الاول من احواله ( عليه السلام ).
السابق الفهرس التالي
( ثم بكى وانشأ يقول ) : أتحرقني بالنار يا غاية المنى فاين رجـائي ثم ايـن محـبتي
أتيت باعمال قباح زرية(1) ما في الورى خلق جنى كجنايتي
( ثم بكى عليه السلام وقال ) : سبحانك تعصى كأنك لا ترى وتحلم كأنك لم تعص ، تتودد الى خلقك بحسن الصنيع ، كأن بك الحاجة اليهم ، وأنت ياسيدي الغني عنهم .
( ثم خر إلى الارض ) ، فدنوت منه وشلت برأسه فوضعته على ركبتي وبكيت حتى جرت دموعي على خده فاستوى ( عليه السلام ) . جالساً فقال : من الذي اشغلني عن ذكر ربي ؟ فقلت انا طاوس يا ابن رسول الله ما هذا الجزع والفزع ونحن يلزمنا أن نفعل هذا ونحن عاصون خافون(2) ، أبوك الحسين بن علي عليهما السلام ، وامك فاطمة الزهراء عليها السلام ، وجدك رسول الله صلى عليه وآله فالتفت إلي وقال :
هيهات هيهات يا طاوس ، دع عني حديث أبي وجدي ، خلق الله الجنة لمن أطاعه وأحسن وان كان عبداً حبشياً ، وخلق
(1) بتقديم المعجمة من قوله زري عليه اي عابه وعايبه وفي بعض النسخ ردية .
(2) حافون ( خ ل) .
بلاغة الامام علي بن الحسين(ع) 44
الله النار لمن عصاه وان كان ولداً قرشياً ، أما سمعت قوله تعالى : « فاذا نفخ في الصور فلا انساب بينهم يومئذ ولا يتسائلون » والله ما ينفعك غدا إلا تقدمة تقدمها من عمل صالح(1)
( ومن كلام له عليه السلام )
احتج به لما جاء اليه رجل من أهل البصرة ، فقال : يا علي بن الحسين أن جدك علي بن أبي طالب قتل المؤمنين ، فهملت عينا علي بن الحسين عليهما السلام دموعاً حتى امتلأت كفه منها ، ثم ضرب بها على الحصى ثم قال عليه السلام : يا أخا أهل البصرة ، لا والله ما قتل علي عليه السلام مؤمنا ، ولا قتل مسلماً ، وما أسلم القوم ولكن استسلموا وكتموا الكفر ، واظهروا الاسلام ، فلما وجدوا على الكفر أعواناً أظهروه ، وقد علمت صاحبة الحدث والمستحفظون(2) من آل
(1) البحار ج17 ص 18 للمجلسي والمناقب لابن شهر اشوب ج4 ص118.
(2) قرئت بوجهين بالبناء للفاعل والمعنى استحفظوا الامانة أي حفظوها والبناء للمفعول والمعنى استحفظهم الله اياها والمراد هم الائمة من اهل البيت ( عليهم السلام ) لانهم حفظوا الدين والشريعة قاله في مجمع البحرين في مادة حفظ .
بلاغة الامام علي بن الحسين(ع) 45
محمد صلى الله عليه وآله وسلم ان اصحاب الجمل ، واصحاب صفين ، واصحاب النهروان ولعنوا على لسان النبي الامي ، وقد خاب من افترى.
فقال شيخ من أهل الكوفة يا علي بن الحسين ان جدك كان يقول اخواننا بغوا علينا ، فقال علي بن الحسين عليه السلام : أما تقرأ كتاب الله : « وإلى عاد اخاهم هودا » فهم من مثلهم انجى الله عز وجل هوداً ، والذين معه وأهلك عاداً بالريح العقيم(1).
( ومن وصية له عليه السلام )
( لابنه محمد بن علي صلوات الله عليه في انه الامام من بعده )
( قال عليه السلام ) : بني اني جعلتك خليفتي من بعدي لا يدعي فيما بيني وبينك أحد إلا قلده الله يوم القيامة طوقاً من النار ، فاحمد الله على ذلك واشكره ، يا بني اشكر لمن انعم عليك ، فانه لا يزول نعمة إذا شكرت ولابقاء لها اذا كفرت ، والشاكر يشكره اسعد منه بالنعمة التي وجب عليه بها الشكر ، وتلا علي بن الحسين عليه السلام : « لئن شكرتم لأزيدنكم ، ولئن
(1) الاحتجاج على اهل اللجاج ج2 ص 170 ط نجف للطبرسي.
بلاغة الامام علي بن الحسين(ع) 46
كفرتم ان عذابي لشديد(1).
( ومن كلام له عليه السلام )
( في النهي عن الاغترار بما يعمله المرائي )
قال : اذا رأيتم الرجل قد حسن سمته وهديه ، وتماوت في منطقه وتخاضع في حركاته ، فرويداً لا يغرنكم ، فما اكثر من يعجزه تناول الدنيا وركوب الحرام منها لضعف نيته ومهانته ، وجبن قلبه ، فنصب الدين فخاً لها ، فهو لا يزال يختل الناس بظاهره ، فان تمكن من حرام اقتحمه ، وإذا وجدتموه يعف المال الحرام فرويداً لا يغرنكم حتى تنظروا ما عقده عقله ، فما أكثر من ترك ذلك اجمع ، ثم لا يرجع الى عقل متين ، فيكون يفسده بجهله أكثر مما يصلحه بعقله ، فاذا وجدتم عقله متيناً فرويداً لا يغرنكم حتى تنظروا مع هواه يكون عقله ، أم يكون مع عقله هواه ، وكيف محبته للرياسات الباطلة وزهده فيها ، فان في الناس من خسر الدنيا والاخرة يترك الدنيا للدنيا ، ويرى ان لذة الرياسة الباطلة أفضل من لذة الأموال والنعم المباحة المحللة ، فيترك ذلك أجمع طلبا
(1) كفاية الاثر في النصوص على الائمة الاثني عشر ( عليه السلام ) ص 319 للخزاز القمي.
بلاغة الامام علي بن الحسين(ع) 47
للرياسة حتى اذا قيل له : اتق الله «أخذته العزة بالاثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد »» فهو يخبط خبط عشوا ، يقوده اول باطل الى أبعد غايات الخسارة ، ويمده ربه بعد طلبه لما يقدر عليه في طغيانه ، فهو يحل ما حرم الله ، ويحرم ما أحل الله ، لا يبالي ما فات من دينه اذا سلمت له الرياسة التي قد شقى من اجلها « فاولئك الذين غضب الله عليهم ولعنهم وأعد لهم عذاباً مهيناً » ولكن الرجل كل الرجل نعم الرجل هو الذي جهل هواه تبعا لأمر الله ، وقواه مبذولة في رضى الله يرى الذل مع الحق أقرب إلى العز الابد من العز في الباطل ، ويعلم أن قليل ما يحتمله من ضرائها يؤديه إلى دوام النعيم في دار لا تبيد ولا تنفذ ، وان كثيراً ما يلحقه من سرائها ان اتبع هواه يؤديه إلى عذاب لا انقطاع له ولا يزول ، فذلكم الرجل نعم الرجل ، فبه فتمسكوا ، وبسنته فاقتدوا وإلى ربكم فتوسلوا ، فانه لا ترد له دعوة ، ولا تخيب له طلبة(1).
(1) الاحتجاج ص 175 ج2 وتنبيه الخواطر ص 306 الورام وتفسير الامام العسكري ص 19.
بلاغة الامام علي بن الحسين(ع) 48
( ومن كلام له عليه السلام )
( في بيان خروج القائم عليه السلام )
عن أبي خالد الكابلي قال : قال لي علي بن الحسين عليه السلام : يا أبا خالد لتأتين فتن كقطع الليل المظلم ، لا ينجو إلا من أخذ الله ميثاقه أولئك مصابيح الهدى ، وينابيع العلم ، وينجيهم الله من كل فتنة مظلمة ، كأني بصاحبكم قد علا فوق نجفكم بظهر كوفان في ثلثمائة وبضعة عشر رجلا جبرئيل عن يمينه ، وميكائيل عن شماله وأسرافيل امامه ، ومعه رأية رسول الله صلى الله عليه وآله قد نشرها ، لا يهوي بها الا قوم إلا أهلكهم الله عز وجل(1).
( ومن دعائه له عليه السلام )
اللهم فاوزع لوليك(2) شكر ما انعمت به علينا ، واوزعنا
(1) بحار الانوار ج17 ص 34.
(2) قيل كناية عن المهدي كما في شرح الصحيفة وقال في مكيال المكارم ان المراد بالولي المطلق في السنتهم ودعواتهم عليهم السلام هو مولانا صاحب العصر عجل الله فرجه وجعلنا من انصاره واعوانه ـ وأوزع بمعنى الهم.
بلاغة الامام علي بن الحسين(ع) 49
مثله فيه وأته من لدنك سلطاناً نصيراً ، وافتح له فتحا يسيرا ، واعنه بركنك الاعز ، واشدد ازره ، وقو عضده ، وراعه بعينك، واحمه بحفظك، وانصره بملائكتك وامدده بجندك الاغلب ، واقم به كتابك وحدودك وشرايعك ، وسنن رسولك صلواتك اللهم عليه وآله ، واحي به ما اماته الظالمون من معالم دينك ، واجل به صدء الجور عن طريقك وابن به الضراء عن سبيلك ، وازل به الناكبين عن صراطك ، وامحق به بغاة قصدك عوجاً ، وألن جانبه لاوليائك ، وابسط يده على اعدائك وهب لنا رأفته ورحمته ، وتعطفه وتحننه واجعلنا له سامعين ، وفي رضاه ساعين ، والى نصرته والمدافعة عنه مكتفين ، واليك والى رسولك صلواتك اللهم عليه وآله بذلك متقربين(1).
( ومن كلام له عليه السلام )
( لما سئله رجال من قريش كيف الدعوة الى الدين )
فقال عليه السلام : ـ بسم الله الرحمن الرحيم ـ ادعوك الى الله تعالى ، والى دينه ، جماعة امران : معرفة الله ، والاخر العمل برضوانه ، وان معرفة الله أن تعرفه بالوحدانية ، والرأفة والرحمة
(1) الصحيفة السجادية.
بلاغة الامام علي بن الحسين(ع) 50
والعلم والقدرة ، والعلو على كل شيء ، وانه النافع الضار القاهر لكل شيء، الذي لا تدركه الابصار وهو اللطيف الخبير.
وان محمداً عبده ورسوله ، وان ما جاء به هو الحق من عند الله تعالى وما سواهما هو الباطل ، فاذا اجـابوا الى ذلك فلهم ما للمسلمين وعليهم مـا على المسلمين(1).
( ومن كلام له عليه السلام )
( يحرض شيعته على قضاء الحاجة واصطناع المعروف )
قال عليه السلام : شيعتنا اما الجنة فلن تفوتكم سريعاً كان أو بطيئاً ولكن تنافسوا في الدرجات ، واعلموا أن ارفعكم درجات ، واحسنكم قصورا ودوراً وأبنية أحسنكم ايجاباً بايجاب المؤمنين ، واكثركم مواساة لفقرائهم.
ان الله ليقرب الواحد منكم الى الجنة بكلمة طيبة يكلم اخاه المؤمن الفقير بأكثر من مسيرة مائة عام بقدمه ، وان كان من المعذبين بالنار ، فلا تحتقروا الاحسان الى اخوانكم فسوف ينفعكم حيث لا يقوم مقام غيره(2).
(1) الكافي بهامش مرأة العقول ج3 ص 377 والتهذيب ج2 للطوسي.
(2) تفسير البرهان ج1 للسيد هاشم البحراني.
بلاغة الامام علي بن الحسين(ع) 51
( ومن كلام له عليه السلام )
( كلم به عبد الملك بن مروان )
حين دخل عليه فاستعظم ما رأى من أثر السجود بين عيني علي بن الحسين عليه السلام فقال : يا أبا محمد لقد بين عليك الاجتهاد ، ولقد سبق لك من الله الحسنى ، وأنت بضعة من رسول الله صلى الله عليه وآله قريب النسب ، وكيد السبب ، وانك لذو فضل عظيم على اهل بيتك وذوى عصرك ، ولقد أوتيت من الفضل والعلم والدين والورع ما لم يؤته أحد مثلك ولا قبلك إلا من مضى من سلفك وأقبل يثني عليه ويطريه.
فقال على بن الحسين عليه السلام كما وصفته وذكرته من فضل الله سبحانه وتأييده وتوفيقه فأين شكره على ما أنعم ، يا أمير المؤمنين كان رسول الله صلى الله عليه وآله يقف في الصلاة حتى يرم قدماه ، ويظمأ في الصيام حتى يعصب(1) فوه ، فقيل له يا رسول الله : ألم نغفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ، فيقول صلى الله عليه وآله : أفلا أكون عبداً شاكراً ، الحمد لله على ما أولى وأبلى ، وله الحمد
(1) العصب : جفاف الريق في الحلق.
بلاغة الامام علي بن الحسين(ع) 52
في الآخرة والأولى ، والله لو تقطعت أعضائي وسالت مقلتاي على صدري أن أقوم لله جل جلاله لم يشكر(1) عشر العشير من نعمه واحدة من جميع نعمه التي لا يحصيها العادون ، ولا يبلغ حد نعمة منها على جميع حمد الحامدين ، لا والله أو يراني الله لا يشغلني شيء عن شكره وذكره في ليل ولا نهار ، ولا سر ، ولا علانية ولولا أن لاهلي علي حقا ولسائر الناس من خاصهم وعامهم علي حقوقاً لا يسعني إلا القيام بها حسب الوسع والطاقة حتى اوديها اليهم ، لرميت بطرفي إلى السماء وقلبي إلى الله ثم أردهما حتى يقضي الله على نفسي وهو خير الحاكمين.
وبكى عليه السلام وبكى عبد الملك وقال : شتان بين عبد طلب الآخرة وسعى لها سعيها ، وبين من طلب الدنيا من أين جائته وماله في الآخرة من خلاق(2).
قوله عليه السلام : أو يراني الله ـ بمعنى : ( إلى ان ) أو (إلا ان) أي لا والله لا اترك الاجتهاد الى أن يراني الله على تلك الحال.
(1) لم اشكر خ ل.
(2) البحار ج11 ص 130 ومستدرك الوسائل ج1 ص 14 ومعالم العبر كلاهما للشيخ النوري ره.
بلاغة الامام علي بن الحسين(ع) 53
( ومن كلام له عليه السلام )
« في تفسير قوله تعالى :«الذي جعل لكم الارض فراشا والسماء بناءا»(1)»
كان يقول معنى هذه الآية : انه سبحانه جعل الارض ملائمة لطباعكم موافقة لاجسادكم ، ولم يجعلها شديدة الحرارة فتحرقكم ولا شديدة البرودة فتجمدكم ، ولا شديدة الريح فتصدعكم ، ولا شديدة الصلابة فتمتنع عليكم في دوركم ، وقبور موتاكم ، ولكنه عز وجل جعل فيها من المتانة ما تنتفعون به ، وتتماسك عليها ابدانكم وبنيانكم وجعل فيها كثيراً من منافعكم ، وجعل السماء سقفا محفوظاً من فوقكم ، يدير فيها شمسها وقمرها ونجومها لمنافعكم وانزل من السماء ماء من علا ليبلغ قلل جبالكم ، وتلالكم(2) وهضابكم(3)
(1) سورة البقرة الاية 22.
(2) التلال جمع تل من التراب معروف وهو الرابية.
(3) جمع الهضبة الجبل المنبسط على الارض.
بلاغة الامام علي بن الحسين(ع) 54
واوهادكم(1) ثم مزقه رذاذاً ووبلا(2) لاهطلا(3) فيفسد أرضكم وأشجاركم وزرعكم وثماركم وأخرج من الارض رزقا لكم فلا تجعلوا مع الله انداداً وأشباهاً ، وأمثالا وأصناماً لا تعقل ولاتبصر ولا تسمع ، وأنتم تعلمون انها لا تقدر على شيء من هذه النعم الجليلة التي أنعم بها عليكم ربكم تعالت الأوه ونعمائه(4).
( ومن كلام له عليه السلام )
( لمحمد بن مسلم بن شهاب الزهري يعظه )
لما دخل عليه عليه السلام وهو كئيب حزين فقال زين العابدين عليه السلام : ما بالك مغموما ؟ قال يا ابن رسول الله : غموم وهموم تتوالى على لما امتحنت به من جهة حساد نعمي والطامعين في وممن ارجوه وممن أحسنت اليه فيخلف ظني.
فقال له علي بن الحسين عليه السلام : أحفظ عليك لسانك ، تملك به اخوانك ، قال الزهري : يا ابن رسول الله اني احسن
(1) الاوهاد جمع الوهد الارض المنخفضة.
(2) الرذاذ المطر الضعيف وبلت السماء مطرت الوبل.
(3) الهطل المطر انزل متتابعاً متفرقا عظيم القطر.
(4) عيون أخبار الرضا « عليه السلام » ص 78 ط طهران للصدوق.
بلاغة الامام علي بن الحسين(ع) 55
اليهم بما يبدر من كلامي ، قال علي بن الحسين عليه السلام : هيهات هيهات اياك أن تعجب من فسك بذلك ، وإياك أن تتكلم بما يسبق إلى القلوب انكاره وان كان عندك اعتذاره ، فليس كل من تسمعه شراً يمكنك أن توسعه عذراً ، ثم قال : يا زهري اما عليك أن تجعل المسلمين منك بمنزلة أهل بيتك فتجعل كبيرهم بمنزلة والدك وتجعل صغيرهم بمنزلة ولدك ، وتجعل قربك منهم بمنزلة أخيك ، فاي هؤلاء ان تظلم ، ,اي هؤلاء تحب عليه أن تدعو عليه ، وأي هؤلاء تحب أن تهتك ستره ، وان عرض لك ابليس لعنه الله بان لك فضلا على أحد من اهل القبلة ، فانظر أن كان اكبر منك فقل قد سبقني بالايمان ، والعمل الصالح فهو خير مني ، وان كان اصغر منك فقل قد سبقني بالايمان ، والعمل الصالح فهو خير مني ، وان كان اصغر منك فقل قد سبقته بالمعاصي والذنوب فهو خير مني ، وان كان تربك(1) فقل انا على يقين من ذنبي ، وفي شك من أمره ، فما ادع يقيني لشكي ، وان رأيت المسلمين يعظمونك ويوقرونك ويبجلونك ، فقل هذا اخذوا به ، وان رأيت منهم جفا وانقباضا ، فقل هذا الذنب أحدثته ، فانك اذا فعلت ذلك سهل الله عليك عيشك، وكثر اصدقائك فقل اعدائك وفرحت بما يكون من برهم ولم تأسف على ما يكون من جفائهم ، واعلم ان اكرم الناس على
(1) الترب جمع اتراب من ولد معك في يوم واحد.
بلاغة الامام علي بن الحسين(ع) 56
الناس من كان خيره عليهم فايضا ، وكان عنهم مستغنيا متعففا ، واكرم الناس من بعده عليهم من كان مستعففاً وان كان اليهم محتاجاً ، فانما أهل الدنيا يتعقبون الأموال ، فمن لم يزدحمهم فيما يتعقبونه كرم عليهم ومن لم يزاحمهم فيها ومكنهم من بعضها كان اعز واكرم(1).
( ومن دعائه عليه السلام )
( حين بلغه توجه مسرف بن عقبة(2)الى المدينة)
رب كم من نعمة انعمت بها علي قل لك عندها شكري ، وكم من بلية ابتليتني بها قل لك صبري فيها ، من قل عند نعمته شكري فلم يحرمني ، وقل عند بلائه صبري فلم يخذلني ، ياذا المعروف الذي لا ينقطع ابدا وياذا النعماء التي لا تحصى عدداً ، صل على
(1) الاحتجاج ج2 ص 174 للطبرسي وتنبيه الخواطر للورام ص 30 وكيف تكسب الاصدقاء في نظر اهل البيت ص 133 ط مصر.
(2) كان ابن عقبة كما يذكر المؤرخون رجلا فاسقا فاجراً شريراً امره يزيد بن معاوية لعنه الله على الجيش الذي ارسله الى المدينة لنهبها لما امتنعوا من بيعته وقال له ان ظفرت بهم فابحها ثلاثة ايام بما فيها من الرجال والنساء والاطفال والاموال والسلاح فاذا مضت ثلاثة ايام فاكفف ـ
بلاغة الامام علي بن الحسين(ع) 57
محمد وآل محمد وادفع عني شره ، فاني ادرءك(1) في نحره واستعيذ بك من شره.
فقدم مسرف بن عقبة المدينة ، وكان يقال انه لا يريد غير علي بن الحسين عليه السلام فسلم منه وحباه ووصله(2).
* وكان عليه السلام إذا قرأ هذه الآية (3) :« وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها » يقول : سبحانه من لم يجعل في أحد من معرفه نعمة إلا المعرفة بالتقصير عن معرفتها كما لم يجعل في أحد من معرفة ادراكه اكثر من العلم بانه لا يدركه : فشكر عز وجل معرفة العارفين بالتقصير عن
ـ عنهم ففعل ما امر يزيد بل اسرف في ذلك حتى سمي بمسرف من القتل والنهب وهتك الاعراض حتى ولد في المدينة من تلك الواقعة اربعة الاف مولود لا يعرف له اب وشدوا الخيل الى اساطين مسجد رسول الله ( ص) قال الراوي رأيت الخيل حول قبر النبي (ص) قال سعيد بن المسيب وكان السجاد ( ع ) في تلك الايام على قلق ووجل وهو يأتي قبر رسول الله ( ص ) ويدعو عنده وكنت انا معه .
(1) ادفع.
(2) المناقب ج4 ص 124 لابن شهراشوب والارشاد ص 340 للمفيد.
(3) سورة ابراهيم آية 34.
بلاغة الامام علي بن الحسين(ع) 58
معرفته ، وجعل بالتقصير شكراً ، كما جعل علم العالمين انهم لا يدركونه ايماناً ، علماً منه انه قد وسع العباد فلا يجاوزون ذلك(2).
( ومن كلام له عليه السلام )
( في فضائل عترة النبي صلى الله عليه وآله)
قال عليه السلام : ان محمداً صلى الله عليه وآله كان أمين الله في أرضه ، فلما انقبض محمد صلى الله عليه وآله كنا أهل البيت امناء الله في أرضه ، عندنا علم البلايا والمنايا ، وأنساب العرب ، ومولد الاسلام ، وانا لنعرف الرجل إذا رأيناه بحقيقة الايمان ، وبحقيقة النفاق ، وان شيعتنا لمكتوبون معروفون باسمائهم واسماء آبائهم ، أخذ الله الميثاق علينا وعليهم ، يردون موردنا ، ويدخلون مداخلنا ، ليس على ملة ابراهيم الخليل الله غيرنا وغيرهم ، انا يوم القيامه آخذون بحجزة نبينا ، ونبينا آخذ بحجزة ربه ، وان الحجزة النور ، وشيعتنا آخذون بحجزنا ، من فارقنا هلك ، ومن تبعنا نجى ، والجاحد لولايتنا كافر ، ومتبعنا وتابع أولياءنا مؤمن ، لا يحبنا كافر ، ولا يبغضنا مؤمن ، من مات وهو محبنا كان حقا على الله أن يبعثه معنا ، نحن نور لمن تبعنا ، ونور لمن اقتد بنا
(2) بحار الانوار ج17 وتحف العقول ص 68 لابن شعبة.
بلاغة الامام علي بن الحسين(ع) 59
من رغب(1) عنا ليس منا ، ومن لم يكن معنا فليس من الاسلام في شيء ، بنا فتح الله الدين ، وبنا يختمه ، وبنا أطعمكم عشب الارض ، وبنا أنزل عليكم مطر السماء ، وبنا أمنكم الله من الغرق في بحركم ، ومن الخسف في بركم ، وبنا نفعكم الله في حياتكم ، وفي قبوركم ، وفي محشركم ، وعند الصراط ، وعند الميزان ، وعند دخول الجنان ، ان مثلنا في كتاب الله كمثل المشكاة ، والمشكاة في القنديل ، فنحن المشكاة فيها المصباح والمصباح هو محمد صلى الله عليه وآله المصباح في زجاجة ، نحن الزجاجة ، كأنها كوكب يوقد من شجرة مباركة زيتونة ، لا شرقية ولا غربية ، لا منكرة ولادعية ، يكاد زيتها نور يضيء ، ولو لم تمسسه نار نور ، القرآن نور على نور «يهدي الله لنوره من يشاء والله على كل شيء قدير »لى ان يهدي ، من أحب لولايتنا حقاً على الله أن يبعث ولينا ، مشرقا وجهه ، نيرا برهانه ، عظيما عند الله حجته ، ويجيء عدونا يمالقيامة مسودا وجهه ، مدحضة عند الله حجته ، وحق على الله أن يجعل ولينا رفيق النبيين ، والصديقين والشهداء والصالحين ، وحسن اولئك رفيقا ، حق على الله أن يجعل عدونا رفيقا للشياطين والكافرين ، وبئس اولئك رفيقا ولشهيدنا فضل على الشهداء غيرنا
(1) بمعنى اعرض.
بلاغة الامام علي بن الحسين(ع) 60
بعشر درجات ، ولشهيد شعيتنا على شهيد غيرنا سبع درجات ، فنحن النجباء ، ونحن افراط(1) الأنبياء وابناء الأوصياء ، ونحن خلفاء الأرض ، ونحن اولى الناس بالله ، ونحن المخصوصون في كتاب الله ، ونحن اولى الناس بدين الله ، ونحن الذين شرع الله لنا دينه ، فقال الله : «شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذين أوحينا اليك وما وصينا به ابراهيم وموسى وعيسى » فقد علمنا وبلغنا واستودعنا علمهم ، ونحن ورثة الأنبياء ، ونحن ذرية أولى العلم ، ان اقيموا الدين بآل محمد صلى الله عليه وآله ولا تتفرقوا فيه ، وكونوا على جملتكم كبر على المشركين بولاية علي بن أبي طالب ما تدعوهم اليه من ولاية علي ان الله يا محمد يجتني اليه من يشاء ، ويهدي اليه من ينيب من يجيبك إلى ولاية علي بن أبي طالب عليه السلام(2).
( ومن كلام له عليه السلام )
( في اختلاف المذاهب بعد النبي صلى الله عليه وآله )
قال عليه السلام : قد انتحلت طوائف من هذه الأمة بعد مفارقتها
(1) الفرط : العلم المستقيم يهتدي به والجمع افرط وافراط.
(2) بحار الانوار وناسخ التواريخ ج2 من احواله ( عليه السلام ) ص 249.
بلاغة الامام علي بن الحسين(ع) 61
ائمة الدين ، وشجرة النبوة ، اخلاص الديانة ، واخذوا أنفسهم في مخايل الرهبانية ، وتعالوا في العلوم ، ووصفوا الاسلام بأحسن صفاتهم ، وتحلوا باحسن السنة ، حتى إذا طال عليهم الأمد ، وبعدت عليهم الشقة ، وامتحنوا بمحن الصادقين ، رجعوا على أعقابهم ناكصين عن سبيل الهدى ، وعلم النجاة ، يتفسحون تحت اوراق البزل ولا يحرزوا السبق الرزايا وان جرت ولا يبلغ الغايات إلا سبوقها وذهب آخرون إلى التقصير في امرنا ، واحتجوا بمتشابه القرآن فتأولوا بآرائهم ، اتهموا بمأثور الخبر مما استحسنوا ، يقتحمون في اعمال الشبهات ودياجير الظلمات ، بعير قبس نور من الكتاب ، ولا اثرة علم من مظان العلم بتحذير مثبطين ، زعموا انهم على الرشد من غيهم ، والى من يفزع خلف هذه الأمة ، قد درست أعلام الملة والدين الأمة بالفرقة والاختلاف يكفر بعضهم بعضا والله تعالى يقول : « ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جائتهم البينات » فمن الموثوق به على ابلاغ الحجة ، وتأويل الحكمة ، إلا اهل الكتاب ، وابناء أئمة الهدى ومصابيح الدجى ، الذين احتج الله بهم على عباده ، ولم يدع الخلق سدى من غير حجة ، هل تعرفوهم أو تحدونهم الا من فروع الشجرة المباركة ، وبقايا صفوة الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم
بلاغة الامام علي بن الحسين(ع) 62
تطهيراً ، ويراهم من الآفات واقترن مودتهم بالكتاب :
هم العروة الوثقى وهم معدن التقى وخـير جـبال العالمـين وثيـقها(1)
أقول : من أخبار نبي الاسلام صلى الله عليه وآله الغيبية الذي نطق به هذا الكلام رواه جميع علماء السنة والشيعة : ( ستفترق امتي على ثلاث وسبعين فرقة وان منهم فرقة ناجية) وان الامام في هذه الكلمات يشرح الاختلاف وما كان له من اثار سيئة ونتائج وخيمة وبين ان الطريق الوحيد للتخلص منه هو الاخذ بتعاليم اهل البيت عليهم السلام والتمسك بحبالهم ( واهل البيت ادري بما في البيت ) وكما أمر النبي الاعظم صلى الله عليه وآله وجدهم المعظم بالاقتداء بهم واقترنهم بالكتاب الكريم في ذلك الحديث المشهور المتواتر.
( ومن وصية له عليه السلام ) (2)
( وصى بها ابنه محمد بن علي الباقر عليه السلام )
وذلك لما مرض علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب عليه السلام في مرضه الذي توفي فيه ، فجمع أولاده محمداً عليه السلام ، وعبدالله وعمر ، وزيد ، والحسين ، وأوصى الى ابنه محمد بن علي الباقر عليه السلام وكناه الباقر وجعل امرهم اليه وكان فيما وعظه في وصيته ان قال : ـ
(1) ناسخ التواريخ المجلد الاول من احواله ( عليه السلام ).
السابق الفهرس التالي